عندما أجل طوني بلير نشر مذكراته إلى ما بعد الانتهاء من الانتخابات العامة، شاع افتراض بأنه لن يقسو في وصف علاقاته المتذبذبة والمتوترة مع غوردون براون. وسوف يحصل رئيس الوزراء السابق على 4.6 ملايين جنيه إسترليني لقاء كتابة مذكراته »رحلتي«، الذي سيصدر في سبتمبر المقبل وفق الإعلان الذي صدر عن دار النشر. غير أن شهية مراقبي أوضاع حزب العمال، لمطالعة رواية تسفك فيها الدماء في الحرب بين من يطلقون عليهم »ت ب و غ ب« لن تجد ما يشبعها. الدعاية حول الكتاب الصادرة عن الناشر تعد القارئ بأن المذكرات ستتناول »النجاحات، والأمور المثيرة للجدل، وخيبات الأمل بصراحة غير عادية«. بيد أن الحديث المتداول في أوساط أصدقاء بلير يشير إلى أنه لن يغرس الخنجر في ظهر خليفته. ويقولون إنه قد لا يصل إلى تلك الدرجة على أي حال. وقال أحدهم »إن ذلك ليس أسلوبه عندما كان رئيسا للوزراء، كما أنه ليس أسلوبه حاليا«. وسيشعر هذا الأمر براون بالارتياح، خاصة أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى وجود فرصة له بأنه سيظل محتفظا بمنصبه، عندما تصدر مذكرات بلير التي ينتظرها الجميع. وتوقيت صدور كتاب بلير ما زال يشكل مصدر إزعاج بالنسبة لرئيس الوزراء، إذ يتوقع صدوره قبل وقت قصير من عقد مؤتمر حزب العمال السنوي في فترة ما بعد الانتخابات. وهو لا يهدف إلى إثارة المشاكل في تلك المناسبة، بل إنه يصدر في الوقت المناسب لسوق الكتب في مناسبة أعياد الكريسماس، وهي فترة رواج لتلك السوق. وفي حالة عدم حسم نتيجة الانتخابات العامة قد تشهد بريطانيا جولة ثانية من الانتخابات خلال فصل الخريف. وفي هذه الحالة، قد يطلب بلير من الناشرين تأجيل صدور الكتاب. أسرار لم تكشف وما ذكره بلير في الكتاب أو أخفاه ما زال طي الكتمان، ولا يعود ذلك فقط إلى الإشاعات القائلة بأنه حصل على مبلغ من ستة أرقام مقابل نشر حلقات منه في إحدى الصحف البريطانية. كما أن المراقبين يتوقون إلى معرفة إذا ما كان سيؤكد التكهنات بأنه لم يكن يرغب في أن يخلفه غوردون براون، وأنه نادم لعدم إعداده لخليفة بديل يحمل أفكاره، وعلى سبيل المثال ترقية ديفيد ميليباند لمنصب وزاري رفيع حتى يتمكن من تحدي براون في سباق الوصول إلى قيادة حزب العمال في عام 2007. ولقد ورد ذكر بلير في ثلاثة كتب نشرت مؤخرا من تأليف كل من بيتر وات السكرتير العام السابق لحزب العمال، ولا ننسى برايس المسؤول الإعلامي السابق في مقر رئيس الوزراء، والصحافي المتخصص في الشؤون السياسية أندرو رونسلي الذي كشف النقاب عن ادعاءات تقول أن براون كان يعامل موظفيه بقسوة. وهنالك لمحة من سيرة أكثر تعاطفا بقلم الصحافية سوزي ماكينزي ستصدر في الخريف، تواصل فضيحة القسوة على الموظفين. فقد أصدرت شريطا بصوت ستيوارت وود أحد مساعدي براون يخبرها كيف دفعه رئيس الوزراء من على الدرج في 10 داوننغ ستريت. وإذا أحجم بلير عن