سيندروم نسيم عبود اجتاحه حنق جاف و هو يحاول أن يدخل المفتاح بثقب الباب،، في الأولى كان المفتاح مقلوبا،، في الثانية بعد أن أداره لم يدخل، وجده مقلوبا لأنه في الأولى لم يكن كذلك،، في الثالثة تعثر فلم يدخل بالثقب،، أما في الرابعة اجتاحه حنق جاف و تساءل بحدة في ذات نفسه إن كان الأمر يتعلق بسلسلة الخيبة إذا تحركت حلقة منها تداعت لها البقية تباعا؟ أم هو حظه العاثر الذي يذكره بإلحاح بوجوده في أدق تفاصيل حياته؟ أم هو الشؤم الذي يتناوله و يعتقد أن فيه خلاصه الصحي؟ محمد رابحي خطواته الأولى داخل البيت وضعته في مواجهة عاجلة مباغتة مع المرآة.."كأنها لم تكن هنا قبل اليوم!!" وقف عندها كأنها استوقفته،، (!؟)،، نظرته فيها بدت له كأنها نظرة المرآة أو نظرة شخص آخر.. فيها رأي غير رأيه و سؤال غير سؤاله. و تهمة لم يتوقعها(!؟!؟) "أم هو من يتهم نفسه؟ ربما الدليل الفيزيولوجي على محياه جلي ما فيه الكفاية!؟" عليه أن يدقق بقسماته. أراد أن يرى الحنق الجاف الذي اجتاحه قبل قليل،، يرى الزمن،، يرى ما يعتريه منذ أيام،، يرى ما لا يرى،، يرى ما لا يجد له تفسيرا بدخيلته.. "لا شيء".. وجهه لا يشي بشيء،، حياد الوجه كارثة يؤثر أن يتحاشاها،، الوجه المحايد لا يكون إلا لميت "هل هو حي أم ميت؟.. كيف يكون الميت و المؤبن في آن واحد؟." كثيرا ما أحس أنه آخر،، هو و آخر في آن واحد،،!؟،، اثنان،، غني و فقير،، طيب و سافل،، رسام و مقاول،، لكنه لم يحس مطلقا قبل اليوم أنه حي و ميت معا!! ما هذا الفصام؟ قتل نفسه و مشى في جنازتها!؟ تذكر يوم كان رجلا و امرأة، أيام تحضيره للماجستير. أحب زميلة جميلة رقيقة اسمها لبنى غازي كان يحبها أحد الدكاترة. فكان لا بد عليه في لحظات بعينها أن يتحول إلى طالبة ماجستير رقيقة تطلب ود أستاذها المتعجرف الغيور لتكون فريبة من زميلتها لبنى "كانت فترة عصيبة لا يذكر إلى ما انتهت؟؟". بعد خطوات أخرى قليلة وجد نفسه بالحمام مترددا بين أن يستحم أو يكتفي بغسل أطرافه و وجهه؟ "موعده لا يستحق تحضيرا فوق العادة." الوقت بالكاد يكفيه ليغفو قليلا، البارحة ليلة أرق أخرى عذبته و أنهكته.. انتبه إلى أنه قضى وقتا طويلا و رأسه تحت الحنفية،، ماء،، ماء،، صابون أكثر،، ماء أكثر،، كأنه يجتهد ليتلف الدليل الفيزيولوجي الذي يدينه.. لو كان في الإمكان لغسل عينيه و نظفها من تلك النظرة.. كأنه صدق المرآة؟.. "التعب على وجهه دليل ماذا؟ النوم أم ماذا؟".. لطالما نصح نفسه ألا يضغط نهاره بالمواعيد..!؟ بعد موعد الصبيحة غير المفيد، لا يذكر حتى إلى ماذا انتهى؟ لصالحه أم لا؟ هاهو يستعد لموعد آخر.. "لا يدري بالضبط ما الذي يمكن أن يخطط له حتى يمر بسلام؟". اجتاحه من جديد حنق جاف و هو يبحث عن مساحة جافة بالمنشفة. "البشكير تذكره دوما ببؤس أسرة عديدة الأفراد."