قامت شريعة الإسلام على اليُسر في كل شيء، ورفع الله تعالى عن أمة الإسلام الإصرار والمشقة فربط الحل بالطيبات والحرمة بالخبائث ومن عجز عن الوضوء أو الغسل تيمم ومن عجز عن الصلاة من قيام صلى على الهيئة التي تناسبه ومن عجز عن الصيام أفطر ولا حج إلا على المستطيع (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها). هذا الدين المتين وهذه الحنيفية السمحة تحتاج إلى يُسر الأداء من المكلف كما قامت على يسر التشريع من الله تعالى. والمطلوب من المسلم هو السداد بمعنى الالتزام بالحق من غير إفراط ولا تفريط والمقاربة بمعنى محاولة الوصول إلى الكمال والطريق المستقيم وعلى الله قصد السبيل ولله عاقبة الأمور. ويستعين المسلم على السداد والمقاربة بأوقات نشاطه وفراغه كما يفعل المسافر حيث يتحين أفضل الأوقات لسيره فيسير أول النهار وأوسطه ويستريح وقت القيلولة وينام أول الليل ثم يواصل مسيرته آخر الليل.. فإن المسافر إذا واصل الليل بالنهار عجز وانقطع وإذا تخير السير في هذه الأوقات المنشطة أمكنه الوصول إلى غرضه في أمان ويسر. ويتحرى المسلم أثناء عمله المنظم وعبادته الميسورة أن يستبشر خيراً ويتفاءل ويحسن الظن بالله عز وجل فإن حسن الظن بالله من الإيمان ولا يقنط مؤمن من رحمة الله. ونقل الإمام ابن حجر عن بعض العلماء قال: في هذا الحديث علم من أعلام النبوة فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة بل منع الإفراط المؤدي إلى الملال أو المبالغة في التطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلي الليل كله ويغالب النوم إلى أن غلبته عيناه في آخر الليل فنام عن صلاة الصبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار أو إلى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة وفي حديث محجن بن الأدرع عند أحمد: »إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة وخير دينكم اليسرة«. ونحن في حاجة ماسة إلى تقديم الإسلام سهلاً ميسراً تنشرح به الصدور وتنور به القلوب وتستقيم به الجوارح ويسعد به الناس في الدنيا والآخرة وقد هلك المتنطعون الذين لا يفرقون بين عزيمة ورخصة ولا يفطنون إلى أمر الوجوب وأمر الإباحة وأمر الندب فقوله تعالى: »وأقيموا الصلاة« أمر وجوب، وقوله تعالى: »كلوا واشربوا« أمر إباحة، وقوله تعالى »خذوا زينتكم عند كل مسجد«.