أطفال يتنفسون "الموت " في استغلال بشع ب 200 دج الفولية .. (الرقيبات/ ولاية الوادي)قرية تعيد ذهنك ومخيلتك إلى ما قرأته في كتب التاريخ عن الحياة البدائية عندما كان الإنسان الأول يصقل الحجارة... و أنت عابر على الطريق الوطني رقم 48 ، تتناثر مباني بيضاء يتصاعد منها دخان كثيف، فتبدو و كأنك تمر على محرقة... وكلما اقتربت زاد المنظر أمامك تداخلا خاصة إذا كنت لا تعرف المنطقة... عند النقطة الكيلومترية ال 40 يستقبلك أطفال في ريعان العمر ، ملابسهم و أجسامهم بيضاء حتى تخالهم نزلوا من كوكب أخر.. المكان شبه خال من الحركة حيث تركن بعض المركبات المهيأة للشحن بأكياس الجبس . القارة .. منجم لاستخراج الصلاجة رغم التطور الصناعي في مجال البناء و غزو الاسمنت، إلا أن أهالي منطقة وادي سوف مازالوا يحافظون على صناعة الجبس المحلي لكونه المادة الملائمة لطبيعة العمران العتيق الذي لا زال قائما بأحياء و قرى المنطقة. ووجود هذا المنجم بقرية الفولية شجع السكان على إقامة بعض الأفران التقليدية التي يطلق عليها اسم (الكوشة) لإنتاج مادة الجبس والتي يكثر الطلب عليها حتى من خارج الولاية. وحسب السيد بن مبارك علي وهو أحد الحرفيين الذين يشتغلون هذه الصناعة ، فإن المادة الأولية متوفرة بكثرة في المنطقة.. وقد ظهرت هذه الأفران منذ أكثر ما يزيد عن العشر سنوات حيث يتم تشييدها بطريقة تقليدية على شكل بناء دائري له فتحتان إحداها في الأسفل وهي مكان (الموقد) . وأوضح بأن كل شيء يتم بالطرق التقليدية لآن هذه المادة أصلها مخصصة للسكن التقليدي و بالتالي فهي تحتاج إلى مهارة في التعامل مع الصلاجة التي يتم استخراجها من منطقة (القارا) .هي لا تبعد عن مركز النشاط إلا بأمتار قليلة و يتم جلبها باتفاق مع أصحاب الشاحنات من محاجر تدعى المقطع ، لكنها عملية شاقة .. ثم يتم تخزينها في بيوت مهيأة لهذا الغرض قبل تنقيتها لإدخالها (الكوشة) التي تعتبر المرحلة الثانية. الكهرباء و المازوت يضاعف الفاتورة اشتكى السيد بن مبارك علي من ارتفاع فاتورة الكهرباء ( شهريا )، و قال إن الكوشة تشغل بالكهرباء و نستعمل المازوت في تشغيل محركات (الكاريير) –الرحى- لتحويل الصلاجة إلى طحين و قدر تكاليف الكهرباء ب مليون و ثلاثمائة ألف دينار للثلاثي الواحد ناهيك عن حقوق أصحاب الشاحنات الذين ينقلون الصلاجة من/ القارا / حيث تكلف التعبئة الواحدة 150 ألف دينار ، دون احتساب تكاليف اليد العاملة. الملاحظ أن تشغيل الأطفال لا يعرف حدودا في أفران استخراج وصناعة الجبس .. أطفال صغار من قرية الفولية يتنقلون من كوشة إلى أخرى .. يعرضون خدمتهم لأصحاب المعامل التقليدية .. لكن السيد بن مبارك يؤكد بأن مهمة هؤلاء الأطفال هو حمل الأكياس من المخزن إلى الشاحنة التي توجد على بعد أمتار قليلة فقط ، و في نظره هي عملية غير متعبة للأطفال بل هي مسلية لآن الكيس لا