أثارت رسالة أدونيس إلى بشار الأسد عاصفة في الساحة الثقافية العربية، عاصفة لم تكن في صالح الشاعر والمفكر الكبير المتهم بمهادنة ومداهنة النظام السوري. ومكمن "خيبة" المثقفين السوريين والعرب في أدونيس أن هذا الشاعر الذي قضى عمرا في الدفاع عن قيم الحرية، تجنب إدانة النظام السوري واكتفى بتقديم ما يشبه ورقة عمل من أجل التحول الديموقراطي في هذا البلد وما يشبه معاينة لانحراف حزب البعث. بل أنه أعطى "أملا مجانيا" لنظام الأسد على حد تعبير عباس بيضون، ويؤاخذ الشاعر اللبناني المفكر السوري على اختصاره الأزمة السورية في صراع أفكار مع أن ما يحدث هو قتل أعمى وبدم بارد. يصرخ كاتب آخر بأن أدونيس اليوم ليس هو أدونيس الذي نعرفه أو أننا لم نكن نعرف أدونيس لأن المثقف المستنير رفض نزع الشرعية عن الرئيس رغم أعمال التقتيل. ويستغرب آخرون تسفيه صاحب الرسالة للمعارضة وإقراره أن الطريق إلى الديموقراطية لا زال طويلا. وتطرح قضية أدونيس الجديدة إشكالية قديمة عن علاقة المثقف بالنظام السياسي والمجتمع في البلاد العربية، حيث يطالب المثقف باتخاذ الموقف الصائب والمقبول ويدفع إلى نوع من الزعامة الوهمية باعتباره منتج أفكار ومحرض على الحرية. وحتى وإن كان الدور الكلاسيكي للمثقف بدا وكأنه انتهى مع الثورات العربية المكتملة منها وغير المكتملة، إلا أن التصنيف الذي صاحب هذه الثورات وضع المثقف مجددا في الواجهة، فهو مطالب بدعم الثورة لتجنب التخوين وهو في ذلك معفى من التفكير ومستعجل على اتخاذ الموقف ومجبر على كبت نزوات الاختلاف. هذا الوضع يجرد المثقف من أدواته ويحوله إلى كائن سياسي مدفوع إلى التفاعل مع الكيمياء الاجتماعية. وسواء اتفقنا مع أدونيس أو لم نتفق، فإن بعض أرائه تبدو وصفة دقيقة فالديموقراطية لا تأتي فجأة، أو بهبة غضب مثلما لا تأتي كهبة من نظام ديكتاتوري كالنظام الذي شرح له الشاعر الديموقراطية. كما أن الثورات مطالبة بالحذر من الفخاخ الغربية التي تستثني الفلسطينيين من أعراس الحرية كما يكتشف أدونيس اليائس من نوبل الغاضب من إسرائيل. ويبقى على المطالبين برأس أدونيس الانتباه إلى أن الديموقراطية تبيح الاختلاف الذي ينادي به أدونيس صادقا أو كاذبا.