يتجلى التراث في أرقى اللوحات التي أبدعتها الفنانتان سعيدة بوسكين وعليا العداي؛ حيث الجديد المبتكر الذي يسبي البصر بالألوان، والنقوش، والذهب، والوجوه الحسان. ولا يملك الزائر سوى أن يمتِّع النظر بهذه الروائع التي تبرز عراقة تراثنا، وفخامته. وتسلّط في لوحات أخرى الضوء على جمال آخر يسكن القارة السمراء. التقت "المساء" في المعرض الفنانةَ سعيدة بوسكين، التي قالت إنّ بهذا المعرض 30 لوحة من أرقى الأعمال التي تتناول تراثنا الوطني، مشيرة إلى أنّ هذا التراث ليس حكرا، فقط، على الآثار والمعالم المادية، بل هو، أيضا، ثقافة، وهوية، وعادات وتقاليد، وحِرف، وغيرها من أشكال التعابير؛ منها الفنون الاستعراضية، والطقوس الاحتفالية، والممارسات الاجتماعية، والحرف. وأضافت: "كون التراث كنزَ الأمة تفرض به هويتها وخصوصيتها، فقد تطرقنا للعديد من المواضيع ذات صلة، تشمل ما ذكرناه سابقا". وأثناء جولتها مع "المساء" بالمعرض، أشارت السيدة سعيدة إلى أنّ هناك لوحات ثنائية وأخرى فردية وثلاثية أيضا؛ بمعنى أن اللوحة قد تنجزها فنانة واحدة، أو تشترك فيها فنانتان أو ثلاث، ملفتة إلى أنّ هذا المعرض فريد من نوعه؛ إذ تحمل لوحاته نكهة تاريخية بامتياز. وتقدّم تراثنا الوطني من الحدود إلى الحدود، علما أنّ الجزائر قارة، وبالتالي فيها ما يُعرض من تاريخ وفنون وغيرهما. وقالت الفنانة وهي متخرجة من المدرسة العليا للفنون الجميلة، وأستاذة في الرسم إنّها تعتمد أسلوب الرسم البارز؛ أي الذي يتجاوز سطح اللوحة. وغالبا ما يتم استعمال الألوان الترابية؛ لأنّها الأقرب للتعبير عن التاريخ، والتراث والأصالة. كما أوضحت الفنانة أنّها ترسم اللوحة برؤيتها الخاصة، وببصمتها المتمثّلة في بروز الرسم لأجل المزيد من الحيوية والإثراء. ووقفت الفنانة عند لوحة ثلاثية جمعتها بزميلتيها عليا وأمينة حسين (الأخيرة موجودة حاليا بالقاهرة في زيارة عائلية)، وخلفيتها عبارة عن مبنى المسرح الوطني الجزائري "محيي الدين بشطارزي" . وهي مقسّمة إلى ثلاثة أجزاء؛ الأوّل رسمته الفنانة عليا ويخصّ الشرق الجزائري من شماله حتى جنوبه، ويتضمّن صورا للعادات والتقاليد؛ من لباس، وصناعة تقليدية، وحلي، ونسيج، وغيرها. أما الفنانة سعيدة فقد رسمت الوسط. واختارت الغليلة من العاصمة، وغيرها من تراث منطقة الوسط، وصولا إلى بسكرة مثلا، ودقلة نور، ثم الجنوب الكبير في وسطه. أما أمينة فاختارت الغرب ابتداء من وهران، ثم تلمسان، وصولا إلى أدرار، ليظهر البارود، وتتلألأ تيميمون، وتُعزف أوتار القمبري. لوحة أخرى من الحجم الكبير "بنات بلادي" ؛ كأنّها رُسمت من الأنوار، وهي تتلألأ وكأنّها موصولة بسلك كهربائي، في حين أنّها الحلي والأحجار التي تزيّن الفساتين، وفيها تجلس 3 حسان، إحداهن من قسنطينة ترتدي القندورة التي يخيَّل للناظر أنّها حقيقية مائة بالمائة مع كل أكسسواراتها. وهناك قطعة من اللباس تتدلى خارج إطار اللوحة في منتهى الرشاقة. وكذلك الحال والجمال مع العاصمية، ومع بنت تلمسان ذات الهمة والشدة. وكلّ حسناء منهن وراءها نافذة تطل على معالم مدينتها؛ منها "الجسور المعلقة" بالنسبة للقسنطينية، ومقام سيدي عبد الرحمن مع العاصمية، وقصر المشور للتلمسانية. والمشترك كان الزلّيج. وكانت، أيضا، صينية القهوة؛ حيث المقروط الذي يجمع الكل، ومزهرية ماء الورد، والأواني النحاسية الأخرى. وأخذت لوحة "خريطة الجزائر" حيزا مهمّا من المعرض، رُسمت عليها العادات والتقاليد، والمعالم والتظاهرات الشعبية، والحرف، وغيرها بالتدرّج من الشمال إلى الجنوب حسب المناطق؛ فمثلا الفن الشعبي بالعاصمة، وكل اللباس، وكذا شجر الزيتون بمنطقة القبائل، والقندورة بالشرق الجزائري، والتمور ببسكرة، وقصور أدرار؛ منها توات، والقارقابو فيها، وواد تندوف، وكذا احتفال عيد الجمال ببرج باجي مختار، والإمزاد في أقصى عين قزام، تعزفه امرأة عجوز تبدو كصورة فوتوغرافية من فرط إتقان رسمها. لوحة أخرى بها الراية الوطنية تجمع امرأة شاوية بأخرى وهرانية، وكان لباسهما التقليدي والحلي في أرقى عرض. ويعود جمال التلمسانية وهي ترتدي الشدة، والفستان المطرَّز. وحرصت "المساء" على لمسه؛ للتأكد من أنه ليس قماشا، وبأن الحلي ليست صيغة، لتؤكد صاحبتها أن تلك ألوان. لوحة مشتركة رسمت فيها الفنانة سعيدة بوسكين جانبا يدعو لأهمية العلم. ووضعت في رأس إنسان حبلا ملتويا حقيقيا يرمز للسيالة العصبية التي تتّجه عبر اللوحة، لتتجسّد في مخترع جديد مع تواجد آلات أخرى؛ منها الحواسيب، وكذا الكتب. وغير بعيد، تشدّ لوحات أخرى الناظر، وتكاد تكون حية لخروجها عن إطار اللوحة؛ منها لوحة الحايك المرمة العاصمي، الذي تتدلى قطعة منه، وكذا لوحة "القردون" الذي يخرج من رأس فتاة مرسوم، لكن القردون كان حقيقيا، وبه شعر حقيقي يستطيع الزائر لمسه. ثم بورتريه لامرأة قبائلية ذات فوطة حقيقية ملموسة أيضا. ثم لوحات الصناعة التقليدية، وعلى رأسها نسج الزرابي في ديكور جميل داخل البيوت القديمة، علما أنّ الزرابي رُسم بعضها، وأخرى حقيقية بها الرموز والأشكال. وفي إحدى اللوحات عُلقت كبب من الصوف تمتد خيوطها نحو الزرابي الجاهزة، ناهيك عن وسائل النسج؛ منها المغزل، والمنسج الخشبي. وفي لوحات أخرى ظهر البيت القبائلي وما فيه من مهارات الطهو، والفن المرتبط بالخزف. وكذلك لوحة تقطير بالشرق الجزائري، ولوحة الكسكسي "الفتيل". ركن آخر ساحر بالمعرض مخصَّص للمرأة الإفريقية في بورتريهات غاية في الإبداع، والألوان والحليّ.