لم أنطق بكلمة عن أدب القذافي والثورات العربية ليست عفوية كلها جملكية أرابيا تتمة لليلة السابعة بعد الألف التي تنبأت بالثورات العربية وقّع أمس الدكتور واسيني لعرج بالعاصمة روايته الأخيرة "جملكية آرابيا"التي تتناول أثر الديكتاتوريات العربية في بناء أنظمة لا هي جمهورية و لا ملكية. النصر التقت الكاتب و سألته عن أسرار الحاكم بأمره، في ملحمته التي تنبأت بربيع الثورات، و إن اعتمدت على التراث العربي و الشعبي في رسم صورة و نفسية الحاكم الطاغية، فعكست بشكل غير مباشر أحداث اليوم. حاورته:مريم بحشاشي -بدأ الحديث عن رواية "جملكية آرابيا" قبل صدورها، لماذا في رأيك؟ -استغرب أحيانا من الضجة التي تسبق أعمالي ، إلا أنني بدأت أتعوّد على هذا النمط، و يكفي أن أعلن عن اقتراب صدور رواية جديدة حتى تتجّند بعض الأقلام في العمل عليها...و هناك مقالات تكتب بموضوعية و لا تزعجني وجهات نظرها النقدية التي أتقبلها بصدر رحب، عكس بعض الكتابات الأخرى التي استغرب أحيانا كثيرة من الحكم المسبق على رواية قبل صدورها و التهكم على كاتبها من خلال مجرّد فصل واحد تم نشره عبر عدد من المجلات الالكترونية، مثلما حدث مع "جملكية آرابيا"، لكنني أقول دائما "فليقولوا ما شاءوا، لأنه في آخر المطاف لا يبقى إلا الأدب و كل ما قيل يبقى ثانويا...أحب من أحب و كره من كره". -لماذا اخترت هذا الظرف بالذات لإصدار رواية قلت أنك بدأت العمل عليها منذ سنين طويلة؟ - صحيح أن فكرة الرواية راودتني منذ أكثر من عشرة سنوات، أي منذ صدور "الليلة السابعة بعد الألف" عام 1993 التي شعرت حينها بعدم استغلالي للكثير من التفاصيل المهمة في هذه الرواية، و بعد إعادة قراءتها و التمعن فيها أيقنت ضرورة نقلها في عمل روائي آخر...فتبلور الفكرة و صدورها في غمرة هذه الأحداث جعلها تبدو كتنبؤ بسقوط الأنظمة العربية و بربيع الثورات لأنها تحكي عن الدكتاتوريات و الجملكيات...الخ. -هل تبدو فقط أم أنك تنبأت فعلا بحدوثها؟ - في الواقع تنبؤي بسقوط الأنظمة الطاغية، جاء في روايتي"الليلة السابعة بعد الألف" التي انتقدت فيها الجملكيات العربية، لكن نقصتها بعض التفاصيل المهمة كما أسلفت التي حاولت تداركها فيما بعد في "جملكية آرابيا" التي نمت أفكارها في هدوء . -يبدو من مشهد الإعدام بالمنمنمة الفارسية التي اخترتها كغلاف لجملكية آرابيا، أنك تريد إيصال رسالة محددة للقارئ قبل تعمقه في تفاصيل الرواية. - بالفعل أنا من اقترح هذه المنمنمة التي يعود تاريخها إلى قرون عديدة على الناشر، لأنني أردت نقل شخصية المثقف في صورة الحلاّج الطيّب و المتصوّف الذي يدان و يعدم بتسلط من الحاكم، فتجاوب مشهد الإعدام مع نص الرواية لاحتوائها على شخصية الحلاّج الذي يعاني من ظلم الحاكم الطاغية غير أن حلاّج جملكية آرابيا ينجو من مقصلة الحاكم المتسلط . -اعتمدت عدة عناوين توضيحية في روايتك الجديدة ذكرتنا بالأبحاث العربية الكلاسيكية، فما مغزاها؟ - نعم تعمدت ذلك، فعنوان "أسرار الحاكم بأمره ملك ملوك العرب والعجم والبربر، ومن جاورهم من ذوي السلطان الأكبر" يقود تقريبا إلى "مقدمة ابن خلدون"التي أردت من خلاله إضفاء إيقاع تراثي على الرواية لأنها تثير قضية الحكم منذ البدايات الأولى للعصر الإسلامي حتى اليوم، و بالتالي فإن الجانب التراثي نابع من عمق الرواية و لم يأت اعتباطا، بل ساهم في رسم صور عن المراحل الانتقالية للأنظمة العربية و ما شهدته من تكسرات ساهمت في خلق أنظمة جديدة لا هي ملكية و لا هي جمهورية بل مسخ لهما. -وجهت لك انتقادات كثيرة بعد محاضرة تناولت فيها ما أطلق عليه "أدب القذافي"هلا حدثتنا أكثر عن ذلك؟ - بصراحة رفضت الرد على تلك الانتقادات و الاتهامات الباطلة التي اعتبر الخوض فيها كالخوض في تجارة خاسرة في سوق فارغة...و ما حدث فعلا، أنني قبلت دعوة صديقي الكاتب ابراهيم الكوني بعد حصوله على جائزة حقوق الإنسان و كان محور اللقاء "القرية و المدينة" و لم تصدر مني كلمة واحدة طيلة الندوة عن القذافي لأتفاجأ فيما بعد بمقال ينسب إلي أشياء لم أتفوه بها خلال المحاضرة التي اخترت فيها الحديث عن القصبة، أما ما نسب إلي أخرج عن سياق سؤال طرح علّي بعد المحاضرة بخصوص رأيي في كتاب للقذافي كتب فيه تفضيله للقرية عن المدينة فأجبت السائل بأنه من غير المعقول انتقاد حاكم بلد و أنا ضيف ببلده...و سوف أنتهز أقرب فرصة تمنح لي لتوضيح هذا اللبس في لقاء تلفزيوني. -هناك من المثقفين العرب من تحمسوا للناتو و راحوا يشيدون بتدخلاته في ليبيا، فما رأيك في ردود فعل كهاته من الطبقة المثقفة؟ - صراحة كنت أول من بارك سقوط الأنظمة الطاغية و تحديدا في ليبيا التي ظلمت شعبها و بددت ماله على مدار 50سنة دون أن تشيّد أو تحقق انجازات تبعث على الفخر بالنسبة لمواطنيها، و من هذا المنطلق لا يمكن عدم دعم الرغبة في التغيير، لكن ثمة أمور لا يمكن المرور عليها دون التوقف عندها و السؤال"هل يمكن القيام بثورة بالوكالة ؟" فمهما كان نبل الثورة فإن الأهداف الخفية للناتو تدفعنا للتساؤل "متى كان الناتو يفكّر في مصلحة الشعوب العربية؟"و هنا تفوح رائحة لا تبعث على الاطمئنان، لأننا في زمن تتجلى فيه يوما بعد يوم معالم "النيو كولونياليزم"، كما أننا في مرحلة تحضير الغرب لمجموعات إسلامية و لا أعني من وراء هذا الإسلام و إنما الطائفية و التيارات الاسلاماوية المختلفة و هذا استمرار لتوجيه الغرب للتطورات داخل الأنظمة العربية التي أتمنى من الحركات الإسلامية أن لا تقع في فخها، فأنا شخصيا أتوقع تحولات خطيرة تهدد بحروب طائفية أوسع، و الواقع أثبت ذلك في العراق و الكثير من الدول الأخرى التي كانت أمريكا وراء ما يحدث فيها من خراب و استمرار إراقة الدماء فيها. -هل يعني ذلك أنك لا تؤمن بعفوية ربيع الثورات؟ - في رأيي أن وحدها الثورة التونسية و المصرية كانتا عفويتين، و كل ما يحدث بباقي الدول تشوبه الكثير من علامات الاستفهام، مهما كانت نية بعض الشعوب طيّبة ، لكن يبقى الغرب لا يستسلم بسهولة و لا يترك شيئا للصدفة. - و ماذا عن تورّط بعض وسائل الإعلام العربية في كل ذلك؟ -انها موّجهة هي الأخرى و لابد من التنبه و الحذر من بعض الفضائيات، و على الحركات الإسلامية التعامل بحذر معها خاصة و أن للكثيرين تجارب قاسية و لا بد من التعلم من الأخطاء و عدم تكراره. -إذا أنت لا تثق في أبعاد الثورات الجديدة؟ -بلى ، فالعرب حققوا مكسبا مهما بفضل ربيع الثورات و هو عدم السكوت عن ظلم الحكام و استبدادهم و تلاحمهم من أجل إسقاطهم ، و عليه فإن من يريد اعتلاء سدة الحكم في البلاد العربية مرة أخرى سيحسب ألف حساب لما ينتظره .