الأصل في قواعد الشريعة الإسلامية أن الذمة المالية للزوجين مستقلة، فلكل طرف ذمته المالية كما أشارت لذلك الكثير من الآيات ومنها: قول الله تعالى: ولا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ولِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ واسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمً [النساء: 32]. أكد القرآن ذلك بالتنصيص على التقسيم المفصل للتركة وإعطاء كل طرف منهما نصيبا منها يختلف حسب الأوضاع والحالات لكنه بعيد عن فكرة المناصفة والشراكة والاستغراق، لأن الشراكة بينهما واتحاد الذمة المالية من شأنه أن يتسبب في ظلم أطراف أخرى ومنها الأبناء حال وفاة أحد الوالدين حيث لايرثان شيئا لأن المال ينتقل للطرف الثاني الذي يتملكه، وهي قاعدة شرعية تكشف عن المكانة العظمى للمرأة في منظومة الشريعة الإسلامية والتكريم الذي حظيت به؛ بيد أن ثمة إشكالات واقعية تطرح الآن على طاولة الفقه الإسلامي وهي تلك التي تتعلق في مدى أحقية المرآة في الدخول شريكا في أملاك الزوج إذا أسهمت فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء بكدها كما هو حال المرآة الريفية أو بكسبها كما هو حال الموظفات، إعداد: د .عبد الرحمان خلفة حول هذه الإشكالية التقينا بمجموعة من الأساتذة على هامش يوم دراسي عقد نهاية الأسبوع بكلية الحقوق بجامعة قسنطينة حول النظام المالي للزوجين بين القصور التشريعي وخصوصية المجتمع الجزائري. ع/خ نوصي باستكمال البناء القانوني لنظام الأموال المشتركة لقد رتب المشرع الجزائري على عقد الزواج حقوقا وواجبات مالية علي طرفي العقد واقر من خلال المادة37من الأمر 05/02قاعدة الاستقلالية في الذمة المالية لكل منهما واوجب نفقة الزوجة على زوجها ولو كانت قادرة على الإنفاق علي نفسها مما يجعل الأمور بينهما واضحة والمشرع الجزائري منح للطرفين سلطة الاتفاق على تنظيم الأموال المشتركة بينهما سواء في عقد الزواج أو في عقد لاحق مع تحديد النسب التي تؤول إلي كل واحد منهما؛ لكن الواقع أن الحياة المشتركة تسمح باختلاط أموال الزوجين فيشتركان في ملكية الأموال في صور عديدة سواء داخل بيت الزوجية أو خارجه موثقين اشتراكاتهم أحيانا وغير موثقين لها في الغالب من الحالات. وعند فك الرابطة الزوجية تقوم النزاعات بين الطرفين وتطرح الإشكالات أمام القضاء في إثبات الحقوق المالية عند قسمة الأموال المشتركة في هذه الحالة فكيف يحل النزاع حول الأموال المشتركة بين الزوجين عند فك الرابطة الزوجية؛ لاسيما التنازع بين الزوجين حول متاع البيت والتنازع في قسمة الأموال المشتركة الموثقة بعقد؛ أو غير موثقة، خاصة وأن هناك معوقات أدبية تحول دون توثيق الأموال المشتركة خلال الحياة الزوجية ترجع في الغالب إلي طبيعة العلاقات الزوجية المبنية على الثقة بين الطرفين. من هذا المنطلق نوصي المشرع الجزائري باستكمال البناء القانوني في هذه المسائل للإحاطة بجميع جوانب الموضوع. حيث يلاحظ وجود نقص في معالجة المشرع للإشكالية المطروحة في قانون الأسرة الجزائري بدليل الرجوع في أحكام المسائل عند التنازع إلى القواعد العام للقانون المدني أو إلى أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها مصدرا احتياطيا لقانون الأسرة. الفقهاء وضعوا حلولا لمسألة النزاع حول متاع البيت والحل في توثيق الأملاك تعتبر قضية تنازع الزوجين حول ملكية متاع البيت المشترك بينهما من أهم المسائل التي أولاها الفقهاء اهتمامهم قديما وحديثا، حيث أطلقوا مُسَمَّى «متاع البيت» على كل الأشياء المتضمنة في مسكن الزوجية مما يُلزم الزوج بتوفيره من أغطية وأفرشة وأدوات طبخ، كما يُطلق المتاع على السيارة في البيت، وعلى الحيوان في المناطق الريفية على الخصوص، وغير ذلك من الأمتعة المادية التي تكون محلاًّ لوقوع النزاع بين الزوجين حول أحقية ملكيتها.