لجأ الكثير من الأدباء والكُتّاب في الجزائر، في السنوات الأخيرة، إلى نشر أعمالهم إلكترونياً ورقميًا، كما نشأت دور نشر اِلكترونية خاصة، وبدأت تستثمر في مجال النشر الاِلكتروني، ما جعل بعض الكُتاب يُسارعون إلى نشر مجموعاتهم الشِّعرية والقصصية عندها، في خطوة تُوحي بأنّهم تخلو عن فكرة/ أو حُلم نشر أعمالهم ورقيًا، فالنشر الاِلكتروني حسب الكثير من الكُتّاب أسهل وأسرع وأكثر اِنتشاراً وخدمةً لمنتوجهم الأدبي والفكري من النشر الورقي الّذي يأخذ وقتًا قد يصل إلى سنوات قبل أن ترأف جهات الطبع بمخطوطاتهم وتخرجها إلى النّور في شكل كُتب ورقية، والتي كثيراً ما تُنسى وتُهمل بمجرّد صدورها وتُركن في رفوف المخازن. إعداد/ نوّارة لحرش عناوين كثيرة على مدار السنوات الأخيرة صدرت لمجموعات شعرية وقصصية اِلكترونيًا، فهل يمكن القول أو الجزم أنّ النشر الإلكتروني أصبح بديلاً عن النشر الورقي بالنسبة للكثير من الكُتّاب الجزائريين، الذين فقدوا الأمل في النشر الورقي لمؤلفاتهم وأعمالهم الأدبية، وأصبحت لديهم قناعة الاِكتفاء بالنشر الاِلكتروني الأسرع والأقل تكلفة، وهذا ما دفعهم للخوض في هذه التجربة. أيضا ما هي أكثر حسنات وميزات النشر الاِلكتروني، وما هي أكبر وأكثر سلبياته والمضار، خاصةً وأنّه منعدم الرقابة، وربّما هنا تكمن إشكالاته ومآزقه، أي في خطورة عدم مراقبة الإبداع الّذي يُتيحهُ هذا النوع من النشر المُنفلت من الرقابة التي تهدف إلى حماية الذوق العام. * عز الدين جوهري بديل يتيح النشر بأقل جهد وأقل تكلفة يقول الشاعر والناقد عز الدين جوهري: «منذ أن أحكمت التكنولوجيا قبضتها الشرسة على ثقافتنا ووعينا، وقراءاتنا، ونمط حياتنا، حتّى أضحت معادلة صعبة ورقمًا مُهماً في خارطتنا الإبداعية، التي لا تقل أهمية عن النشر الورقي، الّذي أهدر دمه الكثير من المبدعين، بسبب تعقيداته التي أثرت سلبًا على مشاريعهم وأحلامهم، ناهيك عن سلب حقوقهم الفكرية، وعدم وجود رؤية واضحة تليق بمقامهم ككُتّاب وكمبدعين». صاحب «زحف الهاوية»، أردفً: «ساحتنا الثقافية في الجزائر تعج بقضايا شبيهة، عطلت الكثير من المصالح الثقافية، وأجهضت الكثير من التجارب الإبداعية في مهدها، حتّى جاء البديل الإلكتروني الّذي أتاح للمبدعين والكُتّاب فرص نشر أعمالهم الإبداعية بأقل جهد وأقل تكلفة، على خارطة مترامية الأطراف، تتيحُ للآلاف من المهتمين بالثقافة والإبداع الإطلاع على أعمال بعضهم البعض، وتبادل الأفكار، حول كُتبهم وإبداعاتهم، مِمَّا شجع الكثير من كُتّابنا على خوض تجارب مُماثلة سهلت عليهم فرصة التواجد على الساحة الأدبية، وأعلنوا عن أنفسهم أقلامًا واعدة حيثُ وجد الكثير منهم في الوسائط الاِلكترونية مُتنفسًا على مساحات أنواره، يضعون بيضهم الثمين نكايةً في بعض بارونات النشر الورقي الذين تحولوا إلى أدوات داست على كثير من الأحلام والطموحات لكُتّاب واعدين، بسبب مرضهم وهوسهم وجنونهم، الّذي أفرغ الإبداع من محتواه الخالص». إنّ الحركة