سيوان.. قرية تتحدى قساوة الطبيعة بجبال القوفي في سكيكدة على جبال "القوفي" غرب ولاية سكيكدة، تحتمي قرية "سيوان" وسط الغابات و المرتفعات، أين ترتسم معالم حياة قاسية فرضتها طبيعة المنطقة، فمارس أهلها الاحتطاب ، لمواجهة برد الشتاء، فهم يأكلون مما تنتجه حقولهم و تجود به الغابة، ويشربون من مياه الينابيع، كما يتنقلون على الأحصنة وسط طبيعة خلابة، و يحرصون على المحافظة على حرف الأجداد وعاداتهم الحياتية. و لفصل الصيف حكاية أخرى في هذه المنطقة، التي تتحول إلى نقطة التقاء يجتمع فيها الزوار و المصطافون و يعود المغتربون و من هجرها من الأبناء، لقضاء العطلة و الاستمتاع بطبيعة عذراء، قبل أن يهجروها مرة أخرى تاركين أهلها في عزلة مع طبيعة يقاومونها بكل الطرق، لأن سيوان لا خريف لها، الشتاء هنا يبدأ مبكرا ولا ينتهي إلا بعد انقضاء شهر أفريل. النصر زارت هذه القرية، و نقلت صورة عن حياة يتداول فيها جمال الطبيعة مع قساوتها، في يوميات لا يعرف عنها شيئا إلا من عاش مع أهل سيوان. روبورتاج: عبد الرزاق مشاطي عبر الطريق السياحي لمدينة القل، تخطف أنظارنا زرقة البحر الهادئ، و من بعيد تظهر مياه الخليج محتضنة المدينة بمبانيها، يتواصل جمال المنظر و نحن نشق طريقنا صعودا نحو الجبال، و على المحور المتعرج، يختفي البحر، ليتبادل الموقع مع الجبل، و تارة يظهر من جديد لنشاهده يمينا و شمالا، و كلما قطعنا مسافة أطول ازداد الارتفاع عن سطح البحر، الذي لم يعد يظهر، و بات الغطاء النباتي الكثيف، يطغى على المكان، أشجار من كل الأنواع، من أكثرها الصنوبر و الزان و البلوط و القسطل و التوت البري على الحواف، يستفزك المنظر لتفتح نوافذ السيارة، حيث تنخفض درجة الحرارة شيئا فشيئا، و يصبح الهواء أكثر نقاء. في الطريق إلى سيوان على هذا المسلك تكاد معالم الحضارة تختفي، إلا من الطريق المعبد، و السيارات القليلة التي تعبر من حين لآخر، غير أننا نصادف بنايات قليلة على الحواف، نسلك اتجاه بلدية الشرايع، تاركين طريق «تمنارت» على اليمين، قبل أن نصل إلى مدن بأكملها، من عمارات و مرافق عمومية و أسواق و محلات و وسائل نقل، إذ نمر على بني سعيد و دائرة الزيتونة، و ما يلفت الانتباه خارج هذه المناطق، عجائز و نسوة عائدات من الحقول و بساتين الزيتون، الذي يحملنه في أكياس كبيرة على رؤوسهن. كلما توغلنا أكثر وسط الجبال يزيد الارتفاع حدة و يصبح الطريق شبه خال، و كأنه مخصص لسير الأبقار، التي تنتشر به و تجوبه بحرية، و تضطر السائق ليوقف السيارة، حتى تبتعد على مهلها، مفسحة المجال لاستكمال المسير، و عند مفترق طرق بلدية أولاد عطية، نسلك اتجاه الشمال نحو سيوان، و نصعد عبر جبل «القوفي»، الذي يقال أن تسميته تعود إلى أول من سكنه و هو شخص قادم من الكوفة، كان يدعى «الكوفي». الينابيع الصافية التي يصعب عدها لكثرتها، تنزل من السفح و تنساب في