للغة العربية بعد تعبدي وآخر حضاري لقد اقتضت حكمة الله تعالى أن ينوع العنصر البشري جنسا ولونا ولغة وجعل ذلك آية من آياته كما كان خلق السموات والأرض آية من آياته مصداقا لقوله تعالى:وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذ لِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ "وزاد شرف اللغة العربية بعد أن اختارها الله تعالى أن تكون لسانا ناطقا لخير كتاب أنزل ولسان خير نبي أرسل محمد بن عبد الله. والحقيقة أننا إذ نتكلم عن شرف اللغة العربية ليس من باب النعرة القومية أو العصبية العنصرية، ولكنها وعاء للبعد الحضاري للأمة الإسلامية قاطبة عربهم وعجمهم وهذا ما جعل علماء الأمة يقدمون على خدمة اللغة العربية ولوكانوا غير عرب فألفوا وأبدعوا حتى في علوم اللغة العربية نفسها كسيبويه وابن جني، وابن فارس والزمخشري وما حملهم على ذلك إلا حبهم لهذه اللغة التي حافظت على كيانها وخصائصها وواكبت كل التطورات الزمانية. ومن ثم فحبنا للغة العربية وراؤه الأسباب التالية: (أولها) لأنها لغة الوحيين الكتاب والسنة والذي تعبدنا الله بتلاوة الوحي الأول القرآن الكريم حتى قيل في تعريفه هو كتاب الله تعالى المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم والمعجز والمتعبد بتلاوته فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله :{مَن قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألف لام ميم حرف، ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ} وجعل النظر إلى المصحف الشريف عبادة يستحق صاحبها عليها الأجر. (ثانيها): العربية وسيلة للاجتهاد والاستنباط: فلما كان القرآن عربيا وكذا السنة النبوية فلا مجال لفهم هذه النصوص واستنباط الأحكام منها إلا بمعرفة اللغة العربية وأساليبها المتنوعة وأوجهها المتعددة الغنية بالألفاظ والتعابير الأمر الذي أكسبها مرونة وقابلية في التعايش ومواكبة كل المتغيرات دون زوال أو اضمحلال أو ذوبان، ومن هذا المنطلق اشترط العلماء في المجتهد الراغب في التعرف على أحكام الشرع العلم باللغة العربية وحسن التعامل مع مظان التعرف على معانيها وأساليبها. (ثالثها) اللغة العربية وسيلة للتعبد: فلا صلاة صحيحة إلا بقراءة الفاتحة بلغة عربية فصيحة بل لقد نص الفقهاء على أن من أسلم من غير العرب فليس لله أن يقرأ شيئا من القرآن بغير العربية في صلاته ويجب عليه أن يتعلم قراءة الفاتحة ، ويطالب التكبير والتهليل إلا حين تعلم الفاتحة وغيرها من سور القرآن الكريم بالقدر التي تصح صلاته. (رابعها): اللغة العربية لغة العلم والرقي والتحضر: فمن المعلوم عند كل العقلاء أن العربية منذ أن أشرقت شمس الحضارة الإسلامية وألقت بظلالها على المعمورة من شرقها إلى غربها وهي لغة العلوم والتآليف والمصنفات في شتى ميادين المعرفة، وليس في مجال العلوم الشرعية فقط؛ بل كانت العربية لغة الرياضيات والكيمياء والطب والفلسفة والمنطق، بل وحتى لما أفل نجم الحضارة الإسلامية وانتهز الغرب فرصة الغياب الحضاري للأمة وأحدث الطفرة في البحث العلمي والمجال المعرفي والإنتاج التكنولوجي وظن أنه حاز قصب السبق ولن تقوى اللغة العربية على مواكبة هذه التطورات إلا أن الله تعالى هيأ من الأسباب ما جعلها تنفض عنها غبار قرون الانحطاط لتعود وتواكب تارة التطور التكنولوجي وتنافسه تارة أخرى وما ذاك إلا دليل على فعالية العربية وحيويتها ،إذا مقتضى القياس وبالنظر إلى السبات الذي أصاب الأمة العربية والغياب الطويل عن المشهد الحضاري أن تندثر لغتها وتمحى من الوجود وتصبح أثرا بعد عين ولكن ما حدث هو العكس. (خامسها): اللغة العربية لغة تجاور وليست لغة إقصاء: فاللغة العربية لغة تواصل بين الشعوب المسلمة من عرب وعجم، ولما أسلم الكثير من الناس من غير العرب أحبوا العربية وخدموها لأكثر مما خدمها العرب أنفسهم؛ والعجيب في هذه اللغة أنها لم تلغ هوية