صمتُ الخشبة شكل موضوع التجديد والتجدد والقطيعة المعرفية في المسرح العربي المحور والشعار الأساسي لكل فعاليات الطبعة التاسعة لمهرجان المسرح العربي الذي احتضنته الجزائر مؤخرا، حيث التقى المشاركون في تنشيط الندوات والمحاضرات وحتى النقاد وصناع المسرح، في معاينة تؤكد أن وضعية الفن الرابع في الوطن العربي بحاجة لمراجعة لمواكبة التطورات والتحولات التي عرفها العرب خلال السنوات الأخيرة. ويبدو من خلال النقاش والإقتراحات التي طرحت على مدار عشرة أيام من فعاليات الدورة، أن هناك إرادة للعودة بالمسرح العربي لمكانته وإحداث القطيعة مع ممارسات جعلت الفرجة الهادفة سخرية وفكاهة خارجة النطاق، وحولت العلبة الإيطالية لفضاء تتلاشى فيه ماهية المسرح تختفي فوق خشبته كل أبجديات العمل الركحي ومفرداته، ورغم هذا برزت عدة تجارب لمبدعين شباب وضعوا أولى الخطوات لإحداث القطيعة والسعي نحو ما بعد الدراما وما بعد الحداثة فوق الركح وفي التنظير بمنظور عربي وليس غربي. إعداد: هوارية.ب د. يوسف العايدابي "المسرح العربي اليوم ذو نوعية رديئة" اعتبر الدكتور يوسف العايدابي عضو الهيئة العربية للمسرح، أن نوعية المسرح السائدة الآن في الكثير من البلدان العربية هي نوعية رديئة، حيث لا يقدم المسرح حسبه للشعوب العربية ما تحتاجه لمواجهة الكثير من منغصات الحياة اليومية والمعيشية، مضيفا أن العرب لحد الآن لازالوا يفكرون المسرح بالكتابة الأرسطوطاليسية التي أصبحت حاليا خرافة وظهرت تجارب جديدة لم تعد الكتابات النصية لها تعتمد على الطرق التقليدية التي كانت معروفة مثل المسرحيات المأخوذة من التراث، مبرزا أن المسرح اليوم وصل مراحل متقدمة جدا في تناصه وتعامله مع الرواية والشعر وظهرت نظريات جديدة وفي هذا السياق يؤكد الدكتور العايدابي أن المسرح المغاربي أنتج تجارب ناجحة تتميز بإنتاجات متطورة ومميزة حتى في إنتاج اللفظ الذي يكاد يكون منعدما، عكس التجارب في البلدان العربية الأخرى. كما أوضح الدكتور العايدابي أن الإنتاج المسرحي الجاد يصطدم اليوم بمشكل التسويق حيث لا يتم دعمه ولا تسهيل تنقله في الوطن العربي بل في بعض المرات يمنع من العرض، كما أن بعض الدول العربية ترفض تمويل المسرح الجاد، في الوقت الذي يتنقل المسرح التجاري بكل سهولة في السوق العربية رغم أنه سيء السمعة ولا يفيد البشر بل يعمل على دغدغة الأحاسيس والمشاعرمثلما وصفه الدكتور العايدابي. ولإيجاد مخرج لهذه العوائق التي تحد من وصول المسرح الجاد للجمهور العربي العريض ودفعه للتجدد، قال الدكتور العايدابي أنه يجب تنسيق الجهود والمساعي بين القائمين على الثقافة في البلدان العربية، و إيجاد صيغ وآليات تمويلية للمسرح الجاد من أجل جعله يواكب التطورات التكنولوجية الحديثة والتحولات المجتمعية، وهنا ذكر المتحدث بفكرة مهرجان المسرح العربي الرامية لتدويره عبر العواصم العربية، فكل سنة ينظم في عاصمة عربية ليكون فرصة للقاء المسرحيين الأكاديميين والممارسين ويسمح بتنظيم ورش التكوين خاصة للشباب الهاوي، كما يسمح أيضا وفق الدكتور العايدابي بتوفير عدد معتبر من الأعمال الفنية المسرحية من كل البلدان العربية للجمهور الذي ربما لولا هذا المهرجان لما شاهد تلك الأعمال. وفي الوقت ذاته، ثمن الدكتور العايدابي إقتراح الجزائر بالتفكير في خلق أرشيف يوثق للأعمال المسرحية العربية لتكون مرجعا للباحثين والمتتبعين وكذا للأجيال القادمة كما من شأن هذه الخطوة أن تعرف بالمسارح العربية في كل الدول