تعرف جل المدارس الابتدائية الواقعة في المدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة، وضعية كارثية لم تعد تقتصر على مشاكل النظافة و التهيئة و التدفئة، فقد وقفت النصر خلال هذا الروبورتاج على اختلالات في الإطعام المدرسي ، وضعت مدراء الابتدائيات في حرج و دفعت ببعضهم إلى التحوّل لطباخين أمام العجز المسجل في اليد العاملة، و ذلك من أجل توفير اللمجة و الوجبات الساخنة للتلاميذ. روبورتاج: حاتم بن كحول أمام غياب أعوان الأمن بمعظم المدارس الابتدائية في مدينة علي منجلي ذات الكثافة السكانية الكبيرة ، تمكنت النصر من التوغل بسهولة إلى داخل عدد من هذه المؤسسات التربوية ، والبداية كانت من ابتدائية افتتحت قبل عامين ، وتضم أكثر من 500 تلميذ ، حيث تضم مطعما كانت روائح الوجبات الساخنة تنبعث منه ، و بداخله عاملتان وجدناهما بصدد تنظيف الأواني بعد تقديم الوجبة للتلاميذ ، الذين أخبرنا أولياؤهم أن زوج مديرة المدرسة وهو أستاذ متقاعد ، هو من يقوم بفتح وغلق البوابة بنفسه ، بسبب مشكلة عدم توفر أعوان الأمن التي نتج عنها، بحسبهم، حدوث عمليات سرقة. وأكدت ولية تلميذ وجدناها تنتظر خروج ابنها، أن المديرة هي من تقوم بطهي الطعام في العديد من المرات وهذا تعويضا للطباخة ، كما أنها تنظف بنفسها المطعم و الأقسام و حتى المراحيض ، بسبب غياب عاملات النظافة، أما الوجبات الساخنة فهي من تتكفل أيضا بتوزيعها على التلاميذ ، بعد أن تجلب مختلف المستلزمات بسيارتها الخاصة، ما جعلنا نعود إلى داخل المؤسسة للحديث مع المديرة ، لكنها تحفظت عن الخوض في هذا الموضوع دون الحصول على تصريح بذلك من مديرية التربية ، رغم أن ملامحها كانت توحي برغبة في إخراج ما في جعبتها. وجبات تُقدم أثناء الدرس تنقلنا بعد ذلك إلى ابتدائية أخرى ، و هنا شد انتباهنا العدد الكبير من أولياء التلاميذ المتواجدين أمام مدخل المؤسسة ، و جلهم نساء ، حيث سألنا بعضهن عن ظروف التمدرس ، فكانت الإجابات غير متوقعة وكان أكثرها غرابة ، حديثهن عن تحول المطعم إلى قسم يدرس به التلاميذ ، و للتأكد من هذا الأمر دخلنا المدرسة التي لم نجد بها أي حارس يسألنا عن وجهتنا. عند دخول الساحة التي كانت مليئة بالطاولات والكراسي المكسورة ، وجدنا المطعم المدرسي يعج بالتلاميذ ، و هنا تفاجأنا من الحالة الكارثية التي يتواجد عليها ، أين شعرنا ببرد شديد وبمجرد الوقوف على حالة النوافذ ذات الزجاج المكسور فهمنا سبب تحول المكان إلى ما يشبه الثلاجة ، كما يعطي الكم الهائل من الطاولات والكراسي غير الصالحة والمنتشرة في آخر المطعم الانطباع بأننا داخل مخزن ، و الأغرب أننا اكتشفنا أنه تحوّل إلى حجرة دراسية بسبب نقص الحجرات ، و قد شدتنا الروائح الكريهة المنبعثة من البالوعات ، في حين أن الحوض المخصص لغسل الأواني الذي تكسوه طبقة لزجة وداكنة اللون ممزوجة بخيوط من الصدأ ، وضع تحت السبورة ، كما لاحظنا أن التلاميذ يجلسون بصعوبة كبيرة في الطاولات والكراسي لعدم صلاحيتها ، خاصة وأنها مخصصة لتناول الوجبات وليست موجهة للدراسة. الجرذان والقطط تتجوّل داخل مطعم! وقالت إحدى المعلمات للنصر، إنها تعمل في ظروف مزرية ، حيث أكدت أن القطط والفئران تتجول داخل المطعم أثناء تقديم الدروس