منطق "الكورسة" يطغى على حركة النقل بسيارات الأجرة بقسنطينة تشتد أزمة النقل بقسنطينة خلال شهر رمضان لكنها تبقى بمثابة الحالة المزمنة طوال أيام السنة كون سكان المدينة أصبحوا تحت رحمة قانون "الكورسة" الذي جعلهم يصرفون شهريا مبالغ تفوق ما يصرفونه على الخبز لأجل التنقل في ظروف أقل ما يقال عنها أنها مهينة لأنهم يدفعون مبالغ تتراوح من 100دج إلى 400 دج ويجبرون على اللهث وراء سيارات فقد أصحابها مفهوم الخدمة العمومية بمبرر الاختناق وفوضى المحطات. ما يحدث بقسنطينة يعد استثنائيا وحالة تستدعي التدخل السريع، كون أصحاب سيارات الأجرة قد انحرفوا عن منطق الخدمة العمومية وتمادوا في تحميل المواطن مسؤولية الإختلالات التي تشهدها حركة النقل بقسنطينة، فتسعيرة "الكورسة" التي لم نكن نسمع عنها إلا نادرا تحولت إلى قاعدة عامة لا تحتاج أي نقاش، ليحرم المواطن من خدمة يفترض أنها مقننة التسعيرة. و الغريب في الأمر أن كل الأطراف على علم بما يجري لكن المشكلة تزداد سوءا من يوم إلى آخر لتزداد معها متاعب المواطن . فوضى وتزاحم و..محطات خارج القانون لا يحتاج الزائر لقسنطينة لأكثر من دقائق لتحسس معالم أزمة نقل فريدة من نوعها، فمن يريد أن يقل سيارة أجرة عليه أن يتنازل ماديا ونفسيا ويقضي وقته في الجري هنا وهناك وتحين فرصة وجود سائق يتعطف عليه بمقابل يغطي مصاريف التنقل إلى ولاية مجاورة وفي ظروف أحسن.. فبوسط المدينة وتحديدا بشارع عبان رمضان تحصل يوميا مواقف تعبر عن وجود إختلالات كبيرة في تسيير هذا النوع من النقل، وهو وضع عايشناه عشية رمضان على الساعة الرابعة والنصف مساء.. أين قضينا نصف ساعة في مطاردة سيارات ترفض أن تتوقف، حيث وبعد مساع مضنية توقف أحد السائقين حاولت فتح الباب للركوب فأوقفني متسائلا، إلي أين؟ فقلت "حي زواغي" ودون أي تفكير كانت إجابة الشخص 250 دج، حاولت الاستفسار لم يجبني وأكمل طريقه، فيما كانت ردود ثلاثة آخرين بمجرد تحريك الرأس في الاتجاهين رفضا للوجهة ودون أدنى احترام. وحتى لا أضطر للانتظار أكثر استسلمت للرقم الذي حدده أحدهم، وبعد أن بدأت السيارة في السير علقت على الأزمة و انعدام سيارات الأجرة فأجابني وكله ثقة " نحن نعمل بالخسارة ومضايقات الأمن تحتم علينا الاكتفاء براكب واحد وممارسة لعبة القط والفأر" وهو مبرر قدمه أكثر من صاحب سيارة أجرة. حاولت في اليوم الموالي اتخاذ وجهة مغايرة فقصدت صباحا مدخل حي رحماني عاشور وهناك كان المشهد أكثر غرابة.. طابور طويل متوقف على الجهة اليمنى وآخر أقل طولا على الجهة المقابلة، سألت أحدهم علي منجلي أجابني نعم تذهبين "كورسة"؟ فاستغربت وقلت له "ولم الكورسة السيارات موجودة؟ فقال "هكذا أريد" سألته كم المبلغ رد علي دون أدنى خجل 300 دج، لم تعجبه تعابير وجهي فتركني وعاد إلى سيارته. تقدمت من كل السيارات المتوقفة فلاحظت بأن السائقين ليسوا موجودين فسألت صاحب سيارة فرود قال لي هم كل يوم على هذه الحالة. بذات المحطة أردت تغيير الوجهة اقتربت من الرواق الخاص بالخروب لم يكن عدد السيارات كبيرا لكنهم رفضوا جميعا نقلي كوني أريد النزول بوسط البلدية وهم يفضلون وجهة حي 1600 مسكن الأقل ازدحاما، وهو أمر يخلف يوما حالة من التذمر في أوساط مستعملي الخط. أرصفة وشوارع محتلة ومعارك يومية على النقل الديكور يأخذ معالم أخرى مساء ويكون أكثر حيوية من باقي فترات اليوم.. الطوابير في كل مكان والسباق لا يحتاج إلى إشارة انطلاق، الكل في حالة تأهب..