في آخر نصوصه، التي تصدر في سبتمبر القادم في بيروت، يقدم واسيني الأعرج في رواية "جملكية آرابيا"؛ حسب ما أعلن عنه في صفحته على الفايس بوك؛ حالة جديدة في الكتابة الرّوائية العربية التي تستثمر فنّيا المنجز العربي القديم والحديث، والمنجز الإنساني العظيم: ألف ليلة وليلة، دون كيشوت، في البحث عن الزمن الضائع، عوليس، خريف البطريرك، الإرث الصوفي، وغيرها من النصوص العالمية، لإنجاز ملحمة أدبية تخترق الحدود والأشكال.. تذهب تفاصيل الرواية نحو جوهر المأساة القاسية التي عرتها بقوة الثورات الشبابية العربية فالدكتاتور العربي لم يشوّه فقط القيم المحلية القادمة من بعيد، ولا الإنسانية وحدها ولكنه مسّ جوهر الأشياء، فأنتج نموذجا غريبا لا هو جمهورية ولا هو ملكية: جملكية. مسخ مزيج بين أسوأ ما في النظامين. الرّواية بهذا المعني تعري مأساة نظام الحكم الدكتاتوري في الوطن العربي الذي يشل أية مبادرة للتطور. من خلال شخصية افتراضية: الحاكم بأمره، يستعيد واسيني طبيعة هذا النظام التي هزته الثورات الشبابية التي تبحث عن التغيير. يرفض الحاكم أن يقتنع بأن زمنه انتهى على الرغم من عمره الذي تجاوز أربعة عشر قرنا، وأن زمنا آخر قد وُلِد. تتحول زوجته دنيا التي هي الوجه المعاصر لشهرزاد، إلى مرآته الخفية والعاقلة فتعكس له ما ينتظره في الأفق ولكنه يواصل في إصراره المستميت على عدم ترك الحكم، وأن مرجعية الاستمرار والديمومة قد وجدها في كتاب الأمير لماكيافيلي الذي ينتهي إلى حرقه. تكشف الرواية عن طبيعة هذا النظام المبني على الدسائس والانقلابات والاغتصاب والتقتيل بلا حساب، قبل أن يتحول الحاكم بأمره في النهاية إلى ضحية لنظام هو خلقه، النظام الجملكي ليستمر في الحكم بعد أن مزج النظامين الجمهوري والملكي (الجملكية) ليستمر في العبث بأموال الشعب واستعمال الدين للتسلط والتوريث وغيرها من الأمراض التي صاحبت منذ عشرات السنين هذا النظام الذي يكاد يكون مشتركا بين مختلف البلدان العربية. كل ذلك تمّ ضمن بنية روائية حداثية بامتياز. في آرابيا، المدينة والبلاد أيضا والتي تحيل إلى العالم العربي، تتقاطع المصائر الأكثر إنسانية والأكثر دموية أيضا. وينشأ التاريخ الشعبي المحكي بصدق في مواجهة التاريخ الرسمي المليء بالزّيف. وبقدر ما اختار الحاكم بأمره التاريخ المغشوش، والقوة والبطش والتشبث بالكرسي، وفَضَّلت دنيا زوجته مصلحة ابنها قمر الزمن لتوريثه الحكم، اختار بشير إلْمُورّو، يوشا، ماريانا، سيدي عبد الرحمن المجذوب وغيرهم، المسلك الأصعب: الانتماء إلى النشيد الإنساني العظيم الذي كلَّما ظنّه الناس مات، قام من رماده ليذكّرنا بأن لا جهد يذهب هباء، وأن الحياة ما تزال مستمرة، وتستحق أن تُعاش.