الطبيعة، و هي جارية و عذبة، لا تتوقف طيلة أيام السنة، حسب ما علمناه فيما بعد، و وسط تلك المناظر الساحرة، تأبى يد الإنسان إلا أن تخلف أثارها الكارثية على الطبيعة، مفرغة تنبعث منها الروائح الكريهة و ترعى بها الأبقار الهائمة، تشوّه المكان و ترسم به نقطة سوداء، ليس من السهل محوها. بعد أن صارت الجبال تبدو أسفل الطريق الذي نعبره، و بعد أن قطعنا عشرات الكيلومترات، انطلاقا من وسط القل، نكون قد اقتربنا من مقصدنا، و ما هي سوى لحظات حتى تراءت لنا قرية من بعيد، نسير مئات الأمتار، لنصل إلى مدخل «سيوان»، التي كتبت على لافتة زرقاء غرست على الحافة، أول مؤشر على وجود سكان بالمكان، نسوة يرافقهن أطفالهن، يتجهن إلى النبع، عند مدخل القرية، نتوقف بأحد المقاهي أين نجد بعض الشيوخ الجالسين يرمقوننا بنظراتهم، فنحن غرباء و هم يشاهدوننا لأول مرة، انتظرنا مرشدنا السيد الطاهر علي العرنان، و هو مكلف بالإدارة بابتدائية القرية، كما أنه نائب سابق لرئيس بلدية أولاد عطية، التي تشرف إداريا على قرية «سيوان». محتشد يتحوّل إلى قرية بعد قدومه جلسنا نرتشف الشاي، و نتعرف من ساحة المقهى على معالم القرية و شكل بيوتها، التي بدت بسيطة بساطة أهلها، الذين كانوا يلقون التحية، بعد أن تعرفوا إلى هويتنا، و نحن نجالس بعض أعيان المنطقة، سرد لنا إمام القرية طمين محمد تاريخها، قائلا بأنها تأسست سنة 1957، بعد أن صنفت المشاتي القريبة كمناطق محرمة، فتم تهجير سكانها قسرا، بعد أن قُصفت منازلهم و أبيد من بقي بها من بشر و حيوانات. و أوضح بأن «سيوان» آنذاك كانت عبارة عن محتشد أقيم وسط الغابة، حيث سكن أهلها في البداية داخل الخيم، قبل أن يشرعوا في بناء منازل بسيطة من الحجارة و الطين، و عن أصلهم، فأكد بأنهم استوطنوا بها منذ فترة جد طويلة، و قال بأن أصل تسمية «سيوان»، لديه معنيان الأول بالأمازيغية، و يعني كثرة التساقط أي «أسيوان»، و المعنى الثاني باللغة العبرية، و يعني الشهر الرابع بالتقويم العبري. و قد بدا لنا هذا الشيخ، بمثابة زعيم للقرية، فالجميع يحترمه و يوقره، و قد علمنا أنهم يستشيرونه في جميع الأمور، فهو موسوعة بالنسبة لهم، و لم نستغرب الأمر كثيرا، بعد أن علمنا أن هذا الرجل الذي تجاوز الثمانين، تمكن من «علاج» ابنه، بعد أن عجز الأطباء في أكبر مستشفيات الشرق، و ذلك بوصفة سرية، لم يبح بها حتى لأهل بيته، رغم مرور سنوات طويلة عن الحادثة. الجميع يجيد مهنة الاحتطاب و نحن نجلس بالمكان لفت انتباهنا أكوام من أغصان الأشجار كدست أمام البيوت، قبل أن نشاهد صاحب المقهى و هو يتجه نحو إحداها، أخذ الفأس و بدأ يقطعها أجزاء صغيرة، قبل أن يأخذ كمية منها و يتجه بها نحو الفرن، عندها علمنا أن جميع بيوت و مقاهي و محلات القرية، مجهزة بأفران يتم إشعالها بالحطب، و يطرد الدخان من مداخن بالأسقف. هنا يتدفأ الناس شتاء بإشعال الحطب، فليس