الأمم والشعوب الأخرى بل اندمجت وانصهرت وأمدتها بمصطلحات وألفاظ تراكيب زادتها بهاء وجمالية في الأسلوب والأداء؛ كاللغة السواحيلة التي تعتبر زهاء سبعين بالمائة من ألفاظها عربية، كما كان الحرف العربي حاضرا في كتابة عدة لغات مثل العثمانية والمالاوية والفارسية واللغات الإفريقية عموما ويمكننا القول أن اللغة العربية تجمع ولا تفرق توحد ولا تشتت. العربية جمال في المبنى والمعنى وسعة في التأثير عندما أتحدث عن اللغة العربية تتجاذبني فيها مواضيع شتى، ويحتار العقل على ماذا أركز، هل أركز على رسمها ووسمها وتناسق حروفها داخل الكلمة الواحدة، وتناسق كلماتها داخل الجملة الواحدة؟ أم أركز على موسيقى مبانيها وبديع معانيها؟ أم أركز على فصاحة التعبير وقوة التأثير؟ أم هل أركز على ما امتازت به على غيرها من اللغات حتى اختارها رب البشر لتكون لغة آخر كتبه إلى آخر رسله؟إنها تساؤلات كثيرة وما لا يؤخذ كله لا يترك جله. (أولا): العربية من شعائر الإسلام قال تعالى: ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرَْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ))، وتشريف العربية بالقرآن يجعلها من شعائر الله، وتعظيم شعائر الله واجب على كل مسلم، بل هو من علامات التقوى (ذلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ 0للَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى 0لْقُلُوبِ)؛ قال ابن تيميّة رحمه الله: (فإنّ اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون، وقال مالك: مَنْ تكلّم في مسجدنا بغير العربية أُخرِجَ منه). ومع أنّ سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها، ولكن سوغوها للحاجة، وكرهوها لغير الحاجة، ولحفظ شعائر الإسلام). وقال رحمه الله: (اعلم أنّ اعتياد اللغة يؤثر في العقلِ والخلقِ والدينِ تأثيراً قويّاً بيّناً، ويؤثر أيضاً في مشابهةِ صدرِ هذه الأمّةِ من الصحابةِ والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقلَ والدينَ والخلقَ، وأيضاً فإنّ نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ، فإنّ فهم الكتاب والسنّة فرضٌ، ولا يُفهم إلاّ بفهم اللغة العربية، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب ) (ثانيا) من خصائص العربية التي لا توجد في غيرها أن الكثير من اللغات تأخذ منها الكثير من الكلمات فقد أخذت منها العبرية بنسبة 75 بالمائة، وكذلك اللغة الإنجليزية التي تعد أوسع اللغات استعمالا، حيث يقول المستشرق تايلور: هناك حوالي ألف كلمة ذات أصل عربي في اللغة الإنجليزية، وآلاف أخرى مشتقة من هذه الكلمات انتقلت من العربية بعد التحريف والتعديل؛ في النطق فمعجم أكسفورد يضم 405 من هذه الكلمات، ومن بينها 283 تعد من الأهمية بحيث أنها قد أدرجت في قاموس أكسفورد للجيب، ومن الكلمات اللاتينية المأخوذة من العربية كلمة باكالوريا في بلادِ الشام التي تسمى بها للشهادة الثانوية، فأصلَها جاء من العربيةِ؛ حيث إنَّ العلماءَ من المحدثين ومقرئي القرآن كانوا إذا أجازوا الطالبَ كتبوا له في الإجازة (أجزناك بحقِّ الرِّواية)، فأخذوها منَّا ثم حُرِّفت: (بحقِّ الرواية، بهك الرواية، بك رواية، باكلوريا)، (ثالثا) طرائف بسبب سعة اللغة: في عام 1982 زار مرشح الرئاسة الأمريكية «جيسي جاكسون» دمشق وطلب أن تقرأ عليه آيات من القرآن فكان القاريء يتلو الآية وهناك من يترجم ما يقرأ إلى الإنجليزية، ولما وصل القاريء إلى الآية: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)؛ توقف المترجم فلما سئل عن سبب توقفه قال: لا يوجد في الإنجليزية ما يعادل هذه الكلمات. ومن الطَّريفِ ما ذكره محمد الخضر حسين قال: «كتب جون فرن قصةً خيالية بناها على سياح يخترقون طبقاتِ الكرة الأرضية حتى يصلوا أو يدنوا من وسطِها، ولما أرادوا العودةَ إلى ظاهرِ الأرض بدا لهم هنالك أن يتركوا أثرًا