"شولوس" تحتاج إلى اقلاع سياحي وتنموي جاد " شولوس" الفينيقية أو "كولو" تسميتان لمدينة واحدة هي القل التي تمد ذراعيها على تخوم شاطىء تامنار لتضرب موعدا عند " عين دولة" فتروي عطشك من المياه المنحدرة من جبال القوفي والطرس وسيدي عاشور، وتأخذ أنفاسك عند الكنيسة الفرنسية لتشم رائحة التاريخ، هذه القل جوهرة الشمال القسنطيني تطعمك بمذاقها السحري وروائعها السياحية بشواطىء بن زويت وتالزة حتى تامنار وعند عودتك من الرحلة البحرية يواجهك واقع آخر، فتجد مدينة معطلة أتعبها التخلف لأن عجلة تأخر دورانها ، ولولا الصيف والبحر لظلت شمس هذه المدينة العريقة في الغروب الأبدي. البحر والطبيعة عجزا عن تحريك عجلة التنمية القل مدينة جميلة زادها ألف البحر بهاء وحسنا بخلجانها وشطآنها التي تستقبل يوميا مئات المصطافين من الولايات الداخلية مثل ورقلة، بسكرة، باتنة وقسنطينة، هي تملك البحر والطبيعة، ولكن الحداثة لازالت بعيدة عنها رغم أنها لا تبعد عن عاصمة الولاية سكيكدة سوي ب 71 كلم وتعد من أقدم دوائرها كل هذا لم يشفع لها فورثت وضعا شاذا عطل تحرك عجلات التنمية حيث بقيت محتفظة بالعمران القديم ماعدا الكورنيش الذي تموقع قبالة شاطىء البنات فهو الوحيد الذي يتجدد ليعطي انطباعا آخر للزائرين بأن المدينة تصارع بضراوة بقايا التخلف لتلحق بالركب عبر بوابة البحر التي انطلق منها الفينيون والرومان لبناء قلاعهم على قمم الجبال - وينزل القليون للتموضع في مدينتهم الصامدة الباسلة التي كانت قلعة للمغاوير في الشمال القسنطيني، إن المدينة تواجه اليوم حالة من الضياع والغربة فهي على امتداد شهور السنة تغط في سبات عميق ولا تستيقظ الا على نسمات البحر عندما تهب في شهور الصيف فتنشط أسواقها المتنقلة وتعرف الأرصفة الممتدة على طول شبه الجزيرة حركية كبيرة بإقبال المصطافين. شاطىء تالزة : تجمع سياحي يغري المؤسسات والشركات تالزة حي يبعد بنحو 3 كلم عن وسط المدينة تزاحمت فيه البيوت الحديثة البناء فتحول الى مجمع سكني وهو يشكل قاطرة التوسع العمراني رغم العيوب الكثيرة التي تشوب أزقته الغير مزفتة ماعدا الطريق الوحيد الذي يشق الحي، وأنت تدخل في العمق تلوح لك من بعيد اللافتات الكبيرة واللوحات الاشهارية لكبرى الشركات الوطنية التي اصطدفت الواحدة تلو الأخرى على طول الشاطىء الذي تم احتجازه باستثناء المدخل الرئيسي للحي، مخيمات ضربت حولها أسوار وسياج. فهذا مخيم سوناطراك وذاك مخيم سونلغاز، ومخيم انديماد وهي كلها تستقطب عائلات وأبناء عمال هذه الشركات، فيما فضل الخواص تأجير بيوت للعائلات بأسعار متفاوتة حسب نوعية المسكن والتأثيث المخصص للعابرين،، ويبدي المصطافون ارتياحهم لظروف الإقامة داخل هذه المخيمات التي أصبحت الوجهة المفضلة للمصطافين الذين يهربون من جحيم الفنادق بعدما اكتووا بنارها وسعيرها. ونظرا للإقبال على مثل هذه المخيمات وجدت بعض القطاعات الفرصة لدخول الشاطىء مثل مخيم الشباب الذي ينتظر تدشينه قريبا حيث جهز بكل المرافق الحيوية، ولكن المشكل الوحيد الذي يؤرق هؤلاء المصطافين الذين اختاروا شاطىء تالزة هو انعدام النقل فحتى سيارات الأجرة من النادر العثور عليها تجوب الحي، وقد يضطر الواحد لأخذ سيارة من وسط المدينة ب 200 دج وأحيانا أكثر حيث تنعدم محطة خاصة لتنقل المصطافين من وسط مدينة القل الى شاطىء تالزة الذي يقصده المئات يوميا. شاطىء البنات: ممنوع على الرجال ليلا تعود تسمية هذا الشاطىء الى تقليد عرف به منذ القدم وحسبما يتداول في الشارع القلي أن هذا المكان بالذات كانت تؤمه النساء ليلا للاستجمام والاستمتاع بالبحر والسمر في الكورنيش ويمنع الرجال من السباحية فيه، وقد سارت التقاليد على هذا المنوال لأن المجتمع القلي محافظ جدا، وهذا ما يلاحظه ضيوف هذه المدينة، ويسمى هذا الشاطىء أيضا ب "عين دولة" ويقال أن العين التي توجد به كان الأهالي يتبركون بها حيث يأتون بأولادهم اليها لغسلهم بمائها وهي لاتزال حتى الآن، وانقسم القوم على تسمية الشاطىء بين شاطىء البنات، وشاطىء عين دولة وهو الشاطيء الذي يطل على الكورنيش أحد أجمل الاماكن التي تستقطب السواح خاصة ليلا عندما تنزل العائلات الى البحر وآخرون يفضلون التجوال على امتداد الكونريش وعادة يعرف هذا المكان اقبالا كبيرا، ولكن الكل يجمع أن هذه السنة تعرف بعض الفتور من حيث الاقبال وحتى