هناك توصيلات لغاز المدينة، إنهم يحافظون على عادات أجدادهم، فمن لا يحتطب منهم، يضطر لشراء أغصان الأشجار، التي تساوي الشاحنة الواحدة منها، أزيد من 1 مليون سنتيم، قد لا تكفي لشهر واحد، هذا الأمر يؤدي حسب مرافقينا، إلى القضاء على الثروة الغابية، التي أخذت في التناقص بسبب القطع الكثيف للأشجار، التي تستخدم أيضا في أغراض أخرى. أول ما يلاحظ بعد جولة قصيرة في القرية، أن الكثير من الشباب يجلسون على حواف الطرق أو في المقاهي، فالبطالة وصلت إلى أعلى معدلاتها داخل القرية التي يصل عدد سكانها إلى 3200 نسمة، و أغلب شبابها جامعيون، قليل منهم ساعفه الحظ في العثور على وظيفة في مدينتي القل أو سكيكدة، وفق ما قيل لنا. زراعة محدودة و عائلات تعيش على تجارة النباتات «الفلاحة هنا تمارس بشكل محدود»، حسب ما أكده أهل القرية، لأن الأرض صخرية و غابية، و المساحات الترابية جد قليلة، و تقع في أماكن وعرة، و لذلك البساتين و الحقول المستصلحة تعد على الأصابع، و هي من أجل الاستهلاك المحلي، أي أن كل عائلة تأكل مما تنتج و لا تبيع إلا القليل أو الزائد عن الحاجة، حيث يملك السكان حقولا صغيرة لزراعة الخضر الموسمية، إضافة إلى أشجار الزيتون و القسطل و الجوز، و بعض الفواكه، و حتى يجدوا بعض النشاطات التي يكسبون منها رزقا قليلا، فإنهم يجمعون أعشابا مثل «الرند» أو ثمارا مثل «القطلب» و هو فاكهة «اللنج» كما يسمى محليا و حتى البلوط، إذ يبيعونها في البلديات القريبة، أو في مدينة القل، و هي بمثابة دخل بسيط، لا يلبي سوى جزء قليل من الاحتياجات اليومية. على هذه الأرض ليس هنالك مرافق عمومية، إذ لا تتوفر القرية سوى على مدرسة ابتدائية و أخرى متوسطة، افتكها أهل سيوان بصعوبة، بعد أن تواصل توقف التلاميذ عن الدراسة في سن مبكرة لسنوات، و اضطر بعض أبناء المنطقة أمام هذا الوضع، لمراسلة منظمة «اليونسكو»، التي زار لذات السبب وفد منها المكان، قبل أن توافق السلطات على بناء إكمالية، هي اليوم تحمي الشباب من العزوف المبكر عن التعليم، و سمحت للكثير منهم بإكمال الدراسة إلى الطور الثانوي، و لو أن أقرب ثانوية تبعد ب 17 كيلومترا عن القرية، يصلها المتمدرسون في حافلات توفرها السلطات المحلية، ذهابا و إيابا و بشكل يومي، في سيوان هناك أيضا فرع بلدي، و مكتب بريد مغلق منذ سنوات، و لذلك فإن أية رسالة أو طرد يصل القرية، يضعه ساعي البريد في المقهى، الذي يعمل صاحبه على توزيع الرسائل على أصحابها. وسط القرية، لاحظنا تواجد بيوت قديمة من الحجارة، و هي أقدم منازل أسست سيوان المبنية من خلالها، و على مقربة منها بيوت أقل قدما، كانت أول مجمع سكني بنته الدولة لأهل المنطقة بعد الاستقلال بسنوات قليلة، تضم 32 بيتا، لا تزال على حالها إلى هذا اليوم، في ذلك المكان، يقع مركز التجمع الرئيسي للسكان، «ساحة القرية» و هناك أغلب متاجرها و سوقها أيضا، وهي