الخارجية الأمريكية وضعت مؤسستي بين المؤسسات المبدعة في العالم أنا خريجة الجامعة الجزائرية و لم أتعرض لأي ضغط بسبب الحجاب استطاعت الجزائرية وفاء بن تركي أن تحجز مقاعد لها في كبريات الشركات العالمية الناشطة في مجالات التكنولوجيا، على غرار العملاق ميكروسوفت الذي اختارها كمديرة إقليمية له مطلع السنة الجارية، كما تمكنت من التواجد كرقم هام في أوساط الباحثين و المؤثرين في عالم الذكاء الاصطناعي بفضل تفوقها، حدثتنا في هذا الحوار مع النصر، عن تجربتها كرائدة وطنيا في تكنولوجيا الترجمة الآلية و المعالجة الذكية للغات، وهو تخصص، قالت بأنها واجهت تحديات كبيرة كامرأة و كباحثة لتحول حلم الاستثمار فيه اقتصاديا إلى حقيقة، كما أخبرتنا أنها استطاعت بفضل الإرادة أن تلمع صورة المرأة العربية و تكسر الصورة النمطية التي لطالما ارتبطت لدى الغرب بالحجاب. حاورتها: هدى طابي وفاء رئيسة ومؤسسة جمعية الترجمة الآلية في الجزائر العاصمة منذ 2013 و رئيسة الفرع الجزائري لمنظمة المرأة العربية في الحوسبة منذ جويلية 2018 ، فائزة بمسابقة VIATIC2، و هي برنامج تنظمه الوكالة الجزائرية، بالاشتراك مع شركة نالت و وزارة التجارة الأمريكية (CLDP) لاختيار الشركات الجزائرية الأكثر ابتكارا. أنا خريجة جامعة باب الزوار بالعاصمة النصر: لنستهل حوارنا بسؤال كلاسيكي من هي الجزائرية التي اختارتها ميكروسوفت كمديرة إقليمية لها؟ وفاء بن تركي: أنا خريجة الجامعة الجزائرية، تخصص نظم المعلومات بجامعة هواري بومدين بباب الزوار، حاصلة على ماجستير بدرجة امتياز في مجال تخصصي من المعهد العالي العربي للترجمة، التابع للجامعة العربية، و أعتبر أول باحث جزائري يتحصل على شهادة مماثلة في تكنولوجيا الترجمة، و أول من أنجز بحثا في مجال الترجمة الآلية الإحصائية، حيث قمت بتطوير مترجم آلي من اللغة الإنجليزية إلى العربية. اشتغلت عدة سنوات في الوظيف العمومي في شركات أجنبية و في المحافظة السامية للاجئين بمكتب الأممالمتحدةبالجزائر، كما اشتغلت في شركات وطنية خاصة، و عملت أيضا بشركة «هاليبرتون « في حاسي مسعود كمطورة برمجيات في مجال الطاقة، و شاركت و لا أزال أشارك، في إنجاز البحوث و في المؤتمرات الدولية الخاصة بمعالجة البيانات الضخمة و البرمجة الآلية و المدن الذكية، كما اشتغلت لمدة كمديرة إقليمية لشركة ميكروسوفت، وأنا الآن المؤسس و المدير التنفيذي لشركة « أم تي واي... إنتيليجنت سوفت واير «. هلا شرحت لنا أكثر طبيعة هذا التخصص ؟ تكنولوجيا الترجمة هو أحد مجالات الذكاء الاصطناعي الأكثر تعقيدا، و يعد تخصصا جد صعب، لأنه مكرس لمحاكاة الذكاء البشري و معالجة اللغات الطبيعية. برنامج «تيك وومن» مكنني من العمل في شركة رائدة في التكنولوجيا أنت الجزائرية الوحيدة التي التحقت برنامج «تيك وومن « العالمي كرائدة ناشئة في مجال التكنولوجيا، حدثينا عن هذه التجربة.. «تيك وومن» هو برنامج ينظمه المعهد الدولي للتربية و تشرف عليه وزارة الخارجية الأمريكية، و يعنى باختيار أحسن الباحثين في العالم العربي و إفريقيا و أوروبا الشرقية في مجالات الذكاء الصناعي، وقد حظيت سنة 2012 بفرصة الالتحاق بهذه الحاضنة، التي جمعت 500 باحث في المجال من كل دول العالم، إذ تم اختياري ضمن وفد مكون من 41 سيدة من العالم العربي و شمال إفريقيا. يهدف البرنامج إلى اكتشاف النساء الرائدات في مجال التكنولوجيا و المجالات العلمية بصفة عامة، وقد مكنني البرنامج من التربص و من ثم العمل في شركات رائدة ، على غرار « آ دو بي»، أين عملت مع خبراء في