لا يخلو رصيف بالمدينة من الضجيج والمناوشات، فبشارع عبد الرحمان بودربالة زاد ضيق الموقف في تأزم المشكل وتعود مستعملو الخط على ترصد السيارات بمدخل المحطة ونفس الشيء بالنسبة لمحطة بولمعيز التي تشكلت بالقرب منها محطة موازية لأن السيارات أصبحت تتحاشى دخولها والمواطنون يفضلون الانتظار على طول شارع بلوزداد، فيما نجد ازدحاما كبيرا بمحطة شيتور خلف البريد المركزي أين يصطف المواطنون من الجهة السفلى ويقضون ساعات وسط أجواء يسودها التزاحم والتدافع ومناوشات لانهاية لها. ويعتبر الرصيف المقابل لدار الفلاحة بوسط المدينة من أكثر النقاط لفتا للانتباه إلى جانب مدخلي شارعي عواطي مصطفى ورحماني عاشور أين يصطف المواطنون ليعيشوا لحظات من القلق والانتظار و يندمجوا في لعبة القط والفأر التي تحصل يوميا بين أصحاب سيارات الأجرة وأعوان الأمن العمومي. المشهد يتكرر يوميا لكنه خلال شهر رمضان يتحول إلى طابور لا تعرف له بداية من نهاية حيث تختلط الجموع المتجهة إلى مختلف الأحياء في حالة من الفوضى تبدأ من اعلي نقطة في شارع عبان رمضان وتمتد إلى غاية مدخل جسر سيدي راشد وعند مدخل كل الشوارع والمنافذ نجد محطة موازية لا قانونها الخاص لكن تشترك مع غيرها في كون الكورسة هي القاعدة الرئيسية. وخارج وسط المدينة يبدو الأمر مختلفا نوعا ما بالنظر لقلة الطوابير لكن الخدمة العمومية تختزل في كلمة واحدة الكورسة، فبمحطة سيدي مبروك العلوي نجد عدد كبير من السيارات المتوقفة فيما يصطف المواطنون على الرصيف في انتظار سيارات نقل جماعي، لأن الآخرين لا يرضون إلا براكب واحد وبمبلغ يقدر في أحسن الحالات ب150 دج، نفس الشيء نجده بحي الدقسي وجبل الوحش و زواغي وأمام المستشفى الجامعي ومختلف أحياء المدينة وأطرافها وكأنما هناك قوانين جديدة لا تسري إلا على سكان قسنطينة، والغريب في الأمر ان هناك 4500 سيارة أجرة بولاية قسنطينة منها 3000 سيارة تعمل بمقر عاصمة الولاية لكن معالم أزمة النقل تشتد من يوم إلى آخر. أصحاب الصفراء يعتبرون الأزمة نتاج سوء تسيير حاولنا الاستفسار لدى نقابتي سيارات الأجرة والإدارة عن الجانب القانوني لتطبيق التسعيرة الخاصة المعروفة بالكورسة فعلمنا أنها تطبق بطلب من الزبون وأنها لا تفرض عليه و إنما تكون اختيارية، كما تم إطلاعنا بأن نظام النقل الفردي مسموح به بالنسبة للسيارات غير الملونة بالأصفر على أن تكون مزودة بعداد، وأفادنا مصدر مسؤول أنه في هذا النوع من السيارات الزبون هو من يختار الوجهة وأنه يفترض عند غياب العداد أن يدفع مقابل أربعة مقاعد أي أن التنقل إلى المدينةالجديدة علي منجلي مثلا يكون ب 160 دج لا 300 دج المطبقة حاليا وأن الكوسة لا يمكنها أن تتعدى 200 دج في أسوأ الحالات. وقد تساءلنا لدى المصالح المختصة عن أسباب عدم تطبيق القانون فأفادتنا أنها لم تتلق أية شكوى وأن على الزبون أن يتوقف عن القبول بشروط صاحب سيارة الأجرة، لكن المواطنين يعتبرون أنفسهم ضحايا وضع غابت فيه الرقابة وأزمة نقل أستغلها أصحاب السيارات لفرض قانون خاص. و قد كان لأصحاب الصفراء رأي مغاير وتبريرات يرونها منطقية معتبرين أنفسهم ضحية فوضى النقل وتضييق