مات متحسرا بالفعل على المسألة الثقافية بالجزائر عندما نستعيد ذكرى كاتب/ باحث مهم مثل عمار بلحسن نتساءل حتما لماذا لم تنشر كل بحوث هذا الكاتب حتى الآن؟، أين الخلل بالضبط؟، لماذا طبعت العشرات من الكتب التي لا تسمن ولا تغني من جوع خلال تظاهرات كثيرة عرفتها الجزائر ودعمتها الدولة الجزائرية في السنوات الأخيرة، ولم تنشر دراسات الفقيد الكثيرة التي تركها إما مخطوطات، أو مبعثرة في مجلات عربية كثيرة، ومَن مِن المفروض أن يقوم بدور الجمع والنشر؟، هل هم أصدقاءه؟ ومن كانوا أصدقاءه؟، هل هي جامعة وهران التي منحها عصارة فكره وعلمه؟، أم وزارة الثقافة؟، أسئلة كثيرة وما من جواب عليها لحد الساعة. أذكر أنه مرة في منشورات الإختلاف كانت هنالك نية لنشر بعض دراساته في سوسيولوجية القراءة، واتصلت شخصيا بالمرحوم الطاهر وطار الذي ترك له الفقيد عدة أعمال مهمة كنت شاهدتها سابقا في مكتبه وأخبرته عن رغبتنا في نشر تراثه الفكري مثلما فعلنا مع المرحوم بختي بن عودة في نشر كتابه «رنين الحداثة» فرحب بالفكرة أولا ثم قال مشترطا يجب أن يكون النشر مشتركا بين الجاحظية والإختلاف فلم نمانع لأن الأمر يخص كاتبا كان عضوا في جمعية الجاحظية وصديقا لوطار نفسه، غير أننا اختلفنا بسرعة عندما قال وطار رحمه الله إنه هو من سيطبع الكتاب في مطبعة الجمعية فرفضت ذلك مذكرا المرحوم وطار بأن طباعته سيئة ولا تصلح لمقام رجل مهم كعمار بلحسن، فأذكر أنه غضب مني وفهمت أنه ألغى الفكرة تماما من رأسه، وللأسف لم ينشر هو تلك الدراسات المهمة ولم يتركنا ننشرها. لقد مات عمار بلحسن متحسرا بالفعل على المسألة الثقافية بالجزائر، وكلنا يذكر مشروع مجلة «كتابات» الذي اقترحه ذات زمن على وزارة الثقافة ولم يرد عليه أحد لا بالرفض ولا بالقبول، قرأت المشروع في مجلة التبيين وكم تألمت/تأسفت على تضييع فرصة ولادة مجلة كبيرة كتلك التي حلم بها المرحوم ولم يحققها قط في حياته. لم ألتقي شخصيا بالمرحوم إلا مرتين أو ثلاث دون أن أتكلم معه مرة واحدة، أذكر أول مرة كان بقاعة الموقار وهو يحاضر عن السياسة في الجزائر وأعجبني كيف لخص مفهوم السياسة عندنا بأنها ليس لها علاقة بفن السياسة ولكن ب»البوليتيك».. الخ ومرة شاهدته بشارع العربي بن مهيدي وهو يصاحب الشاعر محمد بنيس في جولة تسوقية ثم سمعت بخبر مرضه اللعين وموته، لقد قرأت لعمار بلحسن معظم قصصه القصيرة وأغوتني تجربته المختلفة، كما أحببت كتاباته النقدية والفكرية وأعجبت بشخصه الملتزم والذي حتما كان على قدر كبير من الصدق والعمق والروحانية وآلمني نصه «يوميات الوجع» بشفافيته الجارحة جدا. الإستنتاج الذي أخلص إليه في مناسبات نتذكر فيها كاتبا من طراز عمار بلحسن أو بختي بن عودة أو الطاهر جاووت وغيرهم ممن فقدناهم في أزمنة المحنة والغثيان هو كم هي الجزائر جاحدة مع أبناءها الأفذاذ، وكم هو مؤلم نسيانهم بتلك السرعة ومفجع أن حتى ما كتبوه يطويه النسيان أو غبار الزمن فلا نستطيع حتى استعادتهم واستحضارهم عن طريق القراءة.