السريعة، -يُضيف المُتحدث نفسه-، للرأسمال الثقافي بسبب التكنولوجيا والنشر الإلكتروني، وشبكات التواصل السريعة، مَكَّن العديد من المبدعين من إيصال صوتهم للآخر الّذي لا يعرف عنهم شيئًا، وجعلهم يتبادلون همهم الفكري والثقافي بطريقة لا يستطيع النشر الورقي تحقيقها، حيثُ تمتد مُمكنات النشر الإلكتروني حتّى إلى النُقاد الذين يقربهم النشر الإلكتروني من ملامسة الإبداع أينما كان، وحيثما وجد، لذلك توسعت الرقعة الإبداعية وأصبح الكُتّاب ينتمون لفضاء رحيب يتناقلون الإبداع بأقل جهد ووقت، ناهيك عن التكلفة القليلة، قياسًا بالنشر الورقي الّذي قد يُرهق كاهل المبدع الّذي لا تسعفه ظروفه الاِجتماعية في نشر أعماله». جوهري، يرى أيضًا أنّ النشر الإلكتروني أمر لا يزعج ولا يقلق أبداً. وأنّ الإبداع إبداع سواء نُشر إلكترونيًا أو ورقيًا، لأنّ الحياة الثقافية الآن لا يمكن أن تعيش من رافد واحد، رافد الكِتاب الورقي، لأنّ الكِتاب الإلكتروني كذلك هو كِتاب وهو إبداع. والكِتاب الورقي والإلكتروني شقيقان لأم كُبرى اِسمها الإبداع، لكن حميمية الورقي أقرب إلى القلب من الإلكتروني. وخلص في الأخير، إلى أنّ النشر الاِلكتروني له بعض المضار، لأنّه منعدم الرقابة، إذ يقول: «لكننا في المُقابل نُشدد على خطورة عدم مراقبة الإبداع الّذي يُتيحهُ النشر الاِلكتروني المُنفلت من الرقابة التي تهدف إلى حماية الذوق العام، وتطهير الإبداع من السموم التي تُؤثر سلبًا على منظومتنا الفكرية والثقافية». * ناصر باكرية من البدائل الأسرع التي تُوفر للكاتب مكانًا تحت الضوء يعتقد الشاعر والصحفي ناصر باكرية، أنّ أيّ مقاربة لموضوع النشر الاِلكتروني لا تأخذ السياق العام والشمولي لطبيعة العصر المُنفتح على كلّ الاِحتمالات، ستكون إلى حدٍ ما غير موفقة في القبض على أبعاد الظاهرة. ويُضيف موضحًا فكرته: «العالم اليوم تنعكس في جميع تفاصيله شظايا العولمة، التي أذابت كلّ الحدود بدءاً من الحدود بين الجنسين مروراً بالحدود الجغرافية وليس اِنتهاءً بزوال الحدود بين الأجناس الأدبية، وذلك بفضل الطفرة التكنولوجية التي بدأت بشبكة النت وانتقلت إلى المدونات وانفجرت مع مواقع التواصل الاِجتماعي التي قضت بشكلٍ نهائي على سلطة وهيمنة رئيس التحرير المركزي ومدير النشر ولِجان القراءة، وكلّ أشكال الهيمنة الرقابية التي تملك سلطة كبح النشر والاِنتشار». صاحب «مسميات الأشياء» واصل بنوع من الشرح: «صار طبيعيًا في مثل هذه الظروف وفي ظل أزمة المقروئية (بمعناها التقليدي) وغياب فُرص النشر خاصةً بالنسبة إلى الوافدين الجُدد على عالم الكتابة، البحث عن بدائل واستثمار ما توفره التكنولوجيات الحديثة، بحثًا عن مكان تحت الضوء، كما لا يمكن اِستبعاد أزمة النشر والتوزيع في الجزائر وغياب حقوق المؤلف، مِمَّا يجعل الكُتّاب لا يحلمون بأكثر من صدور أعمالهم وانتشارها ولو مجانًا، لمعرفتهم المُسبقة بعدم وجود تثمين وأنّ الكتابة ليست لها قيمة مادية تُذكر عندنا، هذه بعض الدوافع التي