وذلك بما وضعه الفقه الإسلامي من تدابيرَ تشريعيةٍ لفكّ النزاع الحاصل بين الزوجين حول هذه المسألة، عن طريق ضبط شروطِ اعتبار متاعِ البيت خاصًّا بالزوج أو الزوجةِ أو بكليهما، ووسائل إثبات ملكية هذا المتاع كالبيِّنة والإقرار واليمين. فإذا اختلف الزوجان في جزءٍ من متاع البيت أو جُلِّهِ، وادّعى كلٌّ منهما الملكية، فإنه يُقضى لمن كانت معه بينة؛ سواء أكان المتاعُ المُختلفُ فيه من المعتاد للرجال، أم من المعتاد للنساء؛ لأنّ البينةَ تُعَدُّ دليلا مرجِّحاً لِكَفَّةِ أحدِ الطرفين، وإذا اختلف الزوجان ولا بيّنة لهما ولا لأحدهما؛ نميّز حينها بين حالتين: (الحالة الأولى) التي يكون فيها اختلافُ الزوجين فيما يصلح لأحدهما دون الآخر، حيث اختلف الفقهاءُ في هذه المسألة على ثلاثة أقوال بين من يرى ما يختص به الرجلُ له دون يمينٍ، وما تختص به المرأةُ لها دون يمينٍ، ومن يجعل لكل منهما ما يختص به مع يمينه، ومن يُقسم الكلُّ مناصفةً بينهما دون تمييزِ الاختصاص. (الحالة الثانية) التي يكون فيها اختلافُ الزوجين حول متاع البيت المشترك، بأن يدعي كلٌّ منهما ملكيته، حيث تباينت أقوال الفقهاء في هذه المسألة على ستة أقوال، بين من يجعل هذا المتاع للرجل مطلقا، ومن يجعله للرجل مع يمينه، أو مناصفةً بين الرجل والمرأة، أو مناصفةً بعد تحالفهما، أو يُقضى به لمن حلف وحده منهما، أو تأخذ منه المرأةُ مثلَ جهازها في الكل والباقي للزوج. وتفاديا لكل الإشكالات السابقة أوصي بضرورة جرد ما تأخذه المرأةُ معها إلى بيت زوجها في جهازها «الشورى» ضمن قائمةٍ تضمّ كل مقتنياتها. وتوثيق كل ما يقتنيه الزوجان قبل الزواج وبعده حفظاً للحقوق ودفعاً للنزاع الذي يمكن أن يُتوقع إذا ما تلبّست الحياةُ الزوجيةُ ببعض المنغّصات. والتعجيل بسنّ كل القوانين الكفيلة بتمكين المرأة من حقوقها المالية بعد الفراق، وخاصة المرأة العاملة التي تذهب ضحية استغلال بعض الأزواج. نظام الكد والسعاية «تمازالت» نموذج فقهي أمثل لتدبير أموال الزوجين لقد اختلف الفقه القانوني حول ما إذا كان هناك نظام مالي مشترك للزوجين في الشريعة الإسلامية؟ والإجابة أن هناك نظاما يعرف بحق الكد والسعاية، إذ يعتبر من الحقوق المتجذرة في تراثنا الفقهي الإسلامي، ينصرف مفهومه إلى جميع الحقوق التي تضمن للمرأة في المكسب المالي الذي يترعرع وينشأ بجهدها وكدها وسعايتها. ولقد انتشرت عادة في بعض المناطق المغربية، ومفادها أن الزوجة تأخذ نصيبا من مال الزوج إن طلقها أو توفي عنها، وهذا النصيب يسمونه سعاية المرأة أو «تمازالت» باللغة الأمازيغية، وقد قضى به العديد من الفقهاء المسلمون في إطار النوازل التي عرضت عليهم، كما أنهم لم يقصروه فقط على الزوجة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها بل أجازوه في حق كل فرد من أفراد العائلة، إذ جعلوا ما ينتجه الزوج شياعا بين أفراد العائلة يقسم بينهم حسب كد واجتهاد كل واحد منهم ، إلى أن الكد والسعاية قاعدة تستمد سندها الشرعي من القرآن الكريم وتجد سندها الواقعي في قضاء ثاني الخلفاء الراشدين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه. وقد لاحظت أن نظام الكد والسعاية يحقق ما أتت به روح الشريعة الإسلامية في تكريس المساواة الاجتماعية بين الرجل والمرأة، ونبذ فكرة دونية هذه الأخيرة في المجتمع، مشكلا بذلك حافزا مهما ومشجعا على مساهمتها في بناء أسرتها وهي مطمئنة على حقوقها وخاصة المالية منها، بعد أن تكون قد قضت أشواطا من عمرها في تنشئة أسرة