يدخل ميثاق السلم والمصالحة الوطنية اليوم عامه الثالث عشر، بعدما زكاه الشعب في استفتاء عام بنسبة فاقت ال 97 من المائة في 29 سبتمبر من العام 2005، واضعا بذلك حدا لسنوات الإرهاب والدم، وفاتحا الأبواب أمام الذين ضلوا السبيل كي يعودوا إلى الحياة العادية. وقد جاء قانون ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي أقره رئيس الجمهورية السيد، عبد العزيز بوتفليقة، بتدابير وأحكام قانونية سمحت للإرهابيين الذين لم يستغلوا فرصة قانوني الرحمة والوئام المدني من الاستفادة من العفو مجددا، والنزول من الجبال والاندماج من جديد في الحياة الاجتماعية. وتم تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بوصفه قانونا بداية من 28 فبراير من العام 2006، ويتضمن الميثاق تدابير عدة أهمها العفو عن الذين سلموا أسلحتهم وتخلوا عن جريمة الإرهاب، باستثناء أولئك الذين تورطوا في المجازر وجرائم الاغتصاب و القتل الجماعي ووضع المتفجرات في الساحات والأماكن العمومية والمنشآت، و العفو أيضا عن الذين حكم عليهم غيابيا شريطة أن لا يعودوا إلى العمل الإرهابي، كما تضمن أيضا جملة من الإجراءات الخاصة بالتعويضات المالية لأسر الضحايا، ويخضع تقدير هذه الأمور للسلطة التنفيذية في البلاد.بموجب التدابير التي جاء بها هذا الميثاق تمكن المئات ممن تخلفوا عن العودة إلى جادة الصواب من الاستفادة من تدابير التوبة وعادوا إلى أسرهم، كما تم إطلاق العديد من المساجين السياسيين، في إجراءات لقيت ترحيبا كبيرا من طرف شرائح واسعة من الشعب الجزائري. وقد شرعت الجهات المختصة في تنفيذ بنود ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في الاتجاه الذي يخدم فعلا المصالحة بين الجزائريين من خلال إعطاء الحق لكل من له ذلك في الميثاق، مثل التعويض وإعادة الإدماج في مناصب العمل السابقة وغيرها، وهو ما أدى إلى تناقص الإرهاب في عموم البلاد إلى درجة كبيرة رغم بقاء بعض المجموعات الإرهابية في الجبال رافضة النزول. ومهما تكن الانتقادات التي وجهت لميثاق السلم والمصالحة الوطنية والنقائص التي اعترته حسب بعض منظمات حقوق الإنسان فإنه يشكل مرحلة مفصلية في تاريخ الجزائر المعاصرة، و حدا فاصلا بين عشرية الدماء والدموع التي ميزت سنوات التسعينيات، وبين المرحلة التي تلته والتي اتسمت بالعودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية على كل المستويات، وقد ظهر ذلك على وجه الخصوص في استتباب الأمن شيئا فشيئا ومن عام لآخر، وعودة السلم والاستقرار، وعودة التنمية إلى قطاعات الدولة. وكان ميثاق السلم والمصالحة الوطنية أيضا علامة فارقة على هزيمة الإرهاب الهمجي الذي ضرب البلاد طيلة أكثر من عشرية كاملة، وقد هزم الإرهاب بفضل التحام الشعب الجزائري في كل مراحله، وبفضل تصويته الكبير الواضح لصالح ميثاق السلم والمصالحة، إذ بعد السلاح هزم الشعب الإرهاب عن طريق السلم أيضا. وفتحت تزكية الميثاق صفحة جديدة في تاريخ الجزائر سمحت على وجه الخصوص باستعادة الأمن والسلم وتوجيه القوى والجهد نحو البناء والتشييد، واستدراك ما فات خلال مرحلة المأساة الوطنية التي تميزت أيضا بتخريب كبير وفظيع للاقتصاد الوطني والبنية التحتية الوطنية. وعلى الرغم من مواصلة الدولة مكافحتها لبقايا الإرهابيين والقضاء عليهم في كل مرة إلا أن ذراعيها بقيت مفتوحة لمن يفكرون في التوبة والعودة إلى جادة الصواب، وعليه جاءت المصالحة الوطنية التي رسخها ميثاق السلم كمشروع وطني شامل ومتجدد، ولم تغلق الآفاق في وجه كل من يريد العودة إلى الصواب، وقد ألحت الدولة عبر تصريحات العديد من مسؤوليها في العديد من المناسبات على مدار ال 12 سنة الماضية على توجيه نداءات متكررة لمن بقوا في الجبال من أجل النزول والعودة إلى حياتهم العادية. وكان آخر هذا النداء الذي وجهه الوزير الأول أحمد أويحيى الأسبوع الجاري من قبة مجلس الأمة للإرهابيين الذين بقوا على الطريق غير الصحيح من أجل التخلي عن جريمة الإرهاب والعودة إلى أحضان شعبهم.ولم يعالج ميثاق السلم أحوال ووضعيات الذين حملوا السلاح ضد شعبهم ودولتهم بل تطرق أيضا إلى مسألة معقدة جدا هي مسألة المفقودين، وعالجها بكثير من الشجاعة على الرغم من حساسيتها الكبيرة، وتم ذلك وفق القانون، حيث استفاد ذوو المفقودين من تعويضات. وفي المحصلة فإن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية خدم على مدى 12 سنة مشروعا اجتماعيا شاملا يتمثل في المصالحة الوطنية بين الجزائريين بشكل تدريجي من خلال معالجة أوضاع فئات معينة الواحدة تلو الأخرى لينتقل بعد ذلك إلى وضعية أخرى، وعلى هذا النحو وبعد مرور هذه السنوات كرست المصالحة الوطنية اجتماعيا وثقافيا وقانونيا في نفوس الجزائريات والجزائريين، قبل أن تكرس دستوريا في التعديل الذي مس القانون السامي للبلاد في السابع فبراير من العام 2016.