العربية وتكون مادة بحثية للغرب. الهادي رجب ومصطفى سحنوني المسرح الجزائري يتجدد في ظل الفوضى والاختلال قال الفنان الهادي رجب وهو أصغر عضو في فرقة جبهة التحرير الوطني التي جابت العالم إبان الإستعمار للتعريف بالقضية الجزائرية، أن المسرح الجزائري يحتاج اليوم لإلتفاتة من رجال الثقافة من أجل إعادة بعثه وتقويته من جديد، مثل تأطير الشباب العاشق للركح وتكوينه ومرافقته في كل المراحل لغاية وصوله لتقديم مسرح جاد وهادف، وأضاف الهادي رجب أن هدف فرقة جبهة التحرير كان الوطن والحرية ولم تكن هناك حاجة كبيرة للنص لأن الكلمات كانت تنبع من القلب، بينما اليوم إختلفت الأوضاع، حيث أن كتاب النص المسرحي يحتاجون لدعم معنوي ومادي أيضا من أجل الإبداع. أما مصطفى سحنون وهو ملحن وكان من أبرز أعضاء فرقة جبهة التحرير الوطني، فقال أنه يوجد اليوم من يكافحون من أجل المسرح مثلما كافح أعضاء فرقة جبهة التحرير لأن الأوضاع المتغيرة تفرض هذا الكفاح لمواكبة التحولات في المجتمع وخدمة المواطن حسب التطورات التي يعيشها ووفق التكنولوجيات التي يتعامل معها، مضيفا أن المسرح الجزائري اليوم يعيش مرحلة التجديد وهذا حسبه ما جعله يتصف في الراهن بنوع من الفوضى والإختلال، ويقول في هذا الصدد "نحن في فرقة جبهة التحرير واجهنا حربا إستعمارية بالمسرح، واليوم يجب على الجيل الحالي مواجهة الحرب التكنولوجية بالمسرح بل وبكل الفنون لمواكبة العولمة"، ودعا الأستاذ مصطفى سحنون الشباب لتقديم مسرح هادف له رسالة وأبعاد عميقة والإبتعاد عن مسرح التلاهي والفكاهة غير الهادفة، وأشار المتحدث أنه على المبدعين اليوم تجاوز عقدة النص لأن المسرح بالنسبة للأستاذ مصطفى هو موضوع مستقى من المجتمع وليس نصا وفقط وأعطى مثالا عن نص موليير "البخيل" الذي قال أنه كان موضوعا مستنبطا من وجود هذا النوع من الناس في المجتمع وإشتغل عليه ليجعله نصا مسرحيا. المسرحي التونسي توفيق جبالي الواقع يلهم أكثر من النظريات الأكاديمية قال صاحب "تياترو" توفيق جبالي أنه حتى يبقى المسرح حيا ومؤثرا لا بد أن يخرج من التفاصيل المتفق عليها، ويدخل في بوابة الهامش، بمعنى أن المسرح إذا أراد تحقيق الإجماع فسيبقى نشاطا عاديا ميتا حسب جبالي، لذا عليه القبول بأن يكون هو أقلية لكي يؤثر ويتأثر، مبرزا أن المسرح العربي ظل معتمدا على المؤلف أولا ثم المشروع المسرحي بينما المؤلف يجب أن يواكب المشروع. وأضاف أن تلقي النظريات والمدارس المسرحية في المعاهد والجامعات، لا علاقة له في أغلب الأحيان مع ما يمارس في الواقع، مشيرا أنه لو يعود "ستان سلافسكي، أو بريشت" للحياة لغيروا نظرياتهم حول الفن الرابع اليوم، فالواقع المعاش هو مصدر إلهام الفنانين أكثر من النظريات الأكاديمية، مضيفا أن العرب يهتمون بالمصطلحات أكثر من الواقع. وتعبيرا عن واقع المسرح التونسي الذي قال عنه أنه رديء، أوضح جبالي أن وزارة الثقافة غير معنية وغير مهتمة بالمسرح وحتى معاهد التكوين قال أنها لا تقدم تكوينا أكاديميا وهذا ما أطلق عليه "غياب البيروقراطية الفكرية المسرحية" مما أنتج كتابات غريبة المنهج يغمرها الكسل الفكري والأكاديمي في البحوث المسرحية التونسية، حيث خلقت هذه الديناميكية وفق جبالي تيارا إرتبط فكره بالمدارس المسرحية وإعتبر ما دونها "لا مسرح" معتبرين أنفسهم أوصياء على الفن الرابع بتونس وأنهم هم فقط الذين يعملون المسرح، وفي ظل هذه الثنائية، إختار جبالي أن تكون تجربته مع "تياترو" ب "إلا مسرح" ليبرز اختلافه