يدلُّ على مبلغِ رحلتهم، فنقشوا على الصخرِ كتابة باللغة العربية، ولما سُئل جون فرن عن سر اختياره العربية، قال: إنها لغةُ المستقبل، ولا شكَّ أنه يموتُ غيرها، وتبقى حية حتى يرفع القرآن نفسه. (رابعا) معاني العربية كان العرب يفهمون العربية وقد تفعل القصيدة ما لا يفعله السيف، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: إن هذا لأشد عليهم من وقع النبل، فكانت القصيدة كفيلة بأن تروج وتبيع سلعة كاسدة وتزوج فتاة بائرة، ودخل شاعر على قوم فألقى عليهم قصيدة فضحكوا جميعا ثم ألقى عليهم أخرى فبكوا جميعا ثم ألقى عليهم ثالثة فناموا جميعا فانصرف وقد تركهم نياما، وقال علي القرني :أيا ذا الفضائل واللام حاء ويا ذا المكارم والميم هاء ويا أنجب الناس والباء سين ويا ذا الصيانة والصاد خاء ويا أكتب الناس والتاء ذال ويا أعلم الناس والعين ظاء تجود على الكل والدال راء فأنت السخي يتلوه فاء. وقال حافظ إبراهيم معرضا بأحمد شوقي: يقولون إن الشوق نار ولوعة .. فما بال (شوقي) أصبح اليوم باردا؛ فرد الشاعر أحمد شوقي: وأودعت إنسانا وكلبا وديعة .. فضيعها الإنسان والكلب حافظ؛ وتستطيع أن تكتب بالعربية ما تشاء من معاني وكلمات اللغات الأخرى ولا يصح العكس وكان صديقنا الأستاذ الدكتور سلمان نصر لا يجد أدنى صعوبة في جعل دروس اللغة الإنجليزية في قصيدة عربية فصيحة. ولهذا كله كان البيروني يقول هجاء بالعربية أحب إلي من مدح بالفارسية. اللغة العربية تحيي لغات العالم أمدت اللغة العربية اللغة العبرية بقواعد النحو والصرف فأنقذتها من الاندثار في العصر الوسيط، وأعطت للصقليين لغة، ولقحت اللغات الإسبانية وكذا الإنجليزية وغيرها بمفرداتها، ومنحت حرفها للغات الشرقية، وأثرت لغات الشعوب المحلية منذ الفتوحات الإسلامية على غرار اللغات واللهجات الإفريقية والأسيوية، وهي أكثر اللغات مفردات، وواحدة من عشر لغات الأقدم عالميا التي ما تزال مستعملة إلى اليوم، وتوقعت دراسات بقاءها ما بعد الألفية القادمة بمعية الإنجليزية والصينية والإسبانية. ع/خ قالوا عن اللغة العربية إغلاق 21 مسجدا بفرنسا أعلن وزير الداخلية الفرنسي إغلاق 21 مسجدًا خلال الفترة الأخيرة. واستنادا لوسائط إعلامية فقد قال في حوار له مع قناة (LCI) الفرنسية، إن قوات الأمن فتشت 99 مسجدًا كان يُشتبه بانخراطها في أنشطة متطرفة. وأوضح أن 21 مسجدًا منها أغلقت، بينما يستمر العمل لإغلاق 6 مساجد أخرى، مبررا هذه الخطوة بأنها تستند إلى قانون مكافحة التطرف. وأشاد بإغلاق المساجد، قائلًا إنه للمرة الأولى في تاريخ فرنسا تُغلق مساجد بهذا العدد الكبير. وشهدت فرنسا خلال الآونة الأخيرة حل العديد من الجمعيات التابعة للمسلمين في البلاد، بمزاعم واتهامات عدة. وتبنت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) في 23 يوليو/تموز الماضي، مشروع قانون مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية المثير للجدل، الذي جرى التعريف به أول مرة باسم مكافحة الإسلام الانفصالي. ويواجه القانون انتقادات لاستهدافه المسلمين في فرنسا وفرضه قيودًا على جميع مناحي حياتهم. وينص القانون على فرض رقابة على المساجد والجمعيات المسؤولة عن إدارتها، ومراقبة تمويل المنظمات المدنية التابعة للمسلمين. كما يفرض قيودًا على حرية تقديم الأسر التعليم لأطفالها بالمنازل، في البلاد التي يُحظر فيها ارتداء الحجاب في مؤسسات التعليم ما قبل الجامعي. 22% من مواليد فرنسا يحملون أسماء إسلامية كشفت بعض الإحصائيات أن 22%من المواليد الجدد بفرنسا يحملون أسماء إسلامية،على رأسهم اسم محمد، واستنادا لوسائط إعلامية فقد نشر هذا الإحصاء مؤخرا ويتعلق بمواليد 2020، مسجلا ارتفاعا عما كان عليه الأمر سابقا؛ حيث إن هذه الأسماء كانت أقل من 1% قبل 60 عاما، تجاوزت عتبة 5% عام 1976، وعتبة 10% عام 2002، وعتبة 15% عام 2009، وعتبة 20% عام 2016.