لم تكن الخيارات التي راهن عليها الناخب الوطني جمال بلماضي، في مباراة سهرة أول أمس أمام غامبيا ناجحة، ليس لأن «الخضر» فشلوا في تحقيق الفوز، بل لإن الورقة التي ارتأى ربان السفينة لعبها كانت خاطئة، وهذا بعد سبعة أشهر من توليه قيادة التشكيلة، على اعتبار أن الاطمئنان المسبق، على تذكرة المرور إلى النسخة 32 من نهائيات كاس أمم إفريقيا، جعل بلماضي يسارع إلى فتح ورشة كبيرة داخل المنتخب، وجعل التشكيلة بمثابة حقل للتجارب، في محاولة لإحداث التغيير، تحسبا لمشاركة تتماشى والطموحات في موعد «كان 2019»، المقرر بعد أقل من ثلاثة أشهر بمصر، فكانت عواقب هذه الورشة الكبيرة العودة بالمنتخب إلى نقطة الصفر، وحتى فقدان ثقة الجمهور التي كان بلماضي، قد اكتسبها بمجرد استلامه المشعل خلفا لرابح ماجر. ولعّل ما يجسد فشل الإستراتيجية، التي انتهجها بلماضي عدم قدرة التشكيلة الوطنية، على فك شفرة الطريقة الدفاعية المحكمة التي اعتمدها منتخب غامبيا، رغم أن المباراة سارت في اتجاه واحد، وعلى وقع سيطرة مطلقة لوناس ورفاقه، إلى درجة أن نسبة الاستحواذ على الكرة فاقت أعلى المستويات ببلوغ رقم 82 بالمئة، لكن الترجمة الهجومية لهذه السيطرة ظلت عقيمة، بعدما أظهرت النخبة الجزائرية نقصا كبيرا في التنسيق والانسجام بين خطوطها، أو حتى على مستوى الخط الواحد، الأمر الذي انعكس بصورة مباشرة على الأداء الجماعي. ورشة بلماضي فاجأت المتتبعين، لأن التغيير الشامل الذي أدخله على التشكيلة الأساسية، جعله يمنح الفرصة لبعض الوجوه التي سجلت تواجدها لأول مرة في القائمة، في صورة لوصيف وبوداوي، وحتى زميلهما في نادي بارادو نعيجي، فضلا عن مراهنته على بعض اللاعبين الذين كانوا خارج نطاق الخدمة لفترة طويلة، على غرار عبيد ودرفلو وحليش، لكن مشكل التنسيق والانسجام ظهر جليا، فكانت الحلول الفردية الخيار الذي اضطرت العناصر الوطنية، إلى المراهنة عليه لصنع الفارق، أمام منافس ضعيف جدا اكتفى بالدفاع، لأن أكبر المتفائلين في غامبيا لم يكن يحلم بالعودة بالتعادل من الجزائر، والطريقة الدفاعية التي انتهجها المدرب توم سانتفيت، أثبتت سعيه لتكرار «سيناريو» حدث قبل 12 سنة، لما خرج منتخب غامبيا بأخف الأضرار من ملعب تشاكر، عندما انهزم بهدف وحيد، سيما وأن الغامبيين لم يفوزوا خارج قواعدهم منذ 36 عاما، كما أنهم لم يسبق لهم وأن شاركوا في دورات «الكان»، والتواجد في المركز 166 عالميا أبرز دليل على تواضع هذا المنافس. هذه المعطيات، لم تكن لتدفع بالناخب الوطني إلى انتهاج إستراتيجية جديدة في تسيير المنتخب، قبل ثلاثة أشهر من موعد العرس القاري بمصر، لأن بلماضي كان قد بعث بصيصا من الأمل في قلوب الجزائريين، بخصوص قدرته على إعادة الروح للتشكيلة الوطنية، بعد فترة فراغ دامت قرابة 3 سنوات، والورشة الكبرى التي فتحها لم تسمح له بالخروج بأي فكرة عن العطاء الفردي لأي عنصر، لأن المجموعة أحكمت سيطرتها المطلقة على المباراة، لكن التجسيد في الهجوم كان غائبا، في ظل عدم القدرة على إيجاد الحلول الكفيلة باختراق الدفاع الغامبي، وهو السيناريو الذي شذ عن ذلك الذي ألفه الجزائريون في عهد التقني الفرنسي كريستيان غوركوف، لما كان «الخضر» يدكون شباك منافسيهم بالسباعيات، في صورة تانزانيا، إثيوبيا، اللوزوطو والسيشل، مع الإبقاء على ركائز التشكيلة، وضم وجوه جديدة تدريجيا إلى التعداد. ولئن كانت النخبة الوطنية لم تظهر بمستواها المعهود، فإن التعادل المسجل في الأنفاس الأخيرة كان بمثابة السيناريو، الذي فاجأ كل المتتبعين، لأن منتخب غامبيا قام بمحاولتين فقط في الهجوم، والهدف الذي تلقاه دوخة كان من كرة شبه ميتة، لكن سوء تفاهم في محور الدفاع كلف الخضر هدفا عكس مجرى اللعب، ليحرم بذلك بلماضي من الفوز الثالث له تواليا على رأس التشكيلة الوطنية، ويتأكد بأن الدفاع مازال الورشة الكبرى التي تبقى مفتوحة، وكل التجارب الميدانية لم تجد للتخلص من هذا الهاجس، الذي ظل يؤرق الجزائريين منذ اعتزال الثنائي بوقرة وعنتر يحيى. ص/ فرطاس