،، فكر مرارا أن يستخدم منشفة خاصة تعفيه من هذا.. مثل فرشاة الأسنان تذكره بنفسه لا غير "تذكر أنها تقادمت و عليه أن يغيرها". وصله سؤال أخته إن كان سيتناول غذاءه أم لا. تذكر جوعه غير الملح الذي قد يفوت عليه قليلا من الراحة. فطلب منها أن تحضر له "ساندويتش" متسائلا في ذات نفسه إن كان سيأكله و هو مستلق أم يتركه إلى حين ينهض إلى موعده. استلقى بفراشه،، تقلب على جنبيه ثم اختار أن ينطرح على ظهره. فكر في نومة نصف ساعة أو أربعين دقيقة،، نومة قصيرة و مفيدة "النوم أيضا موعد!! موعد قد نخلفه فتكون له عواقب ثقيلة". يصبح النوم في بعض الأحيان مثل شيء مفقود، قد نجده و قد لا نجده و الراحة التي يوفرها رديف السعادة البعيدة. "السعادة!.." يجدها في حاجة بيولوجية روتينية لا جديد فيها و لا ابتكار،، يتذكر اللحظات العصيبة قبل أن يدخل المرحاض،، و حجم الراحة المحلقة بعد أن يقرفص للتغوط. "يا سلام،، ع الاستراحة،، يا سلام ع النوم،، غياب عن الدنيا، عن الوعي..!؟.." في الغياب لذة؟ في الفقد لذة؟ لماذا لا يجد ضالته أبدا؟؟ إنه ضائع أبدا. ضائع في أفكاره المشوشة. فكرة و فكرة مضادة. عيناه تفزع من عينيه. تطريفها يخطف بصره المرة تلو الأخرى، كما لو أن فلاش مصورة استثب بوظيفته اللامعة داخل عينيه. هذا هو التعب قد بدأ يهده. ينهض ليغلق باب الغرفة حتى يقلل من صوت التلفاز و تعليقات والدته و أخيه. و يفتح النافذة ليشد مصراعيها الخشبيين المواربين و يعيد غلقها ثم يسدل الستارة الأولى فالثانية. هكذا يستجمع قدرا من العتمة تريح عينيه و ترخي أعصابه. ثم عاد إلى فراشه و أنشأ ينكمش. تجول بحدقتيه في العتمة يستجدي أطرافها الأكثر دكنة أن تتقارب و تلتئم على نزفه. الضياع ينز منه اثر طعنة في الطمأنينة.. اعتصم بوسادته كأنما جسده ما عاد يكفيه ليدفع عنه هذا الشر الوئيد.. استنجد بالعتمة، بالهدوء بما.. أن يلقوا إليه بطوق إغماضة. "إن الغرق يبدأ من نقطة ضعف اسمها الجسد.".. كان جسده يغرق في العرق "الدنيا ربيع،، ساخن!؟" يغرق، يعرق.. انتفض من رقدته و هو مشغول بالوقت "بالوقت أم بالكابوس؟" كابوس الوقت،، وقت الكابوس،، "ما الذي أربك نومه؟ وقت هرب أم كابوس محتمل؟". تفحص ساعة يده، لم يمض على إغفائه سوى ثلاثة دقائق!! و لا يذكر أنه رأى بنومه ما يفزعه كل هذا الفزع!.. "رعب الغياب؟ رعب الفقد؟ الخوف على حياته و هو غائب عنها". تنبه إلى نقطة ألم تنبض بدماغه، لا يدري إن كانت تعود إلى قلة النوم أم إلى أفكاره المشوشة دوما؟،، أم هو بحاجة إلى فنجان قهوة ثان؟. "يحمد الله أنه أقلع عن التدخين. أم هو جرس العودة إلى فصل المدخنين؟ آآه.. لقد نسي أن يتناول شؤمه هذا الصباح. خلاص لقد أدمن دواءه!؟ و نسي بالمرة مما يعاني و مما يداوي!!". نقطة الألم في مكانها لكن نبضها ينشر ارتدادات تصل إلى أخمص قدميه، إلى عينيه،، إنه يرى من كل شيء اثنين؟،، منفضتان،، دولابان،، ثلاث ساندويتشات.. تمر عليه لحظة يرى فيها الشيء ثلاثة،، "يا للفرحة،، يملكون ثلاثة ريكوردرات؛ واحد يحتفظ به لنفسه، و الآخر يتركه للأسرة، والثالث،، الثالث يبيعه".. لكن الثريا يراها واحدة، تتدلى من السقف كلسان لاهث. "الغرفة تلهث بناسها؟ كم نفس؟" أنفاسها تتدافع.. هاهو شقيقه شقيقاه؛ عمر نائم مرتين على الكنبتين المقابلتين،، مزهريتان،، منفضة واحدة،، ساندويتش واحد،، تناوله متذكرا جوعه اللطيف. "ما هذه الخلطة؟" عندما توضع الطبخة في الخبز ليست كما توضع في الصحن. يتبدل طعمها!!. "لا يهم أن يخمن ما هي. مذاق طيب و يدغدغ لعابه ا". خطر بباله أن يستبدل قميصه. فتح الدولاب "ماذا لو يستحم؟ لقد تعرق؟" فتش بين أثوابه المعلقة و المطوية. يفتش أم يختار؟ ماذا خبأ بينها آخر مرة؟ دراهم! أوراق! عدسة نظارة القراءة اليمنى! الواقيات،، التي يضعها صيفا بجيب معطفه الداخلي و شتاء تحت أثوابه المطوية. "الأيادي قوارض صغيرة منفلتة تصول و تجول و تحفر".. يده يحسها متسخة بمرق لا يدري ماذا. لا يستطيع أن يلمس أثوابه. ثم تساءل عم يبحث بالضبط؟ شيء بعينه؟ شيء لزوم الشيء؟ ربما كان ما فقده ليس خارجه.. لقد فقد الطمأنينة. "و ما الطمأنينة؟ و مما تتكون حتى يستجمعها؟". لم يحمه في هذه الدنيا شيء، لا الدراسة، لا الأهل، لا الحب،، أي حب؟.. زهرة،، هل تكون إلا امرأة عادية؟،، ما الذي حمله على أن يقرر الزواج بها؟ عجيب!!" يبدو الآن غير مقتنع بمثل هذا القرار. متى اكتسب هذه القناعة؟ هي لا غير. "سحارة! لا ريب عملت له عملا!" إنه غير مقتنع بوجوده في عالم ثالث. لطالما بحث عن تبريرات لبقائه هنا. فكيف يسمر وجوده هنا بالزواج و الإنجاب (؟؟) إنه يشك بهذا الحب "أي حب هذا؟" زهرة.. هي امرأة أي امرأة،، لا يظنها قادرة على أن تفيده بشيء، " متخلفة ما يجي منها شيء" لن تزيد على أن تورطه في هذه المأساة. يجب أن يتذكر علاقته بها من أول نظرة إلى آخر لمسة. يجب أن يتذكر جميع التفاصيل؛ كيف تعارفا؟ كيف تعلق بها؟ كل تفصيلة هي دليل حب أو دليل خيانة.. الحجاب لباس و الأخلاق مثل الحجاب تلبس و تخلع.. "اللعنة على الذاكرة." يلعنها لأنها لا تحفظ هذه التفاصيل. الحقيقة توجد في التفاصيل و هو لا يذكر شيئا منها. الحقيقة ليست في السماء كالشمس و ليست في الشجرة كالثمرة،، الحقيقة تضيع بسهولة لأنها كالأشياء الصغيرة المهملة "كحبة رمل مثلا، كفتاتة خبز".. ربما كانت سهيلة خليلته أفضل "لا يدري لما لا تزور سهيلة مرابطا يحضر لها خلطة عقارا تبرر له الزواج بها و البقاء معها في هذا القبر الجماعي. القبر الوطني.". تذكر أن يأخذ معه واق. دسه بجيب بنطلونه الأيسر. و فتش جيوبه الأخرى دون أن يعرف عما يبحث؛ فكة دراهم، مفاتيح، ورقة، ورقة ماذا؟ يخرجها يقرأ فيها هاتف صديق كان قد غير مسكنه قبل أسابيع قليلة. خطا نحو الباب و هو يلتقط ما تبقى من حوار أخيه السياسي. و حينما تحركت يده على مقبض الباب وقع نظره على صورته "هو؟ هو أم آخر؟" لا يجد نفسه فيه، الزمن سلخه عنه تماما، هو هنا قبل فصامه. "عظيمة الفوتوغرافيا تحفظ ما لا تحفظه الذاكرة!" ألوان الصورة الباهتة تعكس روح زمن خفيف شفيف مثل الماء،، زمن ألوان الماء، خال من الرقمنة القاسية الوضوح "الأكوارل باهتة لكن حية و أخاذة!".. تساءل لما يبدو جادا أكثر من اللزوم. "مسكين يجسد البلاهة!". نظرته آملة تتطلع إلى المستقبل، تتطلع إليه و هو هنا ليس بعيدا عن المكان أين ولد ونشأ و.. هو مستقبله،، مستقبله الذي طالما انتظره، تضاحك و هو يكتشف أنه مستقبل هذا الأبله، مستقبل بائس يائس منقض،، يحس النهاية "لا لم يحلم به!! هو نكسته!! و لا يذكر بما كان يحلم هذا النسيم!؟".. ثم أخذ يفكر في فصامه الطارئ؛ هو الآن هنا و هو اليافع في الصورة. "لابد أنه فصام مدوخ و رهيب!!". دخل الحمام، غسل يده من المرق، مضمض فمه. تذكر أن يشتري فرشاة أسنان جديدة. نظر إلى نفسه في المرآة "حتى هو يبدو أبلها مثل نسيم الصورة!؟ بلاهة الميت!! كأنما هو حي فقط ليمثل بجثته!!" الحمد لله أن مرآة الحمام مسالمة لا تدينه بشيء. خرج من الدار كالهارب "لكنه متعب جدا" يبتعد عن الدوامة، بيتهم كوكب يدور حول نفسه و حول الفراغ اليابس الضائع. أقل سيارة أجرة "حي الصفصاف من فضلك." بعد أربع دقائق انتبه إلى أنه يشاهد مناظرا مر بها هذا الصباح؛ محال تجارية بعينها، الجسر الرابض، لافتات دائما، ورشة بناء، عمود النور المائل." بعد هنيهة حي الأبطال؟.. عيادة طب العيون لصاحبتها نهام شلبي،،(؟!)،، أين كان موعده هذا الصباح مع بنت عمه. هاتفها ليلة أمس بالبيت يسألها موعدا "لا يفكر في تصليح نظارته،، يرى ما يكفيه، لم يعد يقرأ" وافقت نهام و سألته عن مكان اللقاء. فاقترح عيادتها لأنه في الغد سيكون في مهمة على مقربة من هناك. و لأنه يعلم أنها بإجازة فقد أصر على اللقاء هناك. "حتى يكونا على انفراد" يظنها وافقت على ذلك لأنها مثله تفضل أن يصلا إلى حل يجنبهما خسارة الجهد و الوقت الذي تستهلكه المحكمة عادة في قضايا المواريث هذه." يموت أهالينا و نرث مشاكلهم قبل أن نرث تركاتهم!". سأل السائق أين يتجه به. "حي الأبطال". جوابه لم يقنعه. فعاد يسأل نفسه ماذا قال حينما أوقف هذه السيارة "حي الأبطال أم..؟..". نظر في المرآة العاكسة بعيني السائق المصفحتين بنظارة سوداء و طلب منه أن يعرج جهة الكورنيش. أحسه قد انزعج لطلبه، لكن لا يجب أن يأبه للأمر مادام فيه راحته. و إن هي إلا دقائق حتى وصل الكورنيش. صدمته المسافة القصيرة التي لم تسمح له بأن يسرح بفكره كفاية!! كما صدمه السائق بسؤاله أين ينزل في الكورنيش "أين يذهب بفكره؟ ثمة فكرة لابد أن يقلبها برأسه الساعة.". فطلب أن يواصل طريقه إلى راس الحمرا. لكن السائق اعتذر بحنق لا يخفى متعللا بكون المنطقة عرضة لزحام المواصلات. "أي زحام؟" فما كان منه إلا أن اقترح أن يعود به إلى وسط عنابة. و عند منتصف الطريق باغته السائق من وراء نظارته الشمسية و هو يطالعه في المرآة العاكسة "لقد نفذ بنزين السيارة، و سوف يركنها هنا.". فهم لما عبر هذا الملعون طريقا جانبية على صعوبتها بدل الطريق الرئيسة التي تقع بها محطة بنزين. و لم يرتبك و هو يقلب شفتيه بعذر الزحام.. ترجل. و نقد السائق بأكثر مما طلبه. و بعد مسافة مائتي متر أو يزيد خرج إلى الشارع الكبير. و بعد عشرين دقيقة تحت الشمس و نزاع مع آخرين حول سيارة واحدة كل سبع دقائق استطاع أن يقل سيارة أجرة أخرى "حي الصفصاف" بعد حوالي ربع ساعة ظهرت اللافتة، مقهى الرصيف، الجسر، عمود النور المائل، عيادة طب العيون أين التقى صباحا بنت عمه نهام "الفاجرة كانت تنتظر أن يأتيها بكفنه أو الراية البيضاء، لماذا؟ في الإرث حق للجميع، لكنها تتخيل ألا يكون الحل إلا أن يستسلم، يتنازل، تقبض روحه،، يؤلمه أن تأخذ أكثر من اللازم. "قد يكون حقها لكن بإمكانها أن تتنازل عنه، هو لا يضيف شيئا لثروتها!! ما أقبح أن تنازعه إرثا صغيرا سوف لن يزيد على أن يساعد أسرة كبيرة في جانب من حياتها و لمرحلة قصيرة لا غير.. في نهاية المطاف خسرت هذا و ذاك. "،، كل شيء،، لقد كفنها برايته البيضاء، و دفن نفسه. إلى الآن لم يستوضح ما الذي جرى. لم يتذكر التفصيلة الحاسمة التي تقف به على الحقيقة (!؟) "الحقيقة في التفصيلة" سقطت بعد أن أجفلت،، ضربها،، لا،، دفعها سقطت،، لا،، رد فعلها أكثر حدة من ذراعه التي تتحرك آليا،، رعديدة كذراعه الرعديدة،، تتوقع الشر قبل الخير،، سقطت أرضا بعد أن خبط رأسها بحافة المكتب،، هل ضربها بعد ذلك؟ ركلها في بطنها،، في جنبها بين البطن و الصدر،، لم يضربها، سقطت، لم تمت،،؟ لم يشاهد أي قطرة دم،، داخت،، خرج من مكتبها دون أن يتأكد من شيء،، فما كان يتمناه حدث،، لطالما دعا عليها.. مصيبة نزلت عليها،، أم نزلت عليه،، مصيبة،، زعيق و عجن بالشارع، خضة السيارة، حتما كانت مهولة. السائق يترجل حانقا. يغوص في لمة الناس يبحث عما اقترفه. أما هو يستقرئ المشهد من مقعده داخل السيارة مثل صورة تلفزيونية انقطع عنها الصوت.. أيفتح الزجاج و يستطلع؟ لا يهمه،، لو كانت نشرة خبرية لكفته الريموت شرها، أما هذه ف،، ماذا يفعل إزاءها؟ ينتظر؟ يشغل المذياع؟ وجد كفه قد سبقته إلى صفارة السيارة.. تصفيرة.. ضغطة لا إرادية. فانتثرت بعض اللعنات و النظرات الشزرة تبقعه مثل يد مبللة تنفض أصابعها بوجهه على حين غرة.. اهتز وجلا من خجله. لما ضغط الكلاكسون؟ أيريد فعلا تفريق الجمع؟ رأى سخط السائق. قدم مندفعا، يتهالك بمقعده و يصفق الباب و سار يتبع سيارة أخرى إلى أن وصلا نقطة الأمن.. دخل السائقان و دخل معهم يتدافعون في جلبة و رجال الشرطة تعنفهم و توبخهم.. في مثل هذه الإدارات يصبح الوقت كمصباح كئيب يدور حوله البعوض،، قد يكون وجوده كعدمه و قد يكون ضروريا على قلة ما يرسله من نور.. ظلال الناس مكتومة تتحرك بحساب ولكن تتداخل وتتكاثف في ظل اسمه خنقة، ضيق، توفيس.. الموظفون الصغار تخطفهم من حين لآخر حركات طقسية احتراما لمسئوليهم.. السكرتيرات فتحات تهوية. لابد لمثل هذه الأمكنة من مكيّفات و من ماركات مختلفة. لكنها لا تعمل إلا لأصحابها. حينما جلس إلى الضابط قال إنه شاهد لكن في قضية أخرى. و دون أن ينبس الضابط بكلمة بكلمة أحسه ينتظر منه توضيحا. ابتلع ريقا و زفر نفسا و قصر ما استطاع من حوار داخلي و قال إنه قتل بنت عمه نهام شلبي.. بعد نصف ساعة أو ساعة قال له الضابط و قد فرغ من القضية الأولى في سخرية و تذمر "ما كفانا إرهاب الجبل،، زيدونا إرهابكم، الإرهاب العائلي.." و بعد أن أمر بفتح المحضر سأله ما اسمه.. انتفض يغمره انشراح و انتشاء لذيذ أتى على كل قشرته؛ كأنه يتشقق يتساقط قطعا و يخرج هو هو، نقيا خالصا.. نسيم عبود،، "اسمه نسيم عبود!.." اسمه رده إلى ذاته. التفصيلة التي كشفت كل الحقيقة. "كأن هذا ما كان يبحث عنه منذ أيام". ................................. القصة الحائزة على جائزة محمد العيد آل خليفة في دورة 2011