الكشف، فإن النسخة التي قد تقدم أكثر الصور إثارة حول شجارات بلير براون التي كانت سمة فترة ولاية بلير التي استمرت لعشر سنوات قد تأتي في الجزء الثاني من مذكرات الستير كامبل مدير الاتصالات والاستراتيجية السابق، ففي الجزء الأول الصادر في عام 2007 تجنب إحراج براون. غير أن الستير كامبل يعمل حاليا مستشارا لبراون ومن المستبعد ان ينشر في كتابه التالي أي معلومات جديدة بينما لا يزال في منصبه. خلف الأبواب ويقال إن بلير يتوق إلى وصف ما يدور فعلا خلف الباب الشهير لدواننغ ستريت في محاولة، بكل تأكيد، تهدف إلى تثبيت نفسه في ذاكرة التاريخ. وعلى الرغم من أن مذكراته ستشمل أمورا أبعد من العراق، فإن منتقديه سوف ينظرون إلى مذكراته، من دون شك، على انها محاولة لتبرير الحرب التي تحولت إلى رمز لفترة ولايته. وقد بيعت حقوق ترجمة المذكرات إلى 12 لغة، وهنالك نسخة باللغة العربية يتوقع أن توزع في العراق. ولابد أن منتقديه سينظرون إلى الإيحاءات الدينية في العنوان الذي اختاره نظرة ريبة. وعلى خلاف من مدير اتصالاته السابق، لم يسجل بلير يوميات مفصلة أثناء توليه رئاسة الوزارة. وقد تأخر عن عمد في الكتابة عندما تنحى عن منصبه في عام 2007 حيث قال إنه يود أولا أن تكون له حياة جديدة بدلا من قضاء الوقت في التفكير في حياته الماضية. وكان يقسم وقته ما بين عملية الكتابة، وارتباطاته بإلقاء محاضرات تأخذه إلى أماكن متفرقة من العالم، وعمله مبعوثا للسلام في الشرق الأوسط. وقد أقر بأن شركة راندوم هاوس، ناشرة الكتاب، ظلت تستحثه على إنجازه في بعض الأحيان. وأن معاونيه كانوا يخصصون له بعض الوقت في أجندته المزدحمة ليتمكن من العمل في الكتاب. وأنه أنجز الكثير منه أثناء تنقلاته بالطائرة، حيث يقضي أوقاتا طويلة فيها في رحلاته حول العالم. بالحبر السائل وبلير الذي تفادى استخدام الكمبيوتر إبان فترة إقامته في 10 دواننغ ستريت، وتعلم كيفية بعث الرسائل النصية بعد مغادرته ذلك المقر، يكتب مذكراته بقلم حبر سائل على ورق (A4). ويقوم بعدها أحد موظفيه بطباعة ما خطه بقلمه. والكتاب لم ينجز بعد، ولكن يقال إنه بلغ مرحلة »التحرير والتنقيح«. ويؤكد بلير أنه قام بالعمل في الكتاب لوحده، وذلك خلافا لما كان يتوقع بأن يستعين بكاتب. وقال بلير »لقد حاولت أن أؤلف كتابا يصف الجوانب الإنسانية وكذلك السياسية لحياتي كرئيس للوزراء. وعلى الرغم من أنه بالضرورة يعد استعادة للأحداث فإنه يعتبر محاولة لإضاءة وتشكيل التفكير الحالي والمستقبل، وكذلك تقديم رواية تاريخية للماضي. والأهم من ذلك فإنني أرغب أن يستمتع القارئ به كما استمتعت بكتابته«. وسيصدر الكتاب في توقيت واحد في كل من بريطانيا، والولايات المتحدة، وكندا. وسيقوم بلير بجولة حول العالم للترويج للكتاب. وقد وصفت دار النشر راندوم هاوس الكتاب بأنه »صريح، وواضح ويكشف الكثير وقد كتب بأسلوب حميم وسهل«.