ماسينيسا أول من وضع أسس أول دولة جزائرية لكن ذلك انتفى بعد موته حاوره: محمد عدنان يدعو رئيس المجلس الأعلى للغة العربية الشاعر والكاتب عزالدين ميهوبي إلى تشجيع البحث في تاريخ الجزائر القديم ويؤكد أن إنجاز أعمال سينمائية عن الشخصيات التاريخية من شأنه أن يقرب التاريخ من الناس. ميهوبي الذي بحث في شخصية ماسينيسا و أنجز ملحمة عنه يسجل نقص الاهتمام بتاريخ الجزائر القديم وشح المصادر التي لا تخرج عما كتبه الرومان والإغريق. ويشير إلى أن الكثير من الباحثين لا يخوضون في مرحلة ما قبل الاسلام لاعتبارها مرحلة وثنية. *- يبدو ماسينيسا كشخصية وكقائد جزائري مجهولا إلى حد كبير عند الجزائريين برأيكم إلى ماذا يعود ذلك؟ - لا أعتقد أنّ ماسينيسا مجهولٌ في التّاريخ.. لكن الأمر يتعلّق بعدم الاهتمام بالتاريخ القديم، كون مصادره قليلة، وهي عادة لا تخرج عمّا كتبه الرّومان والإغريق وبدرجة أخصّ "تيت ليف" الذي أرّخ للحروب البونيقيّة بأسلوب ملحميّ، شأنه شأن بوليب، ويذهبون أحيانًا إلى تحويل الكتابة عن أحداث ووقائع إلى ما يشبه الأسطورة.. وماسينيسا، كان رقمًا في معادلة الصراع بين روماوقرطاج، ليحول لاحقًا إلى لاعب أساسي في الحرب البونيقيّة الأخيرة وانهيار قرطاج. هل التاريخ الرسمي مقصّر في حق هذه الشخصية، أم أن الجزائريين بصفة عامة لا يهتمون بكبارهم وبتاريخهم كما يجب؟ لا أعتقد أنّ التّاريخ "الرسمي" وضع معايير لانتقاء الأحداث، فأبقى على بعضها وقام بمحو بعضها الآخر.. فالتّاريخ، ليس ملكًا لأحد، وللمؤرّخين أن يخوضوا في كلّ المراحل.. وعادة، يكون التّاريخ القريب هو الأكثر إثارة لدى الشّعوب، فيما يتحوّل التّاريخ القديم إلى جزء من التراث والذّاكرة.. ثمّ إنّ المهتمّين بالتّاريخ، لا يخوضون كثيرًا في تاريخ ما قبل الإسلام، إذ أنّ البعض ينظر إليه كمرحلة وثنيّة، لا تستدعي جهدًا أكبر.. في حين أنّ في هذه النظرة تجزيء للتاريخ، وفي ذلك تجزيء للهويّة. حكم هذا القائد مملكة نوميديا الثانية لمدة قاربت الستين عاما، وكان بارعا في حكمه، أسس العملة وطور الفلاحة والفنون وغيرها، هل لكم أن تقدموا لنا صورة عما قام به في كل هذه المجالات؟ ماسينيسا، بدأ ممارسة السياسة والحرب والحكم دون العشرين، وكان ينجذب أكثر للمواجهة، لهذا فإنّه خاض معارك في شبه إيبيريا (إسبانيا) إلى جانب قرطاج ضد روما، وأخذ برأي أبيه في التحالف معها، ولكنّ لعبة السياسة حرمته المرأة التي أحبّ، "سوفونيسب" ابنة حاكم قرطاج وزوجّها لسيفاقص بعد أن أطلقت يده على مملكة ماسيليا، ليجد ماسينيسا نفسه منفيا في الجبال يبحث عن حليف لاسترداد عرشه والمرأة التي أحبّها. فالمؤرخون ينظرون إلى انقلاب ماسينيسا على قرطاج أنّه مشروع، لأنّها خانته، وتحالفت مع خصمه النوميدي سيفاقص. فمن حقه أن يتحالف مع الشيطان يقول المدافعون عنه، بينما يقول آخرون إنّه السبب في استقدام الرّومان إلى نوميديا، وهي نقطة سوداء في تاريخ هذا القائد الذي يُحسب له توحيد نوميديا وبناء مملكة ذات استقلالية نسبيّة عن روما. كما أنّ من المآخذ التي ينظر إليها المؤرخون على أنّها تستحقّ الدراسة هي سماحه بإذلال سيفاقص، ورغبته الملحة في تدمير ما تبقّى من قرطاج.. هل يمكننا القول أن ماسينيسا هو أول مؤسس للدولة الجزائرية؟ قبل توحيد نوميديا، كانت مملكتا ماسيليا وميساسيليا تحكمان أرض الأمازيغ، إنّما أثّرت فيهما التحالفات المصلحيّة مع الأجانب، مما جعلهما يتصارعان، ويسعى كلّ حاكم إلى ابتلاع مملكة الآخر، وبعد استعادة ماسينيسا لسيرتا وانتهاء سيفاقص أسيرًا، صار المجال مفتوحًا لتوحيد نوميديا، في شكل دولة ذات نظام ينسجم وطبيعة السكان. مما جعل المؤرخين ينظرون إلى أنّ ماسينيسا وضع أسس أوّل دولة "جزائريّة" غير أنّ هذا المفهوم انتفى بعد موته، وتقسيمها بين أبنائه.. إذن لماذا لا يتخذ اليوم كمرجعية سياسية وطنية بما أنه أبدع في أساليب الحكم الراشد وحقق نجاحا كبيرا في دولته؟ المرجعيّة في التّاريخ لا تتجزأ، لأنّه تشكّل التراكم في ممارسة الحكم عبر مئات السنين، ولكلّ مرحلة خصوصية، ومثلما حكم ماسينيسا، واتسم حكمه بمزايا كثيرة، فكثير من حكام نوميديا الذين ترك كثيرٌ منها مآثر في التصدي لسطوة الرّومان، وحافظوا على استقلالية القرار النوميدي، كما فعل يوغرطا، أو تمرّد تاكفاريناس. كيف استطاع ماسينيسا توحيد القبائل البربرية ومواجهة القوى الأجنبية خاصة منها "روما"، وعلى أي أسس بني تحالفاته السياسية في ذلك الوقت؟ وهل خارطة الصراعات التي كانت في شمال أفريقيا في وقته مشابهة نوعا ما للوضع الحالي؟ بعد انهيار سيفاقص وتراجع قرطاج، وشعور ماسينيسا بأنّه يحظى بدعم أقوى حليف في البحر المتوسّط، صار سهلا عليه أن يضمّ كلّ القبائل، ويمنحها الرعاية والأمان، أمّا مواجهته لروما، فلا أعتقد أنّ ذلك كان بارزًا في حياته، لأنّ شيبو الإفريقي كان ظلاّ له، ويكاد يكون شريكًا له في الحكم، إمّا أنّه كان يخشى عودته لقرطاج، أو أن يزداد قوّة، فيكون خطرًا على روما.. والخارطة السياسيّة، هي أنّ روماوقرطاج كانتا تتصارعان من أجل السيطرة على البحر، وفرض سلطان القوّة التجاريّة، لأنّ قرطاج أكثر ميلا للجانب التجاري منه إلى الحربي، فكانت تستعين بالنوميديين، لأنّهم محاربون أشداء.. ونجح ماسينيسا إلى حدّ ما في أن يكون ثالث قوة في المنطقة، رغم أنّ المؤرّخين يشهدون لسيفاقص بالدّهاء السياسي، وأنّه أوّل من عقد قمّة سياسيّة لقوى البحر المتوسّط بمشاركة روما وأثينا وإيبيريا على ما أعتقد. كان ماسينيسا يوصف بالسّعيد لماذا؟ الذي يحكم نصف قرن، يجب أن يكون سعيدًا، والمؤرخون يقولون إنّه ظلّ محافظًا على هيبته وهيئته كرجل حرب حتّى فاق الثمانين.. هناك جدل حول ضريحه الموجود بمدينة الخروب بقسنطينة هل فعلا هذا الضريح له أم لأحد أبنائه أو أحفاده؟ ربّما ما يفسّر، ويرجّح كون الخروب ضريحه، هو ارتباطه الوثيق بسيرتا، وخوضه أكثر من حرب لأجل أن يبقى فيها. وبالتّالي فإنّ مدفنه لن يكون خارج المنطقة. كيف يمكن رد الاعتبار لهذه الشخصية التاريخية الكبيرة تاريخيا وسياسيا برأيكم؟ ردّ الاعتبار، لماسينيسا وغيره من رموز تاريخنا القديم، يكون بتشجيع البحث في تلك الفترة التاريخيّة، والتحلي بالشجاعة لإنصاف هذا القائد وذاك، إنّما في السياق الزمني والتاريخي. وإنجاز أعمال سينمائيّة، من شأنه أن يقرّب التاريخ أكثر من.. الذاكرة والأذواق.