المصالح الأمنية، حيث قال لنا احدهم أن السيارة غير مسموح لها بالتوقف في أي مكان رغم أن ذلك من حق الزبون وأن الازدحام يحول التنقل إلى مشقة ومضاعفة التكاليف وقد اعترف عدد كبير ممن تحدثنا إليهم أنهم يتحاشون المناطق ذات الازدحام كسيدي مبروك، جبل الوحش و الزيادية، ويتجنبون دخول أحياء طرقها في وضعية مزرية مثل القماص وبن شرقي، ولم يخف ممثلو المهنة انزعاجهم من الفوضى الحاصلة لكنهم يحملون السلطات المسؤولية في كونها لم تعد قادرة على وضع مخطط مرور ثابت وقالوا أن القرارات تتخذ دون استشارتهم لتكون النتيجة المزيد من الفوضى و الاختناق ووصفوا المحطات بأنها مجرد أروقة تشهد يوميا مناوشات بين السائقين لصعوبة الدخول والخروج منها وعدم توفرها على أدني الشروط مما جعل الأغلبية تفضل العمل خارجها . قرارت استعجالية لا تطبق و مشاريع تزيد الوضع تعقيدا السلطات عادت مؤخرا لفتح ملف النقل وحصل نقاش على مستوى المجلسين البلدي و الولائي وتقرر إعداد مخطط مرور استعجالي شرع في تنفيذه جزئيا لكن المختصون والناقلون يرون بأن الجهات المختصة تدور في حلقة مفرغة لأن الأفكار المطروحة إما غير قابلة للتجسيد وإما أن نتائجها تزيد الأمر سوء وقد اعترف الوالي بعجز مصالحه عن حل حالة الاختناق المزمن بقسنطينة مطالبا المواطنين بالمزيد من الصبر وتحمل حالة الإزعاج المترتبة عن أشغال مشروع تراومواي الذي يرون أنه الحل الوحيد والنهائي للأزمة إلى جانب مشروع الجسر العملاق كون المدينة ضيقة والحركة بها غير مرنة، لكن في انتظار تجسيد هذه المشاريع تبقى العشوائية تطبع تسيير الملف وتصنع من قسنطينة حالة استثنائية حولت التنقلات اليومية إلى مشقة وتبقى كل جهة تقذف الكرة في ملعب الجهة الأخرى دون الوصول إلى نتائج عملية، فحتى ما يسمى بالمخططات الإستعجالية تبقى مجرد أفكار وأصبحنا كل سنة نسمع عن مخطط أو مشروع يحمل وصف الإستعجالي لينتهي به الأمر في الرفوف أو يعاد فيه النظر بعد أشهر كونه غير قابل للتجسيد. الركن غير الشرعي يحتل 80 بالمائة من الشوارع الرئيسية وقد يكون مشكل الازدحام النقطة الوحيدة التي يتفق الجميع على أنها من مسببات أزمة النقل بقسنطينة حيث يقول أصحاب سيارات الأجرة أن الدخول والخروج من وسط المدينة وبعض المحاور المكتظة صعب في مهمتهم وجعل البعض يلجأ إلى الانتقائية حفاظا على السيارات من الأعطاب وأيضا تجنبا لاستهلاك مفرط للبنزين وبرروا زيادة التسعيرة بنفس السبب كما اعتبر عدد منهم الركن غير المنظم أحد مسببات الازدحام متسائلين عن الأسباب التي تجعل السلطات تسمح بتوقف مائات سيارات الفرود وتمنع سيارات الأجرة مطالبين بقانون لتنظيم التوقف يسمح بخلق محطات بوسط المدينة. وهي فكرة وردت ضمن آخر مخطط استعجالي أعلن عنه منذ أسابيع .فتنظيم الركن وسط المدينة يعد فكرة شجاعة لكن لم تتخذ إلى الآن أي خطوة لتجسيده، خاصة إذا عملنا أن الركن الفوضوي يحتل أكثر من 80 بالمائة من أرصفة الشوارع الرئيسية ويشكل عائقا أمام الحركة إضافة إلى التدفق الكبير على وسط المدينة الضيق، حيث تفيد الأرقام أن هناك 128ألف سيارة مرقمة بقسنطينة وأن الحضيرة تزداد سنويا بمعدل 6 آلاف سيارة و أن هناك 800 شاحنة وزن ثقيل تعبر وسط مدينة قسنطينة كل 12 ساعة، إضافة إلى مئات الآلاف من العربات من وسائل النقل العمومي والخاص .