نقطة يتجمع بها الشيوخ و حتى الشباب، وبالتحديد أمام المسجد المطل عليها مباشرة. هنالك أيضا مقهى بسيط يقدم قهوة «الجزوة» التقليدية، و بجانبه مطعم جلسنا نتناول فيه وجبة الغذاء، الطبق الرئيسي فيه ، دجاج مع المرق، لا شيء مميز فيه، سوى أنك تجلس لتأكل بدون أية مقدمات أو بروتوكولات، و كل شيء على الطبيعة، فحتى جزار القرية، يبيع لحوم الماعز التي ذبحها صباحا، بعد أن يعلقها على باب حانوته الصغير، دون أن يكون في حاجة إلى ثلاجة أو شيء آخر مما نشاهده داخل متاجر القصابين في المدينة. حرفة الأجداد تأبى الزوال هناك أيضا متجر لبيع الأواني التقليدية، و ما يميزه أنه يبيع أوان صنعت كلها من الخشب الأصلي، ملاعق و قصاع من مختلف الأحجام و الأشكال، تختلف أسعارها، إذ يصل سعر القصعة الكبيرة إلى حوالي 15 ألف دج، فيما تباع الملعقة من 50 إلى 150 دج، قيل لنا بأنها تصنع من قبل أبناء القرية و أنها من بين الصناعات التقليدية المتوارثة بين الآباء و الأبناء ، و التي تشتهر بها المنطقة لجودتها. اتجهنا إلى ورشة الصناعة التقليدية، و هناك عثرنا على صانع الأواني الخشبية، إنه الشاب فاتح، الذي وجدناه يطوع جذوع الأشجار، فيحولها إلى «قصع»، حيث يأخذ أصحاب هذه الحرفة أشجار «القفش» المحلية، و هي من أجود أنواع الخشب، فيقطعون الجذع إلى أجزاء، قبل أن يتم حفر كل جزء، عن طريق آلة ميكانيكية، قيل لنا بأنها كانت يدوية قبل سنوات قليلة، لتصقل بعدها و تحول تدريجيا إلى الشكل النهائي، الذي يترك ليجف لشهر كامل، قبل أن يطلى بالزيت و يجفف مرة أخرى، ثم يوجه في الأخير للبيع، إذ تسوق منتوجاتهم في عدة مدن، كما أنهم يشاركون في معارض وطنية و دولية، فهم معتمدون من مديرية الثقافة و غرفة التجارة و الصناعة، غير أن مهنتهم مهددة، لأن قطع الأشجار يتم بشكل غير قانوني، بسبب الاستنزاف المستمر للثروة الغابية، لذلك فهم يضطرون إلى انتظار الكميات التي تحجز من قبل المصالح الغابية، ليقوموا بشرائها، أو يقتنون الأشجار الميتة، من المصدر ذاته. و بجانب صانع الخشب، وجدنا عمي حسين، الذي كان يدق الحديد الساخن، بعد أن يحميه على النار، التي كان لهيبها متصاعدا، بعد أن ينفخ عليه بالكير، ثم يحمل المطرقة الضخمة بيده اليمنى و ينزل بها على قطعة حديد تحول لونها إلى الأحمر لشدة سخونتها، فيشكلها شيئا فشيئا إلى ساطور، فهذا الكهل، تعلم مهنة الحدادة التقليدية من الأجداد، و حافظ على الأدوات القديمة، من مطرقة و كير و سندان، و ما زال إلى غاية هذا الوقت، يصنع من قطع الحديد فؤوسا و معاول و سواطير، تستعمل في التحطيب و الفلاحة، و يكثر عليها الطلب، من داخل و خارج القرية، لأن جودتها أصلية، و أنفع من منتوجات المصانع الحديثة، على حد تأكيد محدثينا. في سيوان يعيش السكان على الجبال، و يتنقلون يوميا بين المناطق الوعرة و المنحدرات و التلال، و لذلك فهم في حاجة