أمريكا، وطورت مهارات مكنتني لاحقا من إنشاء شركتي الخاصة الناشطة في مجال البرمجيات الذكية هنا في الجزائر ، كما أن تواجدي في «سيليكون فالي « ، تصادف مع تنظيم أول لقاء لخبراء العالم في مجال الترجمة الآلية، منهم مطورون و خبراء من شركات « غوغل « و «ياهو» «نات أبلكايشن» و «آ دو بي» وآخرون « كانوا يعملون في نفس المجال و على نفس التقنية التي كنت أعمل عليها. غادرت الحاضنة لاحقا، بعدما رفض مشروع اقترحته، و بعد أسبوع من ذلك، تلقيت دعوة من وكالة تثمين نتائج البحث العلمي في الجزائر للمشاركة في منافسة لاختيار أحسن أصحاب المشاريع الناتجة عن البحث العلمي، حينها قدمت نفس المشروع و تم اختياره من بين مئات الأفكار، رفقة أربعة مشاريع أخرى كلها خاصة برجال، وهكذا حظيت بفرصة الالتحاق بتدريب مكثف في « جورجيا تك» بأطلنطا في واشنطن. هل كانت تلك هي البوابة التي دخلت عبرها إلى العملاق ميكروسوفت؟ وما هي معايير انتقائك تحديدا؟ غداة اختياري كرائدة في المجال سنة 2012 ، تم ترشيحي لحضور مؤتمر ميكروسوفت السنوي المعروف ب « أم أس إيغنايت»، و في 2017 تم اختياري من بين المؤسسات الناشئة المبدعة في العالم من قبل وزارة الخارجية الأميركية و مثلت الجزائر في القمة الدولية للمقاولاتية التي نظمتها الولاياتالمتحدة في الهند ، و تم تصنيفي مع المبدعين العالميين، وهو ما خولني هذه السنة لتولي منصب شرفي كمدير إقليمي للشركة و التواجد ضمن الهيئة الاستشارية المؤثرة في الإستراتيجية. أما بخصوص معايير الاختيار فهي جد صارمة، و يمكن الاطلاع عليها كاملة عبر موقع الشركة، فالمنصب موجه للأشخاص الذين يمتلكون مقومات عديدة ، بما في ذلك الريادة في مجال التكنولوجيا و التحكم في اختصاصاتهم و الخبرة ، فضلا عن النظرة الاستشرافية، إذ يتوجب أن يكون المعني واحدا من بين أفضل 100 اختصاصي في المجال، حسب تصنيف ميكروسوفت نفسها. ماذا أضاف لك هذا المنصب ؟ تجربتي كمدير إقليمي لم تكن طويلة، إلا أنها سمحت لي بأن أكون جزءا من مجتمع خاص بالخبراء العالميين في المجال، وهو مجتمع يعنى بمناقشة تطوير البرمجيات و تحديد الأولويات و ما إلى ذلك.. كيف ولدت شركتك الخاصة و ما هي أهم التحديات التي واجهتك؟ إنشاء شركة لم يكن أمرا سهلا، خصوصا بالنسبة لي لأنني كنت رائدة في مجالي، فقليلون هم من كانوا يستوعبون تأثير بحوث مماثلة على الاقتصاد والمجتمع، على اعتبار أن هذا المجال نادر و غير رائج وهو ما وضعني أمام العديد من التحديات و الصعوبات لكنني لم أفقد الأمل. البداية كانت بعدما تخرجت من المعهد، أين بدأت العمل على المشروع بالاعتماد فقط على حاسوبي المنزلي الخاص، يومها عرفت أن الطريق طويل، فلم أرد إهدار الوقت وعملت بالموازاة مع ذلك على تطوير نفسي بالاستمرار في التعلم، و بعد عودتي من أمريكا أصبحت جزءا من شبكة خبراء عالميين و استفدت من الموارد عبر الإنترنت و صنعت لنفسي اسما في مجال صعب كمعالجة البيانات الضخمة، رغم أنه لم يمض على تخرجي سوى سنوات قليلة. حاصرتني مشاكل التمويل واجهت مشاكل كثيرة تخص تمويل المشروع و ما إلى ذلك من العراقيل التي تفرضها التنظيمات الخاصة بالاستثمار، على غرار شرط عدم التوظيف أو على الأقل الاستقالة من المنصب السابق، و تصنيفي كأول امرأة متخصصة في الذكاء الاصطناعي، كان تحديا بحد ذاته، فبعض الناس لا يقتنعون حين تتحدث سيدة عن مجال تكنولوجي دقيق ، عكس الرجل، و ربما لو أن رجلا ما يملك مقوماتي، لكان قد استطاع تحقيق المشروع في ظرف قصير، لكنني لم أفشل، فقد طورت مهاراتي أكثر وصنعت لنفسي اسما في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال المشاركة في المؤتمرات الدولية و المساهمة كخبيرة في المجال، كما أن مشاركتي «في تيك وومن» خدمتني كثيرا. اسم شركتي يعبر عن امتناني لوالدي و والدتي هل سبق لك و أن تلقيت عروضا من جامعات أو شركات أجنبية؟ و لماذا لم تستقري في أمريكا رغم عملك في « آ دو بي» وغيرها ؟ قدمت عدة محاضرات داخل و خارج الوطن ، خصوصا في أمريكا، و على مدار السنة ، و لا تزال توجه إلي دعوات لأحاضر في أوروبا و قد أصبحت مصنفة في مجالي، و عينت بين سنتي 2017 و 2018 من قبل جامعة ستانفورد، كسفيرة في مجال الذكاء الصناعي، مع ذلك فقد أردت لشركتي أن تكون طريقة لشكر والدي و والدتي ، لأنهما أول من آمن بي وبمشروعي، فاسم الشركة « ام تي واي» هو اختصار للأحرف الأولى من اسميهما، لذا كان من المستحيل بالنسبة لي أن أنشئ المشروع خارج الوطن، لأنني عاهدت نفسي أن أخدم الجزائر و اقتصادها، و حتى وإن قررت لاحقا الاستقرار في الخارج، فإن مشروعي سيحمل دائما شهادة ميلاد جزائرية، مع ذلك فهذا لا يعني استبعاد إمكانية التعاون ولما لا عقد شركات مع الأجانب. هل طرح ارتداؤك الحجاب أي عائق أمامك يوما؟ حجابي لم يكن مشكلا على الإطلاق، وما أشيع بخصوص تعرضي لضغوطات بسببه مجرد كذب، فعلى العكس كثيرون في الخارج قالوا لي بأنني غيرت الصورة النمطية التي كانت مرتبطة بالمحجبة و المرأة العربية بصفة عامة، وهو فضل من الله. ذكرت بأنك عملت في مفوضية شؤون اللاجئين ،كيف جمعت بين التكنولوجيا و الدبلوماسية ؟ كنت مسؤولة عن دائرة المعلوماتية في المحافظة السامية للاجئين، وهي تجربة مهمة جدا و فريدة لأنني جمعت في المنصب بين عديد المسؤوليات في المجالين الدبلوماسي و المعلوماتية، و قد تعلمت الكثير من مبادئ الدبلوماسية بفضل ذلك، إذ سبق لي وأن توليت خلال عملي في المفوضية منصب نائب المحافظ السامي للهيئة و قد كنت معنية بجانب البرتوكول و تنظيم الورشات و التنسيق مع وزارة الخارجية و مع مكاتب الأممالمتحدة الأخرى، و تنظيم نشاطات مشتركة عديدة. على الجامعة الجزائرية التحيين الدائم للمعلومات و مواكبة التطورات العالمية هل تعتقدين أن مستوى التكوين في الجامعة الجزائرية يتماشى مع ما يطلبه سوق العمل الدولي؟ أظن أن الجامعة الجزائرية واعية، بأهمية تحيين البرامج إذا أردنا النهوض بالاقتصاد الوطني و مجال الصناعة، وأعتقد فعليا أن هناك مراجعة مشجعة للسياسات الجامعية، بدليل أن الكثير من الطلبة يسافرون حاليا إلى الصين و تونس و دول أخرى و يتحصلون على العديد من الجوائز ، و هذا يعني أن المقاييس تتماشى مع التطورات. مع ذلك فإننا لا ننكر الحاجة إلى متابعة التطورات في المجال الاقتصادي و فرض عملية تحيين دائمة و دورية للمعلومات. و من منبركم، أريد أن أغتنم الفرصة لأحيي طلبة نادي الإلكترونيك بجامعة هواري بومدين و أشكرهم على التكريم الذي خصوني به. ما الذي تتطلبه مشاريع المدن الذكية لتنجح فعليا في بلادنا؟ في الحقيقة هي مشاريع لسيت بالتعقيد الذي قد يتصوره البعض، و تفعيلها جد ممكن، فالمدن الذكية هي مدن تستعمل تكنولوجيا المعلومات أو الحاسوب في تنظيم بعض جوانب الحياة العامة ، كشراء تذاكر و أخد موعد في مستشفى و معرفة مواقيت الرحلات و ما إلى ذلك، وقد سبق لي أن كنت عضوا في فريق الجزائر مدينة ذكية، وشاركت مع المؤسسات التي عرضت مشاريعها في ذات الإطار، خلال قمة الجزائر للمدن الذكية في 2018، كما شاركت أيضا في ندوة نشطها خبراء النخبة الجزائرية المقيمين في الخارج و تدارسنا سبل تطوير هذه المشاريع.