سهام كثيرة يطلقها العرب والمسلمون تجاه دونالد ترامب الذي يخوض الانتخابات التمهيدية للترشح للرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري، لأن الملياردير الأمريكي دعا إلى منع المسلمين من دخول بلاده. الغاضبون على ترامب هم أنفسهم الذين أحبوا بوش الأول و أحبوا بوش الثاني اللذين خاضا حروبا باسم الرب في المنطقة العربية، وهم الذين يمتعضون من تعفّف حسين أوباما عن إيذاء إخوانهم المسلمين ورفضه مقارعة القيصر القادم على حصانه الأسطوري من أقصى الشرق ليعدّل رمانة الميزان في الشرق الأوسط. قد يكون ترامب مجرد مهرّج في عرف الكثيرين، شأنه شأن زعماء اليمين في أوروبا لكن لسان المهرج لا ينطق إلا بما يختزنه اللاوعي الجمعي لمجتمعه وفق ما تعلّمنا أدبيات التهريج وتقاليده الجليلة، أي أنه يقول علنا ما يفكر فيه الآخرون سرّا. والفرق بين مهرّجي اليمين والنخب الحاكمة في الغرب أن الذين يحكمون يفعلون ما يقوله المهرّجون ويتركون للآلة الديبلوماسية تهذيب مخارج الأفعال ومداخلها. والعرب بطبعهم يحبون من يجاملهم أو يعتدي عليهم بلباقة. ويمكن من حوادث بسيطة أن نرصد أن توجهات اليمين موجودة في أفعال اليسار وقصة اللاعب كريم بن زيمة مع الصحافة الفرنسية خير مثال على العنصرية التي تتربى في رؤوس النخب. فخوف العرب من صعود مارين لوبان في فرنسا يقابله حب معلن لليسار الذي يبيعهم الطائرات الحربية والمفاعلات النووية القديمة أو لليمين الأقل تطرفا الذي يطيح بالزعماء الذين يمولون حملاته الانتخابية ولا يتردّد في قتلهم إن جرت ألسنتهم بما لا تقتضيه نواميس التبعيّة، ويمكن عطف نفس الموقف على ترامب الذي يترجم شعورا أمريكيا حقيقيا لم يتعرض للرسكلة الديبلوماسية. والمشكلة ليست في نخب سياسية غربية أنجبتها قوى بنت مجدها على القوة، ولكن في العرب والمسلمين الذين لا يستطيعون مناقشة أوضاعهم وينخرطون في نقاش الآخرين، تماما مثلما لم يستطيعوا بناء أوطان مستقلة وبناء إنسان غير قابل للنكوص إلى العصور البدائية، بسبب خضوعهم لقوى تقاوم الديموقراطية وتتحكم في الاقتصاد وأنظمة التعليم وتتلاعب بالدين إلى درجة أنها حوّلت العربي والمسلم إلى قنبلة تخشاها بقية الأجناس.