إلى وسيلة نقل تستطيع الوصول بهم إلى حيث يريدون، و لذلك لا غنى لهم عن الوسيلة التقليدية التي استعملها آباؤهم و قبل ذلك أجدادهم، و على عكس القرى الأخرى التي تستعمل الحمار أو البغل، فسكان سيوان يتنقلون على الأحصنة، و عليها ينقلون أمتعتهم و أغراضهم، و أدوات الفلاحة، و المحاصيل الزراعية، و هو ما شاهدناه، عندما التقينا بأحد الشيوخ و هو عائد من بستانه، يحمل كيسين كبيرين من الزيتون، و هو يمتطي حصانه، توقف و ألقى التحية، قبل أن يكمل طريقه إلى بيته، بعدها عرفنا أن عددا كبيرا من أهل القرية يستعملون نفس الوسيلة، للوصول إلى البساتين الواقعة في مناطق غير مستوية و صعبة المسالك، و هو تقليد معمول به منذ قرون. شرفات على وادي زهور و تلزة من «جامع لخناق» في سيوان المشي لكيلومترات ليس بالأمر الذي يستعصي على الصغار أو الكبار، فطيلة تواجدنا بالمكان، لم نشاهد سوى القليل من السيارات، الجميع يمارس المشي، و قد التقينا خارج القرية بمجموعة من التلاميذ قرروا عدم انتظار الحافلة التي يفترض أن تقلهم إلى المشتة التي يقطنونها على بعد سبعة كيلومترات، لأنها لن تسير قبل ساعتين أو ثلاثة، و لذلك يعودون إلى منازلهم البعيدة سيرا، و هو أمر اعتادوا عليه حسب محدثينا. موقع سيوان المميز وسط الجبال، يكشف في أحد المواقع خارج القرية، و التي تسمى بمنطقة «جامع لخناق»، عن إطلالة سحرية، قلّ نظيرها في الطبيعة، فعلى ارتفاع ناهز 1200 متر عن سطح البحر، حيث يصبح نقاء الهواء بمثابة دواء للرئتين و البشرة، على حد تأكيد مرافقينا من أهل المنطقة، توقفنا لنلقي نظرة على المشهد الفريد من نوعه ، فإذا نظرت إلى جهة الشمال قابلتك سهول و جبال ممتدة على مرأى البصر في نهايتها شواطىء «تلزة» بمدينة القل، و إذا ما التفت جنوبا قابلتك جبال و سهول أيضا، و في نهايتها شواطىء منطقة وادي زهور بأقصى ولاية سكيكدة في الحدود مع ولاية جيجل، أما شرقا و غربا فجبال مخضرة تعانق السحاب. في ذلك المكان توقفنا نستلهم من جمال الطبيعة، التي اجتذبت حضارات قديمة، مرت من سيوان، و خير شاهد على ذلك ما تركته الحضارة «الميقاليتية» أو ما يعرف بحضارة «الدولمان» التي تعود إلى العصر الحجري الحديث، و تقع تحديدا على أعلى قمة في المنطقة، مشينا نحوها بصعوبة فوق الصخور، بعد أن ترجلنا من السيارة، غير أن المسير طال و لم نتمكن من بلوغها، فقرر مرشدنا أن نعود لأننا نحتاج إلى وقت طويل و جهد أطول للذهاب و العودة، و الطريق غير مضمون فقد نصادف حيوانات برية كالذئاب أو الخنازير، غير أنه وصف لنا موقع الآثار، التي قال بأنها عبارة عن حفر في الأرض، بنيت بالحجارة، و لا تزال محفوظة بشكل جيد إلى يومنا هذا. حكاية الشتاء و الصيف لفصل الشتاء في سيوان حكاية يرويها من عاش بها شتاء واحدا قاسيا، فما بالك بأهلها الذين نشؤوا و ترعرعوا فيها، ففصل التساقط حسبهم، تقابله العزلة و