عن المسرح الأكاديمي الذي حصر نفسه في المدارس الغربية دون الإستلهام من الواقع، ووصف جبالي وضع المسرح في تونس بأنه يغلي في فوضى، مع تناول سطحي للقضايا المطروحة. مصطفى الرمضاني / المغرب "تدريس النقد المسرحي بشكل أدبي أبعده عن استنطاق جماليات الركح" أكد الدكتور مصطفى الرمضاني المختص في النقد المسرحي في المغرب، أن المسرح هو إدراك أولي للواقع والنقد هو إدراك ثان لهذا المعاش ويأتي الإبداع ليقدم إدراكا ثالثا يسمو عن طريق الفرجة والأداء والإضاءة والديكور وغيرها من الأمور التي تقدم فوق الركح، ولكن مثلما أضاف فإن النقد المسرحي في الوطن العربي أصبح أدبيا يشبه النقد الروائي والشعري، كون تدريس النقد المسرحي في المعاهد والجامعات يندرج ضمن المادة الأدبية المتعلقة بالنقد، مشيرا أن الطلبة يدرسون النظريات الغربية في المسرح ويحفظونها عن ظهر قلب، ولكن عندما يصعدون فوق الخشبة فالقليل جدا منهم من يفقه كيف يتعامل مع مفردات العرض المسرحي وكل مكوناته، وهم غالبا الممارسون فوق الركح الذين يعرفون خباياه ويفقهون أن المسرح هو فن الفرجة. لدا حسب الدكتور الرمضاني فإن أغلب النقد الذي يكتب حول المسرح والعروض أقرب للنقد الأدبي بالتركيز على النص الذي يجعله هو جوهر المسرحية بينما العرض هو نص وكل ما يوجد فوق الركح من إضاءة وحركة الممثل وموسيقى وديكور وغيرها. مبرزا أن الذين يستعملون الوسائط التكنولوجية في المسرح يعتقدون أن هذا هو الممر للحداثة وهو ما يعتبره الدكتور الرمضاني أمرا وظيفيا فقط مرهونا بمقتضيات السياق، أما أن يتم إقحام هذه التكنولوجيات دون ضرورة درامية فهذا مرفوض عند المتحدث. وأضاف الرمضاني أن المسرحيين العرب يستندون إلى مناهج تظهر صباحا في أوروبا وتصلهم مساء ولكن يستخدمونها دون استيعاب، داعيا النقاد العرب لإستنطاق الجماليات المكونة للعملية المسرحية وعدم المعالجة السطحية للعرض والتركيز على النص، أو القراءة الإيديولوجية والتاريخية للعمل المقدم. الدكتورة لميس العامري / العراق عدم التجدد يبعد المسرح عن المتلقي والمجتمع قالت الدكتورة لميس العماري من العراق وكانت من أوائل الأساتذة الذين درسوا في معهد الفنون بجامعة وهران سنة 1987، أن "بريشت" طرح أفكارا ونظريات وأساليب ممارسة المسرح ولكن لم يكن هو نفسه منحصرا فيها أو رافضا للتجدد، حيث ذكرت المتحدثة أن "بريشت" عايش إختراع الهاتف وكتب عنه مما يدل على أنه كان واعيا للتطور، وقد أشارت الدكتورة لهذا بالقول بأن "بريشت" كان أيضا يعيش الواقع ويستلهم منه أفكاره ولم يكن غالقا على نفسه في الأكاديمية الجامدة، وبهذا الشرح أرادت الدكتورة لميس أن تبرز أن التجدد والإنفتاح على التكنولوجيات الحديثة ومواكبة التحولات المجتمعية لا تتناقض مع مدرسة "بريشت" الأكاديمية التي يحصر الكثير من العرب أنفسهم فيها ويرفضون ما دونها، وأوضحت لميس العماري أنه ليس بالضرورة أخذ النص المسرحي كاملا وإعادته دون إدخال تغييرات عليه ودون مراعاة المتلقي الذي يشاهده ويتفاعل معه، وأعطت عدة أمثلة عن كيفية إستخدام جزئيات فقط من نصوص أخرى وإعادة إنتاجها وفق طبيعة المتلقي الموجهة له وليس حسب مدرسة كذا أو نظرية كذا، داعية من خلال هذا للعمل إلى التجدد والتجديد في المسرح العربي ليتأقلم مع ما يريده المتلقي في مجتمع له خصوصيات معينة، مستدلة بمقولة ل "بريشت" مفادها "أحب الذين يتبدلون وفي تبدلهم يبقون كما هم، لهم صفات معينة تبقيهم فيها ولكن في الوقت نفسه يمكن ملاحظة تبدلهم".