الانجليزية و التركية و الصينية لغات تستهوي التجار الجزائريين أصبح مؤخرا العديد من التجار الجزائريين يقبلون على تعلم اللغات الأجنبية بشكل ملفت، حيث باتوا من الزبائن الأوفياء للمدارس الخاصة لتعليم اللغات، كما أكد لنا أساتذة بهذه المدارس، مشيرين إلى أن نسبة التجار الراغبين في إتقان النطق بلسان غير عربي في تزايد، وهو واقع وقفنا عليه خلال جولتنا بين عدد من محلات الألبسة و الأثاث بقسنطينة، أين أكد لنا أصحابها بأن اللغات الأجنبية أصبحت عملة تجارية رابحة هذه الأيام، بسبب تنامي نشاط الاستيراد و اقتحام الجامعيين لمجال التجارة. التركية لغة تجار الملابس و الانجليزية لسان مستوردي الأثاث جولتنا بدأت من المجمع التجاري « ريتاج مول» بالمدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة و انتهت في منطقة لوناما، أين تنتشر محلات الأثاث و المفروشات، وقد وقفنا على واقع أن اللغات الأجنبية أصبحت شائعة الاستعمال بين التجار، خصوصا الإنجليزية و التركية، فخلال جولتنا بين محلات الألبسة النسائية و الرجالية بقسنطينة، لاحظنا بأن عددا من التجار كانوا يستخدمون التركية في مكالماتهم الهاتفية، وقد استفسرنا عن سر إتقانها من جلال، وهو صاحب محل لبيع الملابس النسائية بالمجمع التجاري الريتاج، فأخبرنا بأن غالبية مستوردي الملابس باتوا يتحدثونها بطلاقة، لأنها لغة البلد المسيطر على سوق الألبسة الجاهزة في الجزائر. محدثنا أوضح بأنه استفاد من دروس مكثفة في اللغة التركية على مستوى إحدى مدارس تعليم اللغات بوسط المدينة، ليخدم تجارته، فمعظم التجار، حسبه، كانوا في البداية يعتمدون على مترجمين لتسهيل تعاملاتهم الاقتصادية لدى سفرهم إلى تركيا ، لكنهم تفطنوا في السنتين الأخيرتين بأن تعلم لغة هذا البلد بات ضروريا، بحكم توسع حجم المعاملات و سيطرته التامة على سوق الملابس في الجزائر، وهو ما دفع الكثيرين إلى السعي لتعلمها و إتقان الحديث بها ، و بالتالي التخفيف من الأعباء المالية، إذ أن إتقان اللغة يعنيهم عن الاستعانة بخدمات مترجم يكلفهم عادة مبلغ 5ملايين سنتيم، لأنه يرافقهم طيلة فترة مكوثهم في تركيا من أجل إتمام صفقاتهم التجارية. و أخبرنا عادل، صاحب مجل لبيع الملابس الرجالية بنفس المجمع التجاري، بأن معظم أصحاب المحلات المحيطين به يتقنون التركية، و تعلموها في تركيا أو في الجزائر عن طريق تلقي دروس مكثفة، بعدما تيقنوا من أن الحديث بها و فهمها يحميهم من الوقوع ضحية تحايل التجار الأتراك، و يفتح لهم آفاقا أكبر لتطوير نشاطهم و توسيع شبكة علاقاتهم في هذا البلد و الاستغناء عن الوسطاء و السماسرة و المترجمين الذين يكلفونهم الكثير في كل رحلة. التاجر خريج جامعة قسنطينة تخصص علوم سياسية و علاقات دولية، قال بأن التركية لا تعد اللغة الوحيدة التي أصبحت تحظى باهتمام التجار، فحتى الإسبانية باتت تستهويهم، لأن إسبانيا تعد المصدر الأساسي للأحذية الرائجة في الجزائر، و كذلك الأمر بالنسبة للصينية و الإنجليزية، و سبب الميل الى هذه اللغات دون غيرها، حسبه، يعود إلى كونها لغات التجارة و المال في العالم، عكس الفرنسية التي لا تخدم التاجر الجزائري أينما حل، لكون استخدامها جد محدود، سواء بين التجار العرب أو الأجانب.