أكّد الدكتور المغربي والمتخصّص في النقد المسرحي مصطفى الرمضاني خلال مداخلته أمس في الملتقى المنظم بجامعة وهران واحد بالسانيا حول «تحديات النقد الأكاديمي في المسرح العربي»، أنّ النقد المسرحي العربي مازال يتّسم بكونه نصا أدبيا يغلب عليه التقديم النظري، في حين العمل المسرحي هو عمل مشهدي، تطالب من خلاله باستحضار العناصر المشهدية، بما فيها كلّ أدوات العمل؛ من الإخراج وسينوغرافيا والإضاءة وغيرها. اعتبر المحاضر أنّ أغلب الذين يمارسون النقد المسرحي على المستوى العربي من خريجي الجامعات والأكاديميين، هم حسبه، يمارسون الأدب وليس الفن، لذلك تغيب في دراساتهم هذه المظاهر الإجرائية. ووجّه دعوة التسلّح بهذا الوعي الجمالي في دراسة الأعمال المسرحية، باعتبار أنّ المسرح فرجة، والنقد ينبغي أن يدرس المسرح؛ باعتباره علامات، وكلّ ما فوق خشبة المسرح علامة على الناقد أن يقرأها بمنظورها وداخل سياقها الخاص. الدكتور الرمضاني خلال مداخلته، أكّد أنّ المسرحية ليست لغة أدبية مباشرة، ولكنّه مغلّف بعلم الدلالة المكتوب أو الشفوي أو المتخيل، والذي يحفز هذه المستويات هو السينوغرافيا الأخرى، لكن الناقد عندنا تخرّج من الجامعة، ليس له ورشات تطبيقية، لا يملك تجربة إجرائية مقربة، وقد لا يستوعب معنى أن تقرأ العمل المسرحي، باعتباره نصا متعدّدا؛ أي أنّ هناك نصا جيدا ونص الملامح والإضاءة والتمويج الموسيقي والكوريغرافيا وكلّ ما ينتمي للمرفقات في لغة المسرح، وهي كلّها مكوّنات ولبنة؛ إذا سقطت واحدة ينهار العمل. وأرجع ضعف مستوى النقد المسرحي العربي إلى غياب الورشات التطبيقية للأكاديميين أو المتخرّجين من المعاهد، الذين يعتمدون التنظير، بينما النقد يدرس الظاهرة الركحية، ويتحدّث عن الكائن، مؤكّدا أنّ أغلب ما يُكتب من نقد مسرحي أكاديمي وغير أكاديمي، إنّما يميل للجانب النظري أكثر منه التطبيقي، لذلك حينما نقوم بالنقد المسرحي العربي نجد أنّه فسيفساء من التجارب، بدأ من النقد التاريخي للمسرح، وكلّ بلد يعتبر نفسه رائدا، ويبدأ في تعداد الظواهر الإنسانية الموجودة، غالبا في جميع دول العالم، فالعنترية في النقد المسرحي موجودة بكثرة، لذلك حينما لا نجد الظاهرة تتّفق مع ما اتّفق عليه عالميا بالشكل الذي يمس بالشكل المسرحي الأريسطي، لأنّه مؤسّساتي. أما ما يقدّم هكذا بدون وجود نية مسبقة فلا يتعدى أن يكون نوعا من العبث. ويرى الدكتور رمضاني أنّ الإبداع فعل مع سبق الإصرار، يحمل بنية مسبقة، أي أننا لا نبدع صدفة، بل يجب أن يكون هناك وعي قبلي، وهذا الأمر يجب أن نستحضره في المسرح، وهو ليس نصا أدبيا، بل هو هذا الكلّ؛ من إخراج وسينوغرافيا وممثل وإضاءة، ليطرح سؤاله: هل نملك هذا الناقد المسرحي الذي يملك هذه المؤهلات؟ ويجيب على نفسه بأنّ المؤهل أكثر ليكون ناقدا مسرحيا بالفعل وليس بالقوة، هو الناقد الممارس الذي يملك الخبرة الأكاديمية، لأنّ الهواية وحدها لا تكفي، لذلك حينما نريد أن نتحدّث عن قراءة نقدية بالفعل، نستحضر هذا المعطى الأكاديمي المعرفي، ولكن كذلك نستحضر هذه الخبرة، لنكون قادرين على تفكيك شفرات العرض المسرحي من الداخل. وأعاب الدكتور رمضاني على المسرحيين العرب، كونهم ينقلون المناهج المسرحية الغربية بدون وعي، عندما نتحدّث عن منهج النقد الثقافي، كما يقول، والذي يروّج له حاليا عربيا هو مفهوم غامض؛ لأنّ هناك مناهج قد تصلح لبعض الأجناس دون غيرها، فهو يرى أنّ المنهج التاريخي منهج صحيح، لكن بالنسبة للمسرح ماذا سيستفيد من المدارس والشخصيات، وللممارس كذلك أو للمتلقي للعرض المسرحي؛ إذ لا يتعدى أن يكون مساعدا لفهم الظاهرة فقط. وتبنّى الدكتور رمضاني المنهج السيميائي في المسرح، لأنّه يعتبره منهجا يعتمد على العلامة؛ باعتبار أنّ المسرح هو عالم العلامات. أما المنهج الثقافي والسوسيولوجي فهو صالح للأجناس الأدبية أكثر منه المسرح، بينما المنهج السيميائي فهو أنجع المناهج لمقاربة العمل المسرحي مقاربة الدراماتولوجية، والتي قد تسعفنا في مقاربة العمل المسرحي، إذ لم تتح لنا إمكانية مشاهدته أو ما يسمى النقد بالقوّة، لأنّها تعتمد على القرائن المعيّنة في النص لتخيّل العرض الممكن، لأنّ النص يتضمّن الحكاية والحوار؛ ما يجعلنا نتخيّل تحقّق العرض. في الأخير، يعترف الدكتور رمضاني بأنّ المسرح العربي طغى عليه النقد الإيديولوجي، لأسباب أهمّها أنّ المجتمعات العربية مازالت تركّز على ما يقال. وعلى الجانب الفكري والإيديولوجي تغيب الجوانب الفنية؛ لأنّنا عشنا المستعمر، وكان لا بدّ من أن نستحضر هذا المعطى، ثم جاءت مرحلة التحرّر التي طغى فيها الشباب، وأصبحت الإيديولوجيا للدخول إلى عالم الديمقراطية، وفي السنوات الأخيرة، كما يقول الدكتور رمضاني، انتبهنا متأخرين إلى أنّ العرض المسرحي شيء أكبر من هذه المكوّنات الجمالية، التي لا بدّ من استنطاقها داخل العملية المسرحية. ويعتقد أنّ شبابنا اليوم هو من توكل إليهم مهمة الرفع من المستوى الجمالي للمسرح العربي، بدلا من التركيز على الجانب الإيديولوجي. للإشارة، نشّط هذا اللقاء العلمي كذلك الدكتورة العراقية لميس عماري والدكتور فائق حميصي من لبنان، حول قضايا تتعلّق بإشكاليات المسرح العربي.