تحضرني الآن في ما أعتقد». في الأخير، يرى باكرية، فيما يتعلق بحلول النشر الاِلكتروني محل النشر الورقي، أنّ «المسألة تشبه السِجال المُتكرر مع كلّ طارئ على حياة الإنسانية، فهو تمامًا كالحديث عن اِنتهاء عصر الصُحف الورقية مع التلفاز والإذاعة، وهو ما يُطرح أيضاً بشأن الصُحف الاِلكترونية والصُحف الورقية، وهو سؤال على وجاهته إلاّ أنّه لا يمكن الجزم باِحتمال وقوعه، فللكِتاب الورقي مريدوه وسيظلون على قيده، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينتهي عصره، في المُقابل أصبح الكِتاب الاِلكتروني أكثر اِستعمالاً على نطاق واسع بسبب سهولة الحصول عليه مجانًا في الدول التي لا تُطبق قانون الملكية الفكرية وبأسعار مقبولة حتّى بالنسبة لشرائه، لكلفته الرخيصة مقارنةً بالكِتاب الورقي». * علاوة كوسة له حسناته لكنه صار ملهى إبداعيا يرى الشاعر والروائي علاوة كوسة، أنّ النشر الاِلكتروني ساهم في فتح المجال واسعًا أمام الكُتّاب والمبدعين للتعريف بأعمالهم الفكرية والعلمية والأدبية، وسهّل من عملية الاِلتقاء بين الكُتّاب وقُرائهم بدرجة كبيرة لم تكن تُصدَّق قبل عقود من الزمن، إذ صار بإمكان الكاتب أن ينشر نَصَّه وأعماله الأدبية من دون أي حواجز أو عوائق وبإمكان قُرائه في كلّ أنحاء الكون وفي أبعد نقاط المعمورة من قراءة النص/ أو الكِتاب المنشور في ظرف وجيز جداً، عكس وقت سابق حيثُ كانت بعض الأعمال الأدبية تستغرق الشهور والأعوام لكي تصل إلى قُرائها. لكن من جهةٍ أخرى، يرى صاحب «اِرتعاش المرايا»، أنّ للنشر الاِلكتروني سلبياته التي هي أكثر من حسناته، إذ يقول في هذا السياق: «بقدر ما كانت هناك مزايا وإيجابيات للنشر الاِلكتروني بقدر ما كانت له سلبيات كثيرة جداً نكاد نصفها أحيانًا بالكوارث الأدبية والفضائح الاِلكترونية، وانعكست على المستوى الفني للأدب والإبداع عمومًا، وللأسف كُتبٌ كثيرة اِلكترونية صدرت وتصدر، تضم كثيراً من الأعمال التي ليس فيها من الأدب إلاّ الاِسم، وصار كثير مِمن ينشرون كُتبًا إلكترونية يُنسبون إلى الأدب بقلة أدب وأمسوا أدعياء من غير معرفة واستحقاق، فأصبحنا نسمع عن شعراء من غير قشة شعر وعن روائيين من غير حفنة سرد وصار لهؤلاء معجبون ومحبون». ويذهب الكاتب نفسه إلى التأكيد على أنّ الكثير من الكُتب الإلكترونية، عبارة عن مهزلة، مواصلاً حديثه بكثير من التذمر: «بالفعل فقد صار النشر الاِلكتروني ملهى إبداعيًا للمعطوبين إبداعيًا والمُعاقين فنيًا وسيَّدَ عبيداً وكاد يستعبد ويستبعد غيرهم مع حفظ المراتب والمنازل». ويُضيف الكاتب في هذا الاِتجاه دائمًا: «لكن ومهما تكن من مخاطر للنشر الاِلكتروني، فليس علينا أن نتنازل عن مزاياه وعن قنواته الرائعة والسريعة في التواصل بين الكُتّاب ومحبي الكُتُب والأدب الجميل، وليس العودة إلى النشر الورقي حلاً إنّما هي هروب من متاح خالطه الفساد إلى مجال يصعب فيه التواصل بين الكُتّاب والقراء رغم أنّ الكِتاب والنشر الورقي لم ولن يتجاوزه