في خطوة تعتبر فريدة من نوعها في سجل الكفاءات الجزائرية على مستوى الاختراعات العلمية وفي مقدمتها علم الطيران والفضاء، تمكن الباحث الجزائري، عبدو عتو، من تقديم اختراع سيضفي خدمة كبيرة للبشرية، حيث تحصل الباحث الجزائري المقيم في بريطانيا، الأسبوع الفارط، على جائزة الابتكار الإستراتيجي في علم الطيران والفضاء Strategic Innovation Award، والتي تسلمها من وزير الصناعة البريطاني على اختراعه نظام "سمارت تراك" أي البحث الذكي. هذا الاختراع سيساعد على التحديد الفوري للطائرات التي تطلب النجدة، مستخدما بذلك تكنولوجيا تسمح بالتقاط مستمر للإشارات التي تبث على متن الطائرات.
"جي بي أس" ذكي للطائرات المنكوبة
يمكن برنامج "سمارت تراك" من تحديد موقع الطائرات التي تطلب النجدة، وبذلك فإنه سيقدم خدمة كبيرة وسريعة لشركات الطيران لتفادي خسارة ركابها وطائراتها، وقد حصدت البرمجية منذ ابتكارها سنة 2015 جائزتين وتم طرحها في الأسواق 2016، حيث تم استغلالها من طرف متعاملين عملاقين وهما الفرنسي "أيرباص" والأمريكي "روكوال كولينز" المختص في إلكترونيات الطيران. كما قامت شركة "ويسكوم إيروسبايس" والتي يملكها الباحث الجزائري عبدو عتو بإعداد برنامج آخر يسمى "كلاود بوكس"، وهي علبة افتراضية تسمح بالتقاط وتحويل آني للإشارات نحو مراكز المعطيات الأرضية عبر الأقمار الصناعية للتسجيلات الصوتية والرسائل الصادرة من مقصورة الطيار، وكذا معلومات هامة حول موقع الطائرة وارتفاعها وسرعتها وسرعة الرياح والضغط الجوي. وكل هذه المعطيات من شأنها أن تسمح باستدراك زمني يكون بين لحظة وقوع الطائرة وعمليات الإسعاف، وهذا الأمر الذي عادة ما يؤدي إلى كوارث الطائرات. وقال الباحث "عبدو عتو" في حديث لوكالة الأنباء الجزائرية في لندن، إن "تحديد موقع سقوط طائرة بالبحر بوضوح أصبح يشكل مصدر انشغال أساسي بعد اختفاء طائرة إير فرانس 447 سنة 2009، ولكن لم يتم بذل أي عمل ملموس لتدارك هذا الوضع، على الرغم من التكاليف الباهظة لاقتناء طائرة تجارية من نوع إيرباص أو بوينغ". وأضاف المخترع أن تكرار وقوع مثل هذه الحوادث "أبرز ضرورة إيجاد مقاربات وتكنولوجيات جديدة".
شركة بآفاق واعدة...
أسس "عبدو عتو" شركة "ويسكوم أيروسبايس" سنة 2013 مع مجموعة من المهندسين والمختصين في الإعلام الآلي، المؤسسة مقرها في أوكسفوردببريطانيا، وتعتبر من أهم قواعد البحث العلمي في العالم، حيث تعد الشركة مختصة في برمجيات الوصل عبر الأقمار الاصطناعية لإيجاد حلول لكوارث الطائرات. وتركز الشركة مؤخرا في اختراعاتها على تقليص الزمن بين وقوع الطائرة وانطلاق عملية الإسعاف، حيث لاحظ المهندسون أن تأخر وصول الإسعاف إلى مواقع تحطم الطائرات أو فقدان الاتصال مع طاقم الطائرة يؤدي في أغلب الأحيان إلى كوارث الطائرات. وحسب تصريح الباحث، فإن الشركة تقترح على زبائنها برمجيات "زهيدة الثمن ستغير تماما من المعطيات ومقومات الاقتصاد الخاص بهذه الصناعة"، موضحا أنه "من شأن هذه الحلول الهجينة أن تساهم في تقليص مجال البحث، وأن تتيح إمكانية الحصول الفوري على أهم معطيات الصندوق الأسود، كما ستسمح لمصالح الإنقاذ بالوصول بسرعة إلى مكان تحطم الطائرة، مما يعزز احتمال إنقاذ أرواح بشرية".
