8 ساعات تحت الشمس الحارقة بمحطات الوقود يتعاطف معهم البعض، و يحيّي فيهم البعض الآخر قوة الصبر و التحمل و هم يقفون ساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة لتلبية خدمات الزبائن الذين يترددون دون توقف على خدماتهم، إنهم عمال محطات الوقود الذين وقفت النصر على معاناة بعضهم في عدد من المحطات المفتوحة المنعدمة للمظلات الخرسانية. عند مرورنا بمحطات البنزين شدنا تكرر مشهد رجال يضعون على رؤوسهم مناشف و قبعات رياضية "كاسكيت"، و هو المشهد الذي تعوّدنا على رؤيته لدى سائقي الشاحنات و العمال بالورشات المفتوحة، و ليس بمحطات تشكل المظلات الخرسانية شرطا ضروريا بمضخات تعبئة الوقود، غير أن الواقع أثبت مرة أخرى مواجهة عدد من العمال لظروف مهنية قاسية، مثلما هو حال بعض عمال محطات البنزين بقسنطينة المجبرين على تحمل أشعة الشمس الحارقة، لا سيّما في شهر رمضان الذي تزامن و أوج فصل الحر. و لم يخف العمال الذين تحدثنا إليهم معاناتهم من قساوة ظروف العمل في هذه الفترة بالذات . و اعترف أحدهم و هو يلتفت بحذر كبير يمينا و شمالا خوفا من مرور صاحب المحطة بأنه لم يعد يتحمل "الخبزة المرة"كما قال، بسبب الظروف اللاإنسانية التي يتخبطون فيها صيفا و شتاء:"في الشتاء تتجمد أطرافنا و في الصيف تحترق أجسامنا"استرسل الموظف الذي جرى نحو المرآب و فتح الحنافية فوق رأسه لبضع ثوان، ثم بلل منشفة ووضعها على رأسه و عاد مسرعا إلى مكان عمله معلقا"لولا نعمة الماء لهلكنا في اليومين الأولين من رمضان"إشارة إلى ارتفاع درجة الحرارة الصعبة التحمل في الصيام. و استطرد زميله الذي بدت عليه علامات الاستياء أكثر من غيره قائلا:" لسنا في حاجة للحديث عن واقع ظروف عملنا المرة، يكف أن يقف أحدكم خمسة دقائق تحت الشمس ليدرك ذلك". و بالفعل لم نتمكن من تحمل الوقوف طويلا لمجرّد الحديث إليهم تحت لسعات الشمس الحارقة في عز منتصف النهار. و تدخل أحد الزبائن منتقدا "أين حماة حقوق العمال ؟"معربا عن تعاطفه مع هذه الفئة التي قال أنه لم يتحسّر على حالهم كلما تردد على المحطة. و تساءل آخر و هو ينظر إلى أعمدة أربعة مرتفعة حول مضخات الوقود بإحدى المحطات بقسنطينة" لماذا لا يوجد سقف فوق هذه المضخات طالما هناك أعمدة جاهزة؟". و هو السؤال الذي طرحناه قبله لمسؤول بإحدى المحطات الخاصة و الذي رد منزعجا اطرحوا السؤال على صاحب المحطة. و إن كان الكثير من العمال تعوّدوا على العمل تحت الشمس، غير أن البعض منهم لم يخف خوفهم على مستقبلهم الصحي، حيث أسر لنا احدهم بأنهم منذ التحاقه بالمحطة منذ سنتين بدأ يعاني أعراض الروماتيزم و أضاف بأن طبيبه نصحه بالتوقف عن تعريض نفسه للبلل، لكنه لم يستطع حسبه العمل بالنصيحة لأنه لا يقدر على تحمل الحرارة الخانقة. و ذكر عامل متقدم في السن أنه رغم تعوّده على رائحة الوقود بباقي أيام السنة إلا أنه وجد نفسه عاجزا عن تحمله في شهر الصيام، و كثيرا ما يشعر بالغثيان. و إذا كان أصحاب السيارات يشعرون بالاستياء و القلق بسبب انتظار دورهم بمحطات البنزين فبماذا يشعر العمال الذين يحترقون أكثر من 8ساعات يوميا تحت لهيب الشمس بمحطات الوقود العارية.