بعزيمة صلبة لم تكسرها منافسة شرسة من خريجي أرقى الجامعات الأمريكية و الصينية، استطاع الدكتور مراد بوعاش، ابن مدينة شرشال بالجزائر، أن يفتك منصب مسؤول الجودة للبرمجيات والأجهزة بشركة "ياهو" العالمية، بعد قصة نجاح يرويها لأول مرة خريج جامعة بومرداس الحاصل على شهادة دكتوراه في بنية المعالج الآلي بفرنسا، كما يكشف عن مشاريعه و عن نظرته لأمن "الويب" في ظل التدفق الهائل للمعلومات، إضافة لأمور أخرى تطالعونها في هذا الحوار الذي خص به النصر. حاورته: ياسمين بوالجدري أنت حاليا مسؤول الجودة للبرمجيات والأجهزة بشركة "ياهو"، و هو منصب هام يطمح إليه كل شاب عربي و جزائري، فهل لك أن تعّرف القراء من هو مراد بوعاش؟ من مواليد سنة 1981 بمدينة شرشال الساحلية، تربيت وترعرعت بهذه المدينة الجميلة المشبعة بالثقافة, التراث و التاريخ العريق، أين تحصلت على شهادة البكالوريا في 1998 و اخترت تخصص الإعلام الآلي، لأنه بكل بساطة، كانت أول جائزة حصلت عليها في السنة الأولى أساسي، عبارة عن كتيب عنوانه «الكمبيوتر" الذي قرأته أكثر من 100 مرة، فبقي الحلم يراودني حتى دخولي الجامعة، فلم أتردد في اختيار عالم الكمبيوتر. اشتغلت في مخابر "بلاك بيري" بكندا تابعت بعد ذلك دراستي في تخصص الإعلام الآلي بجامعة بومرداس أين تحصلت على شهادة مهندس دولة في الإعلام الآلي، ثم قررت الذهاب لمتابعة دراستي وبداية البحث العلمي في فرنسا بالمخبر العلمي لبنية المعالج الآلي بمونبولييه و جامعة باربينيان جنوبفرنسا. تحصلت على شهادة دكتوراه في بنية المعالج الآلي سنة 2010، و في إطار بحوث الدكتوراه قمت بإعطاء محاضرات في أوروبا ثم أمريكا أين حط القدر بي لأكمل بحوثي العلمية في جامعة إلينوا قرب شيكاغو في الولاياتالمتحدةالأمريكية. عملت أيضا في مخبر بنية المعالج الآلي لمدة سنين و ذهبت بعد ذلك لجامعة واترلو في كندا اين اشتغلت لمدة 6 أشهر في مخبر البرمجيات المدمجة لهاتف «بلاك بيري» لشركة «ريم» الكندية للهواتف النقالة، عقب ذلك قررت العودة الى أمريكا و بالخصوص إلى «سيليكون فالي» الذي كان حلما بالنسبة لي منذ أيام الجامعة في الجزائر، حيث أصبحت أعمل لصالح شركة الانترنت «ياهو»، أين أشغل حاليا منصب مسؤول الجودة للبرمجيات والأجهزة الموجودة في مختلف مراكز البيانات. كيف وصلت إلى منصبك الحالي بشركة عالمية رائدة ك «ياهو"؟ لا يوجد أي سر غير العمل الجاد والمثابرة، و من الممكن أن يكون للحظ أثر، حيث تأتي الفرصة و أنت في المكان و الوقت المناسبين.. لما كنت أتحصل على الشهادات في ميدان المعلوماتية لم أكترث كثيرا للمال أو المنصب، ولكن كنت أبحث عن أقصى شهادة علمية و تكوين جيد قبل كل شيء، و بعد ذلك حتما سأحصل على فرصة منصب الشغل الذي أحلم به، و لا يزال الحلم يراودني. ما هو هذا الحلم؟ الحلم هو وقودي من أجل الوصول الى أبعد نقطة، و ما أراه كحلم قريب المدى هو بالطبع مؤسسة معلوماتية لحل مشاكل المستشفيات خصوصا في الجزائر، و كذلك إنشاء مؤسسة تربوية و تعليمية غير ربحية لتعليم البرمجيات للأطفال و الأطفال المعاقين و التي أراها من الأولويات. أخطط لإنشاء شركة لتعليم البرمجيات للأطفال لقد أسست شركة صغيرة اسمها أذواق الجزائر thetasteofalgeria.com و التي تعتبر منصة للجزائريات الماكثات في البيت في أمريكا، و اللواتي لهن موهبة صناعة الحلويات الجزائرية التقليدية وبيعها عبر المنصة، و ذلك لربح المال من جهة و التعريف بالتقاليد الجزائرية في أمريكا من جهة اخرى. هل يمكن أن نراك في المستقبل مؤسس شركة معلوماتية ضخمة مثل «ياهو» أو «فايسبوك» أو «غوغل»؟ لا أظن أني سأقوم بتأسيس شركة مماثلة ل «غوغل» أو «فايسبوك». ما أريده هو إبداع حلول عبر مؤسستي، و الأولوية لبلدي الجزائر الذي هو بحاجة الى العديد من الحلول عبر البرمجيات و الإعلام الآلي بصفة عامة. هل ترى أن البرامج المعتمدة في تخصصات الاعلام الآلي والمعلوماتية بالجزائر، تضاهي ما هو موجود في البلدان المتطورة، و هل هي مشجعة على البحث العلمي و تأسيس الشركات الناشئة؟ تكويني الأساسي جزائري و أنا أفتخر بالمدرسة الجزائرية و التعليم الجزائري بشكل عام.. لا يوجد الكثير من الدول التي يتوفر بها التعليم مجانا، و لقد عملت على أن أستغل فرصة التعليم المجاني والمرافق التعليمية في الجزائر لأكوّن نفسي و أتفوق. بالطبع بعد الحصول على هذه الخبرة يجب تجديد المناهج في كل الميادين وخاصة الإعلام الآلي و هو الأمر الذي يحدث في الجامعات الأمريكية، أين التقيت برئيسة جامعة الينوا بشيكاغو بعد عامين من الخبرة في «ياهو» و تكلمنا عن التكنولوجيات والمواد التعليمية الواجب إدراجها في الجامعة و التي ستساعد الجامعات على تحضير الطلاب للعمل بشكل مباشر في المؤسسات الكبرى. هل واجهتك عقبات في مشوارك المهني؟ بالطبع صادفتني عقبات و هذا أمر عادي سواء في العمل أو الدراسة، حيث اعتبرها الآن خبرة ولم لا تُعلم في الجامعة، فمعظمها مشاكل تتعلق بفرض الذات أمام عالم مليء بالمنافسة الشرسة، من خلال عدد المتخرجين من الجامعات الأمريكية الفخمة و المنافسة الشرسة من الجامعات الصينية والهندية المعروفة في ميدان البرمجة. لهذه الأسباب أنشأت قناة "مباشر سيليكون فالي" كيف استطعت تجاوز العقبات وسط كل هذه المنافسة الشرسة؟ كنت أتعلم من كل صديق في العمل و أرى دائما النقائص في تكويني و أستغل كل الفرص لفرض وجودي و هذا هو طبع الجزائري المثابر.. عائلتي أيضا كان لها العامل الأساسي في التشجيع و المضي قدما. لم تكتف بالنجاح الذي حققته على الصعيد المهني، بل قررت نقل خبرتك عبر قناة على "يوتيوب" تخاطب من خلالها الشباب الجزائري، لماذا هذه القناة؟ قبل خلق قناة moubachir silicon valley"» كنت دائما أعمل على ربط الجزائريين في أمريكا و أهتم بنشر الثقافة الجزائرية في أوساط المؤسسة الأمريكية، و بين سنتي 2016 و 2018 تقلدت منصب رئيس الجمعية الجزائريةالأمريكية لشمال كاليفورنيا و التي تهتم بانشغالات الجزائريين المتواجدين بهذه المنطقة و أمريكا عموما، و قبل ذلك كنت متطوعا في الجمعية منذ 2012 و قد تُوجت كأحسن جمعية جزائرية في الولاياتالمتحدةالأمريكية من طرف القنصلية الجزائرية في نيويورك في 2018. كما كان اهتمامي منصبا على تأسيس شبكة للجزائريين بأمريكا منذ سنة 2011، أين قمت بإنشاء أول صفحة «فايسبوك» خاصة بهم و اسمهاACUS ، لأقرر بعدها فتح قناة على «يوتيوب» أطلقت عليها تسمية «مباشر سيليكون فالي»، لتحفيز الشباب الجزائري على العمل و المثابرة من أجل النجاح في ظل كل يحدث من تقدم و تطور في تكنولوجيات المعلوماتية داخل «سيليكون فالي» (نهر فالي) وكذلك استضافة أصحاب التخصص و المعرفة في ميادين عديدة كالالكترونيات و البيوتكنولوجيا و أمن الويب. القناة تهتم كذلك بتدعيم المرأة الجزائرية المثابرة و تنشر خبرة جزائريات يعملن في أرقى المؤسسات العالمية و الكل مدعو للاشتراك فيها. بالحديث عن «سيليكون فالي" التي أصبحت عنوانا للطفرة الرقمية بالنظر لما تضمه من شركات عملاقة مثل "آبل" و»غوغل" و"ياهو"، أخبرنا عن أجواء العمل و الحياة في منطقة شهيرة كهذه تُصِّدر أحدث التكنولوجيات إلى العالم؟ «سيليكون فالي» بيئة خصبة بكل المقاييس، حيث تقع جنوب واحدة من أكبر المدن الأمريكية وهي سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا، كما تتمتع بمناخ يشبه كثيرا مناخ البحر الأبيض المتوسط. هي أيضا منطقة ممتلئة بالمؤسسات الكبرى و الناشئة، بما يعادل 1000 مؤسسة، إذ من السهل هنا خلق شركة برمجيات أو صناعة أجهزة، لأن كل الظروف ملائمة. الحياة في «سيليكون فالي» تشبه العمل في مصنع كبير وسط منافسة على مستوى عالمي، فهي من بين المناطق المكتظة في العالم من حيث عدد السكان والعمال، إذ أن حركة المرور مشكل مسجل بها كأي عاصمة عالمية كبرى، في انتظار أن تتحول إلى مدينة ذكية. أمن «الويب» قضية المستخدم هل تعتمد شركة «ياهو» على عدد كبير من العرب و ماذا عن الجزائريين العاملين بها، هل أنت الوحيد؟ لا أظن أن هناك جزائريين كثر في «ياهو»، حتى لا أقول أنني الوحيد، فإلى غاية الآن لم أجدهم، حيث بحثت عنهم لأتواصل معهم من اليوم الأول، بالمقابل يوجد الكثير من العرب، إذ اشترت «ياهو» موقع «مكتوب» الالكتروني لغزو محركات البحث العربية في السابق، ما نتج عنه التحاق العديد من الأردنيين و المصريين على الخصوص، بالشركة. كثُر الحديث عن اختراق بيانات مستخدمي الإنترنت عبر العالم، ضمن ما أصبح يطلق عليه «فضائح انتهاك الخصوصية»، فهل ترى أن تكنولوجيا الاتصالات لا تزال في حاجة إلى تنظيم أكبر رغم ما بلغته من تطور؟ البرمجة والمعلوماتية معرضة دائما للاختراق، و عدد المخترَقين يعطي فكرة عن عدد المستعملين في العالم، لكن أمن «الويب» هو قضية المستعمل قبل كل شيئ، إذ يجب عليه تغيير كلمة السر و تعقيدها على الأقل، كل 3 اشهر، و «ياهو» كغيرها من شركات الانترنت الكبرى، تخصص جهودا لوضع برمجيات و أجهزة تحمي المستعمل من الاختراق الذي هو في حد ذاته علم، كما أنها تنظم دورات خاصة للبحث عن ثغرات الاختراق و إغلاقها. يقال إن المعلومة هي بترول المستقبل، و ترتيب المؤسسات في العالم يتم حسب حجم المعلومات المخزنة أو المكتسبة، فالتجارة الرقمية هي عبارة عن سوق لبيع المعلومات، لذلك فإن أكبر المشاريع الآن في «سيليكون فالي» هي للبحث عن حلول لقاعدة المعلومات الضخمة، و السؤال المطروح هو كيف يمكن استغلال البيانات الضخمة للتجارة و إنشاء البرامج و التطبيقات، في ميادين تجارية غير المعلومات؟ فمستخدم البريد الالكتروني المجاني مثلا، موافق مسبقا على استعمال معلوماته إلى حد ما. هل هذا يعني أن حماية الخصوصية في هذا الفضاء الافتراضي المفتوح صار أمرا شبه مستحيل؟ لا يوجد شيء مجاني في العالم وخاصة البريد الالكتروني، فالمستخدم و بمجرد فتحه سيكون موافقا على استعمال معلومات ملفه الشخصي بعد التسجيل، و كذلك على ظهور الإشهار في حسابه، بما يدر أموالا ضخمة على الشركة الراعية. بالمقابل، تعمل المؤسسة الالكترونية جاهدة على حماية المستخدم و لكن عدد المخترقين و سبل الاختراق تتزايد و تتنوع بتنوع التكنولوجيا، و قد قلت في السابق أن المستعمل يساعد كثيرا في حماية نفسه عبر تعقيد كلمة سره و تبديلها كل 3 أشهر.. إنها الخوارزمية الوحيدة لحماية الحساب بنسبة 100 % والباقي هي جهود و أجهزة حماية تساهم في ذلك إلى حد ما. هل أنت مستعد للتعامل مع السلطات الجزائرية في مجال تأمين المعلوماتية؟ بالطبع، أنا رهن إشارة بلدي إذا كان بحاجة إلى خبرتي، و هنا أشير إلى أن أمن «الويب» و سوق المعلوماتية في الجزائر، هو في طور النمو و لا أظن أننا في حاجة ماسة الى حلول لمشاكل المعلومات الضخمة، لكن من المستحسن التحضير من الآن و استغلال خبرة المؤسسات الكبرى، إذ ليست لدي أية مشكل في مساعدة بلدي لاقتراح حلول و العمل في مشاريع مشتركة لأمن «الويب» أو أية مشاريع متعلقة بالإعلام الآلي بشكل عام. يتعيّن حماية المستهلك الجزائري من سلعة الأنترنت يلاحظ أن وسائل التواصل الاجتماعي ظلت بالنسبة للعديد من الجزائريين وسيلة للترفيه و تمضية للوقت، كما أن استعمال الانترنت اتخذ منحى خطيرا بانتشار الجريمة الالكترونية، فهل ترى بأن هذه المرحلة طبيعية؟ و هل مرت بها الدول المتقدمة مع بداية انتشار "السوشيال ميديا"؟ المشكل استهلاكي محض، فمعظم التطبيقات و البرامج المعلوماتية طورت في أمريكا من أجل الحاجة أو الطلب لمسايرة السوق المعلوماتية بتخطيط مسبق و إرادة شعبية ضمن الثقافة الأمريكية، و في أمريكا هناك لجنة مراقبة و قوانين للحياة الافتراضية و الانترنت سُنّت بأحكام و قوانين ردعية ثابتة. لقد صدرت هذه السلعة الرقمية للمجتمع الجزائري كأي مجتمع في العالم والتأثير هو مختلف عن باقي الدول حيث الثقافة و الأعراف مختلفة و أظن أنه و كأي منتوج مستورد، يجب تشكيل لجنة مراقبة و حماية للمستهلك الجزائري.