في حين لاحظنا بأن التركية لا تحظى برواج كبير بين تجار منطقة لوناما، عكس اللغتين الإنجليزية و الصينية، و حتى الماليزية بالنسبة للبعض، فخلال استطلاعنا حاورنا عددا من أصحاب محلات الأثاث المنزلي المستورد، و أغلبهم تجار كبار يملكون أكثر من محل واحد بنفس المنطقة، فأخبرونا بأنهم يتحدثون الإنجليزية، و قال لنا بعض التجار الآخرين بأنهم بصدد تعلمها في مدارس خاصة، لأنها لغة التجارة و العصر، حسبهم، و كل المعاملات التجارية في آسيا و الشرق الأوسط ، حيث يقوموا باقتناء بضاعتهم ، تتم باللغة الانجليزية. تجار آخرون، على غرار كمال، صاحب محل لبيع الأثاث الفاخر، قال لنا بأنه يتحدث الماليزية، وقد تعلمها خلال رحلات عديدة قادته إلى ماليزيا من أجل التجارة، موضحا بأنه لا يجيدها تماما، لكنه لم يعد مضطرا إلى الاستعانة بمترجم، كما أنه لم يعد من الضروري بالنسبة إليه، أن يتعامل مع الوسطاء، لأنه استطاع أن يربط علاقات مع المنتجين الرئيسيين، بفضل ابنه الطالب الجامعي الذي تحول الى رفيق له في رحلاته التجارية، وذلك بفضل إتقانه للغة الإنجليزية. بعض التجار الذين تحدثنا إليهم، أخبرونا بأنهم تعلموا من اللغة الصينية ما يمكنهم من إجراء حوار صحيح، وذلك بفضل السفر المتكرر الى الصين بغرض التجارة، أما الإنجليزية فباتوا أكثر تحكما فيها، بعدما فرضت نفسها من خلال التسويق الإلكتروني، الذي فتح أمامهم مجال التوسع و اكتساب زبائن أكثر. من جهتها أكدت لمياء أستاذة اللغة الإنجليزية، بإحدى مدارس تعليم اللغات الأجنبية بوسط مدينة قسنطينة، بأن فئة التجار تشكل نسبة معقولة من رواد المدرسة، و تتراوح أعمارهم بين 27 و 50 عاما، مؤكدة بأن بعضهم رجال أعمال كبار، يقبلون على تعلم الإنجليزية لتسهيل معاملاتهم و رفع مستوى حواراتهم مع الأجانب، و تجنب العقبات اللغوية خلال أسفارهم، موضحة بأنهم عادة ما يبحثون عن تعلم كل ما له علاقة بالتجارة و المال من مصطلحات. جامعيون كسروا الصورة النمطية عن التاجر أكد رئيس الجمعية الوطنية للتجار و الحرفيين حاج الطاهر بولنوار، بأن اهتمام التجار بتعلم اللغات كبير، و أن صورة التاجر الجزائري تغيرت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بفضل دخول العديد من الشباب الجامعيين إلى هذا المجال، وحتى بعض التجار القدامى أصبحوا بالفعل مهتمين بتعلم اللغات الثلاث التركية و الصينية و خاصة الإنجليزية، و السبب، حسبه، يكمن في أن آفاق الشراكة الاقتصادية توسعت في السنوات الأخيرة و التجار أصبحوا أكثر هيكلة و أكثر اهتماما بالماركة في الملتقيات و المؤتمرات الاقتصادية للبحث عن فرص تطوير جديدة. كما أن التجارة الإلكترونية و التسويق الشبكي فرضا الإنجليزية كلغة ضرورية لهذه الفئة، خصوصا من ينشطون في مجالات اقتصادية هامة كالأدوية و السياحة و غيرها من القطاعات التي يكثر فيها التعامل مع الأجانب. و أضاف المتحدث بأن الاهتمام بتعلم اللغات، ولد من رحم تجربة العديد من التجار، فإتقان الحديث بلسان أهل البلد المضيف، يخفف على التاجر أعباء عديدة كالاستعانة بمترجم، فضلا عن حمايته من التعرض للتحايل و يقدم له فرصة توسيع شبكة علاقاته و الوصول الى المصدر الأول للإنتاج، دون الاعتماد على سماسرة و وسطاء يكلفونه الكثير.