وتقاسم التلاميذ مقاعد الدراسة ، و ذلك في ظل غياب التدفئة ، ما أدى لتعرضها وبقية التلاميذ لأمراض صدرية وتنفسية ، خاصة وأن زجاج النوافذ مكسور، كل ذلك، حسب محدثتنا، يجعل الجلوس داخل هذه الحجرة ، خلال الساعات الأولى من الصباح ، أمرا صعبا على أي شخص بالغ، فما بالك بالأطفال. و قد علمنا أن المطعم يستقبل قسمين للسنة الثالثة ابتدائي ، أحدهما يبدأ الدراسة من الساعة الثامنة صباحا إلى العاشرة و15 دقيقة والثاني من التوقيت الأخير إلى منتصف النهار و30 دقيقة، مما يضطر المعلمين لوقف الدرس وخسارة حوالي نصف ساعة كل صباح ، من أجل فتح المجال أمام العمال لتوزيع اللمجة لبقية الأقسام داخل المطعم ، وذلك في الساعة العاشرة. و أخبرنا بعض أولياء التلاميذ أن هذا المطعم يبقى أفضل من المكان الذي كان يدرس به أبناؤهم، و الواقع مباشرة بمدخل الابتدائية، وهو عبارة عن باحة صغيرة مغطاة، في حين ذكر مصدر من المؤسسة أنه من المنتظر بناء قسم في مكان غير مستغل بالطابق الثاني للبناية، لتجهيزه تحسبا للدخول المدرسي القادم ، ما من شأنه إنهاء المشاكل المسجلة ، التي دفعت بالإدارة إلى تحويل قاعة الأساتذة إلى قسم ، في حين يضطر المعلمون كما أكدوه لنا، إلى شراء العديد من الأغراض من مالهم الخاص على غرار مستلزمات تزيين الأقسام، ودهن الجدران، وحتى القلم الخاص بالكتابة على السبورة و الممسحة. قطعة خبز و علبة «ياغورت» لتعويض الوجبة الساخنة توجهنا عقب هذا إلى ابتدائية أخرى تبدو حالتها أفضل من البقية من خلال بنايتها الجديدة و شساعة مساحتها ، و قد تصادف وصولنا للمكان مع خروج التلاميذ من المدرسة و هم يحملون قطعة صغيرة من الخبز داخل كيس به قطعة جبن، وهنا أخبرنا ولي كان في انتظار ابنه ، أن الوجبة المقدمة في هذه المدرسة ليست ساخنة كما لا يمكن وصفها بالباردة لأنها ليست وجبة أصلا ، على حد تعبيره ، مضيفا أن التلاميذ تعودوا على تناول قطعة خبز و جبن، أو خبزة و برتقالة ، وفي أفضل الأحوال يتم منحهم علبة عصير أو ياغورت ، أما التونة فأصبح تقديمها أمرا نادرا ، وإن حدث فإن ذلك يعتبر مناسبة سعيدة بالنسبة للتلاميذ، يأتي هذا في وقت تؤكد وزارة الداخلية و الجماعات المحلية ، على ضرورة توفير الوجبات الساخنة في كل المدارس وهو ما أكد عليه أيضا والي قسنطينة. والملاحظ في أغلب المطاعم التي دخلناها خلسة لأن المديرين لا يسمحون بذلك دون ترخيص من مديرية التربية ، أن هناك مشكل إمكانيات لكن هناك أيضا قصور في التصور حيث تغيب الألوان الزاهية والأفكار البسيطة التي كان يمكن أن تغير شكل تلك الأماكن المظلمة الكئيبة التي تطرد الرغبة في الأكل مهما كان نوع ما يقدم. المندوبون البلديون بعلي منجلي الأجرة المتدنية سبب النفور عن العمل في المدارس أكد المندوبون البلديون بالمدينة الجديدة علي منجلي، أن الرواتب المتدنية هي السبب الرئيسي في نفور الشباب عن العمل بالمدارس الابتدائية، مع ما ينجم عن ذلك من مشاكل في الإطعام، مضيفين أن الجماعات المحلية تعمل على معالجة النقائص المسجلة. و قال بسول نور الدين مندوب مندوبية علي منجلي 1، إن مصالحه تستقبل العديد من الملفات لطالبي العمل في المدارس الابتدائية ، ولكن في نهاية المطاف لا يلتحق هؤلاء بمناصبهم، لعدم