تكون هي نواة مجتمع صالح وسليم. كما أن حق الكد والسعاية حق شخصي، وبذلك فهو لا يقبل التقييد الاحتياطي والذي يتماشى والموقف الواضح في الفقه المالكي هو الذي يعطي لحق الكد والسعاية أحكام الشركة. فنظام الكد والسعاية هو صورة بسيطة من صور نظام الاشتراك المالي بين الزوجين، تأخذ صورة المساهمة في تنمية المال المشترك بين الزوجين وبتالي ما يطبق على نظام الاشتراك المالي بين الزوجين من حيث الحل والحرمة يمكن أن يطبق على نظام الكدّ والسعاية. كما أن تطبيق نظام الكدّ والسعاية لا يتعارض في الوقت الحاضر مع إمكانية قيام الزوجة بالعمل خارج نطاق الأسرة سواء في القطاع العام أو الخاص، فتحتفظ بأموالها لحسابها الخاص طبقا لمبدأ استقلال الذمة المالية لكل من الزوجين أو تدفع مدخولها أو جزء منه للزوج من أجل تنميته، فتطبق عليه أحكام السعاية وتستحق بذلك أن تكون شريكة له في الثروة التي يكتسبها في فترة الحياة الزوجية بنسبة تعادل المال الذي قدمته. دكتورة كريمة محروق النظام المالي المطبق في الغرب خطر على مزدوجي الجنسية المسلمين إن النظام المالي للزوجين المطبق في بعض الدول الغربية يشكل خطرا على مزدوجي الجنسية لاسيما من الجزائريين لتعارضه مع قيمنا وديننا وأخلاقنا الأسرية، نظرا لأشكال لاقتران هناك التي تتنافى وقيمنا؛ حيث تتوزع عادة على ثلاثة أنماط: علاقة الصداقة، وعلاقة الاتفاقية المدنية والعلاقة الرسمية، وقد تطور نظام الأموال الزوجية من هيمنة الرجل على كل الأموال إلى أنواع جديدة، تتفرع إلى نظام الاتفاق ونظام الاستقلالية والنظام القانوني للشراكة المالية، وفيما تخضع بعض التصرفات المالية لمبدأ التضامن بين الزوجين خاصة في حالات العجز والمرض وتجاوز حياة الكفاف، واستقلالية بعض التصرفات ذات النشاط المهني، فإن الأموال المكتسبة بعد الزواج تخضع لنظام اتفاقي أو قانوني قد يضر بمزدوجي الجنسية هناك، حيث ستوزع الأموال مناصفة حالة النزاع، وهو ما قد يفتح باب النزاع خاصة إذا كانت مداخيل الزوجين متفاوتة تفاوتا بينا، كما أن النظام الاتفاقي قد ينجر عنه تقاسم كلي للأموال المكتسبة بعد وقبل الزواج وتحمل مشترك للديون، وقد عاد الكثيرون لنظام الاستقلالية حفاظا على بعض الحقوق لاسيما حقوق الأولاد. د. خوادجية حنان القانون كرس قاعة استقلالية الذمة المالية وأسس للاتفاق لكنه لم بين حدوده لقد حسم قانون الأسرة الجزائري مسألة النظام المالي بين الزوجين حين أكد في م (37) على أن (لكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الأخر) فمبدأ الاستقلالية هو الأصل تماشيا وما درج عليه الفقه الإسلامي بخلاف ما عليه الأمر في الغرب حيث أن الأصل اتحاد الذمة المالية بين الزوجين، لكن المشرع الجزائري وتماشيا مع اتفاقية سيداو أدرج فقرة ثانية في المادة نفسها تنص على أنه (يجوز للزوجين أن يتفقا في عقد الزواج أو في عقد رسمي لاحق، حول الأموال المشتركة بينهما التي يكتسبانها خلال الحياة الزوجية وتحديد النسب التي تؤول إلى كل واحد منهما)ن فأصلت لنظام الاتفاق المالي في إطار الشراكة آو غيرها بعد الزواج، والشراكة في أصلها مباحة من حيث المبدأ مادام الإنسان حر في التصرف فيما يملك، غير أن المشرع لم يضبط حدود الشراكة ما قد يفتح باب التنازع، كما أن ثمة مشاكل اجتماعية قد تطرح أو هي مطروحة بالأساس منها قضية المرأة الماكثة في البيت إذا طلقت بعد سنوات أو عقود من الحياة الزوجية المشتركة، لماذا لا يطبق عليها ولو جزء من النظام المالي المشترك حتى تأخذ نصيبا من مال الزوج وقد تكون مسهمة فيه، كما أن قد تصرف على البيت وتجهزه دون توثيق ما يطرح إشكاليات حالة الفراق ، كيف تحدد الحقوق والمكتسبات لكل طرف.