يتجاوز وزنه ال 10 كلغ. 40 معملا تقليديا هو تعداد هذه الورشة التي بدأت بعشرة أفران لتتضاعف في مدة قصيرة بعد توسع نشاطها و تضاعف الإقبال عليها . الفولية تنتج نوعية رفيعة من مادة الجبس أحد الزبائن/ من ولاية بجاية / صرح (إن جبس الفولية من النوع الممتاز وهو ما جعله يقطع كل هذه المسافة ليشتري ما يحتاجه لتلبيس جدران البيت الذي شيده على الطريقة التقليدية ، وعن السعر مقارنة بالاسمنت قال انه أقل تكلفة حيث لا يتعدى سعر الكيس الواحد ال 35 دج.. الفرق شاسع اذن بينه وبين كيس الاسمنت. للإشارة فان أكياس الجبس تعبأ ب 10و20كلغ حيث تقوم بهذه العملية يد عاملة تتولى ملأ الأكياس بعد استخراجها من المطحنة حين تتحول إلى مادة بيضاء ثم تكدس قبل شحنها لطالبيها الذين يأتون من شرق و غرب البلاد. توضع الصلاجة في المنطقة و تستغرق العملية بين 4 ساعات إلى 5 ساعات لتصبح جاهزة للطحن وهي العملية الأخيرة. السيد بن مبارك أضاف ، أنه يسوق هذه المادة بمعدل 500 كيس يوميا.. و هذا العدد يكون مضاعفا أو أقل عند حرفيين آخرين حسب قدرة إنتاج كل فرن، و حسب ذات المتحدث فان المعمل الواحد مجهز ب 4 أو 5 كوشات. سماء بيضاء و شهب تغطى أسقف و جدران و أشجار قرية الفولية التي تتنفس جبسا، حيث النشاط لا يتوقف بهذه الورشة التي تلقي بدخان الكوشات و غبار المطحنات إلى البيوت بطريقة فوضوية وغير صحية.. ولك أن تتخيل يوميات السكان والأطفال منهم على الخصوص حين تثور الرياح والطبيعة وتنفث غبارها الكثيف في الأجواء وفي كل مكان أو ما يعرف بالزوابع الرملية ، ويزداد ازعاجا حين يختلط بدخان الأفران ..أو ما يثيره مرور الشاحنات .. أجر زهيد وحمل ثقيل سألنا الأطفال عن الأجر الذي يتقاضونه من أصحاب الورشات ؟، أجمعوا بأنه مصروف بخس مقارنة بالجهد الذي يبذلونه ،، أو ما ينجم عن مخاطر التلوث .. فهم يستنشقون مادة مركبة . وصادف وجودنا انتهاء عملية شحن إحدى المركبات ، حيث سلم صاحب الورشة ورقة نقدية ب1000دج وهي حصة مجموعة الأطفال لاقتسامها نظير الجهد الذي بذلوه . سألت أحدهم هل أنت راض ،أجاب وملامحه يكاد يخفيها غبار الجبس ، حيث غلفه البياض» ماذا أفعل،هذا هو أجرنا وإذا رفضنا نحرم من العمل» . إذا كانت صناعة الجبس نشاط عريق بالمنطقة فهو يحتاج إلى تنظيم والخضوع لمكانيزمات حتى لا يبقى هذا القطاع خارج المراقبة.. حمل تقرير للجنة التجهيز والتهيئة العمرانية للمجلس الولائي حول ورشة صناعة الجبس بالفولية التي وصفها ب(الفوضى)في استغلال هذا الإنتاج .. ودعا إلى التحقيق في الرخص الممنوحة وحصرها والعمل على إيجاد وتوفير منطقة ملائمة لهذا النشاط خارج المحيط العمراني . هذه الورشة التي تتموقع على الطريق الوطني 48 ، تجعل من المحيط الذي يتواجد فيها معرض لتلوث بيئي مهدد للصحة ليس للسكان فحسب بل حتى الذين يعبرون الطريق . تحقيق عبد الرحيم مرزوق تصوير:ع.عمور