رضاهم بالأجرة التي سيتقاضونها، والتي تتراوح بين 5000 إلى 8000 دج، و هي مشكلة يأمل المنتخبون تسويتها بالموازاة مع سهرهم على توفير العمال من خلال الإمكانيات المتوفرة. كما أوضح عزيز فراح مندوب علي منجلي 3، أن كل الملفات المقدمة للبلدية للتوظيف في الابتدائيات، جاءت في إطار عقود الإدماج وهي الخاصة بخريجي مراكز التكوين المهني و التمهين ، أو في إطار عقود ما قبل التشغيل ، في حين لا يتم تجديد عقود العمال عند انتهائها، و تجميد مناصب الشغل، وهو ما جعل عديد المدارس تشهد نقصا في اليد العاملة. أما فيصل طرودي و هو المندوب البلدي بعلي منجلي 4 ، فذكر أنه يعمل رفقة بقية المنتخبين على تسوية كل النقائص التي تشهدها مختلف المؤسسات التربوية ، ليرد فيما يتعلق بالمدرسة التي وجدنا تلاميذها يدرسون في مطعم، بأنه زار هذه المؤسسة عدة مرات، و اختار مكانا من أجل وضع بناء جاهز به لتقديم الدروس ، وذلك بالتشاور مع المديرة ، وفيما يتعلق بالنوافذ المكسورة ببعض الابتدائيات، فذكر المنتخب بأنه يتم إصلاحها ، لكنها تتعرض للتخريب من جديد. و طرح طرودي قضية الضغط الذي تشهده مدارس علي منجلي بسبب الترحيلات ، حيث قال إن المندوبية تقوم بعمل كبير على مستوى هذه المؤسسات ، لكن عملها لا ينتهي بسبب فتح هياكل تربوية أخرى جديدة بموجب عمليات إعادة الإسكان ، مضيفا أن الوالي وفر ميزانية لابتدائيات المدينة، كما قامت بلدية الخروب بعدة ترميمات على مستواها. رئيس مصلحة الموارد البشرية ببلدية الخروب سنقوم بتسوية وضعيات المدارس في الأيام المقبلة رئيس مصلحة الموارد البشرية ببلدية الخروب، عيسى قرّيط، اعترف بأن مصالحه تعاني من أجل توفير العمال بالمدارس ، أمام النقص الكبير المسجل في هذا القطاع ، و تجميد عمليات التوظيف ، لكنه أوضح بأن بلدية الخروب بصدد معالجة هذا الإشكال وفق الإمكانيات المتاحة ، من خلال الاستعانة بعمال في إطار عقود ما قبل التشغيل. و ذكر قريّط أنه سيتم خلال الأيام القادمة ، توظيف بعض العمال الجدد ، الذين يقارب عددهم 12 ، ليؤكد في الأخير أن المسؤولين المعنيين يعلمون بالوضعية الصعبة في المدارس و التي قال بأنه ستتم تسويتها في قادم الأيام. مدير التربية بولاية قسنطينة لا يمكننا التدخل لأن ذلك من مهام البلديات أوضح مدير التربية بولاية قسنطينة ، محمد بوهالي، أن مشكلة عدم توفر العمال في مختلف مدارس الولاية عموما وبالمدينة الجديدة علي منجلي خصوصا، لا تعني مصالحه، غير أنه أكد تسجيل نقص في عددهم. و ذكر بوهالي أن مديرية التربية لا تعلم ما هو العدد الحقيقي لعمال المدارس، لأن هذا الموضوع يخص البلديات التي تتكفل بانتدابهم ، لكنه اعترف بالنقص الفادح في عدد المدمجين في مناصبهم على مستوى العديد من المؤسسات التربوية ، حيث أكد بأنه تلقى بعض الطلبات من مختلف مدراء الابتدائيات من أجل تدعيمهم ببعض أعوان الأمن وخاصة للحراسة ليلا، غير أنه لم يتمكن من التدخل لأن الأمر راجع لمسؤولي البلديات. و أوضح مدير التربية بأن إدارته وفرت العديد من العمال في إطار عقود ما قبل التشغيل «أنام»، مؤكدا أن والي قسنطينة عبد السميع سعيدون ، قد أصدر مؤخرا تعليمة بتوظيف العمال بالمدارس من أجل خلق توازن بين مختلف المؤسسات التربوية.