شركات طيران عالمية مهتمة بالاختراع
الاختراع الذي توصل إليه الباحث الجزائري استقطب اهتمام الكثير من الشركات العالمية، حيث أبدت اهتمامها بهذه البرمجيات من بينها ثلاثة مجمعات أمريكية كبرى مانحة خدمات في مجال أنظمة الأقمار الصناعية "باناسونيك أفيونيكس" و"غلوبال إيغل أنترتايمنت" و"قوقو إير"، إضافة إلى العديد من شركات الطيران منها "بريتيش إيروايز" و"إير نورفاج" و"سنغافورة إيرلاينز" والإمارات للطيران.
من هو عبدو عتو؟
شغل الباحث "عبدو عتو" قبل أن ينشئ مؤسسته عام 2013، عدة مناصب قيادية في المؤسسات البنكية ذائعة الصيت في بريطانيا، وذلك عقب إنهاء دراساته الجامعية بجامعة وهران في فرع الاقتصاد والمالية، حيث انتقل إلى إنجلترا سنة 1988، ليتابع دراسته في اختصاص "العلوم الدقيقة" بجامعة أكسفورد، ثم تحصل بعدها على شهادة في فرع "الذكاء الاصطناعي" بجامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدةالأمريكية. المخترع الجزائري "عبدو عتو" وعلى هامش تتويجه، لم يتوان في الافتخار بجنسيته قائلا: "فخور بكوني جزائريا". معبرا عن رغبته الشديدة في أن تستفيد الجزائر من التكنولوجيا العالية كي تخرج من التبعية للمحروقات. واعتبر المخترع الجزائري أن الجائزة بمثابة "تحفيز" و"عرفان رسمي" يسمح بالوصول إلى الصناديق البريطانية لدعم التكنولوجيا العالية التي ستساعد على تسويق هذا الابتكار والاستثمار أكثر في البحث.
فارس مسدور: "نحن دولة منفرة للمبدعين والمستثمرين"
وصف الخبير الاقتصادي فارس مسدور ل "البلاد" أن المخترع عبدو عتو بأنه نموذج للباحث الجزائري الناجح في الخارج، غير أنه قال "لكن الجزائر تبقى دولة منفرة للمبدعين والمستثمرين بمنظومتها الإدارية والبنكية والضريبية التي تشكل عرقلة لكل استثمار جاد من شأنه أن يخدم اقتصادنا". وثمن مسدور مجهودات المخترع عتو باعتبار أن الاستثمار العالمي اليوم يتوجه إلى مجال الإلكترونيات والروبوت، مضيفا "غير أن رجال الأعمال الجزائريين مازالوا يهتمون بالعمل في مجالات ضيقة مثل الاستيراد أو الصناعات الغذائية". ودعا المتحدث إلى إنشاء "هيئة الوساطة الإبداعية الاستثمارية"، حيث يرى أنها باتت ضرورة ملحة خاصة أن الكثير من الباحثين وحتى طلاب الجامعات الجزائرية يقدمون اختراعات مهمة، ولكن لا يجدون أطرافا جادة تتبنى الفكرة وتعرضهم على المستثمرين. وأضاف مسدور "اتصل بي شاب من باتنة اخترع محركا ذاتيا يعمل دون استخدام وقود ولا كهرباء ولا طاقة شمسية. وفي البليدة تمكن شاب في الجامعة من ابتكار آلة تستطيع بناء 200 متر يوميا"، موضحا "هناك الكثير من الشباب الناجحين لكنهم لم يجدوا من يتبنى أفكارهم وبحوثهم، لذلك علينا فتح الباب للعلم لأنه حيثما يهان العلم يعشش التخلف".