التحضير لحرب ضد الطقس، إذ أكد محدثونا أن هذا الفصل يتواصل من منتصف أكتوبر إلى نهاية أفريل و أحيانا إلى منتصف ماي، حيث يجهز السكان المؤونة من الطعام و اللباس، و تتوقف جميع النشاطات في الحقول و البساتين، و إذا ما تهاطلت الثلوج، فإن الطرق تغلق و تعزل القرية عن بقية العالم، فيدخل الناس في سبات مفروض، إلى أن تذوب الثلوج و يفك الحصار عنهم، و يحكي لنا شيخ القرية قصصا واقعية، لازدياد اثنين من أبنائه، حيث جاء المخاض لزوجته، و كانت الثلوج تقفل جميع المسالك، حتى أبواب المنازل، فاضطر إلى توليد زوجته بنفسه، إذ أنه لم يتمكن حتى من جلب قابلة القرية، هذه الحكاية قد يكون عمرها أكثر من 20 سنة، غير أنها قد تكون واردة الحدوث في أيامنا هذه، فقبل سنوات قليلة، وقعت عاصفة ثلجية فرضت عزلة على سيوان، استمرت ل 15 يوما، و لولا تدخل الجيش حينها، لفتح الطرق و مد السكان بالطعام، لكانت قد وقعت أمور لا تحمد عقباها، على حد تأكيد محدثينا من السكان، الذين عاش عدد منهم إلى وقت قريب على الإضاءة بالشموع، فأكثر من 100 بيت لم تصلها الكهرباء إلا قبل فترة قصيرة، حسب ما يؤكده مرشدنا الطاهر، الذي قال بأن الدولة يجب أن توفر بديلا للحطب، كوسيلة للتدفئة و الطبخ، لأن السكان استنزفوا الغابة، و باتوا غير قادرين على دفع تكاليف الحطب و غاز البوتان، و للإشارة فإن زيارتنا إلى «سيوان» كانت في آخر أيام شهر جانفي، في يوم مشمس كانت فيه السماء صافية، و ذلك على عكس ما يميز المكان عادة في الشتاء، غير أننا علمنا بعد مغادرتنا بيوم واحد، أن القرية و المناطق المحيطة بها اكتست البياض، اثر عاصفة ثلجية مفاجئة. أما للصيف فحكاية أخرى، فسحر الطبيعة في هذه المنطقة، التي تبرد ليلا خلال هذا الفصل، و تشبه في نهارها الربيع بسبب درجة الحرارة المعتدلة، تنادي أبناءها الذين هجروها إلى المدن، ليعودوا و يقضوا بها العطلة، رفقة عائلاتهم و معارفهم، و ينتهز الكثير منهم الفرصة كي ينوع عطلته بين الاستجمام على الجبال و في الغابات و السهول و الوديان، و بين الاصطياف على الشواطىء القريبة التي يقع أبعدها على مسافة 20 كيلومترا، و قد أكد محدثونا أن الكثير من أبناء القرية المهاجرين يعودون صيفا، فتجد جميع أرقام الولايات على لوحات ترقيم السيارات، و من السكان من يلجأ إلى كراء منزله في هذه الفترة من السنة ليجمع بعض المال، كما أن الكثير من أبناء سيوان، يبنون بيوتا ليستعملوها فقط في الصيف. و نحن نغادر عصرا، سألنا عن سبب تواجد عدد كبير من الأشخاص المختلين عقليا في قرية صغيرة كهذه، فقد شاهدنا 5 أو 6 أشخاص على الأقل على هذه الحال، حينها علمنا بأن عددهم يقارب 15 شخصا في القرية، و السبب وراثي في الغالب، إضافة إلى أسباب أخرى قد تكون لها علاقة بالظروف الأمنية الصعبة التي عاشتها المنطقة خلال العشرية السوداء، التي مرت على الجزائر، خلال فترة التسعينيات.