أصحاب الفنادق الخاصة يشتكون من نقص الزبائن. وقد أرجع أحد هؤلاء السبب الى عاملي المونديال والباك وكذلك انشغال العائلات الجزائرية بتحضير شهر رمضان. ولكن بعض العائلات فضلت أن تعوض عطلتها السنوية التي كانت تمتد من 15 يوما الى 30 يوما بعطلة نهاية الاسبوع، حيث يمتلىء شاطىء البنات عن آخر يومي الجمعة والسبت ويستغل التجار هذين اليومين لتقديم خدماتهم الى المصطافين حيث تعرف أسعار الفواكه ارتفاعا جنونيا يمتد تأثيره حتى على سكان المدينة. شاطىء تامنار يفقد رواده الى إشعار آخر كل من التقيناهم في مدينة القل كانوا يتأسفون لما آلت اليه حالة شاطىء تامنار الذي فقد الكثير من ميزاته بعدما كان قبلة للسواح فهذا الشاطىء يتميز بعذرية طبيعته وسحرية لكن جماله مازال يعيش تحت صدمة العشرية الحمراء التي حرمت العائلات القادمة من المدن الداخلية من التخييم فيه وحتى أهالي المنطقة يقصدون شاطىء بن زويت أو تالزة تجنبا للمشاكل. وتحدثنا الى البعض عن ظروف الاقامة في هذا الشاطىء الذي فقد نسبة كبيرة من زواره بأن الأمور تغيرت كثيرا عما كانت عليه من قبل ما جعلهم يغيرون وجهتهم، احدى هذه العائلات أكدت لنا بأن البعض أصبح يقصد شاطىء البنات أو عين دولة رغم متاعب التنقل اليومي بين الشواطىء المتواجدة داخل المدينة، واذا كان هذا هو حال العائلات القلية، فإن العائلات التي تأتي من بعض الولايات خاصة من الصحراء مثل ورقلة حيث صادفنا عائلة بشاطىء تالزة الذي تزوره لأول مرة بعدما كانت في السابق تصطاف بتامنار قال لنا رب العائلة أنه وأبناؤه مرتاحين في شاطىء تالزة سواء من حيث الاقامة أو من حيث المعيشة وحتى الأمن. وبخصوص المرافق قال أنها في متناول الصطافين رغم ما قيل عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية الا أن التجار يتفهمون حسبه وضعيات العائلات الجزائرية وهذا موضوع آخر يجرنا للحديث عن المجتمع القلي المضياف، فلا تشعر بالغربة وسط أهل القل. فنادق الخواص تتنافس لاصطياد المصطافين مع قلة الفنادق الخاصة نجد بعض الهياكل تحاول استغلال الوافدين من مختلف ولايات الوطن وعرض أسعار زهيدة للاقامة يوما او يومين بها مثل بعض المخيمات أو بيت الشباب، الا أن فنادق الخواص بدوره تطرح أسعار تنافسية وتعرض خدمات مجانية مثلما أكد لنا احد المصطافين الذي أقام بفندق قريب من الشاطىء. فندق الرشيد للعائلات المتواضعة فندق الرشيد نموذج للمؤسسات الخاصة التي تريد تجسيد مفهوم السياحة الشعبية بالتقرب من العائلات ذات الدخل المحدود، وحسب مسير الفندق السيد قاتي فإن أسعاره مدروسة وهو يخصص شققا بغرفتين وغرفة واحدة مع تخصيص وجبات بأسعار منخفضة جدا وهذا لمساعدة المصطافين وجلبهم أيضا، وقال ان الوجبة عنده لا تتجاوز ال 550 دج والاقامة ليوم واحد بشقة من غرفة لا تتجاوز ال 3000 دج وبعملية حسابية قال أن تكلفة اقامة فرد واحد لا تتجاوز ال 800دج وهذا حسبه مبلغ زهيد مقارنة ببعض الفنادق في جهات أخرى، وفي المقابل يعرض على الزبائن سكنات بوسط المدينة للايجار بمبلغ 50 ألف دينار جزائري للشهر الواحد تتوفر على كل المرافق الضرورية، وقال أن زبائنه من مختلف الشرائح والمستويات وفي المقابل أبدى انزعاجه من تراخي ا لمسؤولين فيما يخص التهيئة والتطهير حيث اشتكى من كثرة الأوساخ على مستوى شارع حسين بشيخي الذي يشقه وادي تصب فيه قنوات الصرف الصحي والذي ينعكس سلبا على الكورنيش وبالتالي على صحة المصطافين الذين يقصدون هذا المكان طيلة موسم الصيف. وحسبه فإن ترقية السياحة تبدأ من تحسين المحيط والحفاظ على النظافة والتكفل براحة المصطافين، ويرى هذا المسير بأن الموسم السياحي قد تأخر عن موعده هذه السنة بسبب انشغال الناس بالمونديال والبكالوريا وحتى رمضان الذي هو على الأبواب، وقال أن مدينة لم تتعود على السير بهذا الريتم رغم الاستعدادات التي تبذل لاستقبال ضيوف المدينة الذين يأتون من كل حدب وصوب وخاصة العاصميين حيث قدم لنا عائلة عاصمية قال أنها متعودة على الإقامة في الرشيد والحقيقة أن كل العائلات التي تختار القل تفضل شواطىء هذه المدينة والإقامة بين أهلها لما تجده من حسن الضيافة وكرم العائلات القلية وأيضا المتعة بالهدوء والراحة والأمان . القل هي هذه الصفات التي لمسناها ونحن نتجول في أزقتها وشوارعها، مدينة صغيرة وجميلة، ولكنها بعيدة عن الإقلاع السياحي والتنمية.