العصر أبداً في رأيي المتواضع، الحل في رأيي أن ننزل الكُتّاب منازلهم وأن نكف عن تشجيع الرداءة، بل نعمل على توجيه أنفسنا أوّلاً وتوجيه الآخرين الذين عليهم أن يفهموا بأنّ الكتابة ضمير وتكوين قبل أن تكون شهرة زائفة ومُزاحمة ونفخًا في رماد». ويختتم الشاعر حديثه بِحَثّ الأدباء والنقاد على إنصاف الأدب الجميل، وأن يكفوا عن تشجيع الرداءة التي كثيراً ما تحملها بعض الكُتُب الإلكترونية، قائلاً في هذا المعطى: «للنشر الاِلكتروني ألف مزية وللمنتسبين إلى الأدب ألف خطيئة اِلتمسوها بين حناياه، وعلى الأدباء الحقيقيين والنقاد الكرماء والشرفاء بأن يكفوا عن التغرير بهؤلاء، وعلينا نحن الكُتّاب في بداياتنا أن نحسن القراءة والاِطلاع وأن نستنصح بالكُتّاب الحقيقيين وأن نقتفي أثرهم بهدوء وتواضع ومن دون أي غرور قد يقصم ظهور كِتاباتنا في المهد». * الطيب صالح طهوري أملته الضرورة ولن يكون بديلاً عن النشر الورقي يرى الشاعر الطيب طهوري، (الّذي صدرت له مجموعة شعرية اِلكترونيًا، بعنوان «مقابر عربية» عن دار الباهية للنشر الإلكتروني)، أنّ النشر الإلكتروني ليس بديلاً عن النشر الورقي، إذ يقول بهذا الخصوص: «لا أعتقد أنّ مبدعًا ما لا يرغب في أن يرى كتابه مطبوعًا ورقيًا وموضوعًا على رفوف المكتبات، لا أعتقد أيضاً أنّ أي أديب لا يتمنى أن يُهدي كِتابه منشوراً ورقيًا إلى أحبته والمقربين منه، من هنا لا أتصور أبداً أنّ الذين لجأوا إلى نشر أعمالهم الإبداعية الشِّعرية أو القصصية إلكترونيًا قد نشروها وهم يعتقدون أنّ النشر الإلكتروني قد أصبح فعلاً بديلاً مفضلاً عن النشر الورقي، إطلاقًا، لا أتصور ذلك، لكنها الضرورات». طهوري، يرى أنّ لجوء الكاتب إلى النشر الإلكتروني في الجزائر، مرده إلى عراقيل كثيرة تحول دون أن يُحقّق أمنية النشر الورقي، إذ يؤكد: «أن تبحث عن نشر إبداعك من قِبل المؤسسات العمومية التابعة للدولة أو دور نشر، تحتاج إلى الكثير من الوساطات، والوساطات عُملة رديئة وسلوك سيء بالتأكيد، وأن تُنشر لك تلك المؤسسات وتُبقي منشورك الإبداعي مخزنًا لا وجود له في مختلف مكتبات بيع الكِتاب هو قتل له بالتأكيد، وقتل معنوي مؤلم جداً لصاحبه». صاحب «أفراح صعبة» يُواصل باِستطراد أكثر: «لقد نُشرت لي أعمال إبداعية ثلاثة في إطار الجزائر عاصمة الثقافة العربية، لكنّها بقيت مكدسة في مخازن المكتبة الوطنية ووُزع القليل منها على دور الثقافة وبعض المؤسسات التعليمية، حيثُ لا أحد هناك يُطالع الكِتاب أو يهتم به. كان ذلك مؤلمًا جداً لي وأن تبحث عن نشر إبداعك من خلال دور النشر الخاصة فذاك يحتاج إلى مبالغ مالية يعجز الكثير من مبدعينا، إن لم أقل أغلبهم عن توفيرها، وفي الغالب لا يستردون ما دفعوه من مبالغ لطباعتها، خاصةً وأنّ سوق الكِتاب سوق كاسدة عمومًا. من منطلق كلّ ذلك لجأت ولجأ البعض من مبدعينا في الجزائر إلى النشر الإلكتروني الّذي أتصور أنّه ما يزال ميدانًا لم يُقتحم بشكلٍ كبير في بلادنا، لكنني متأكد من أنّه سيكون ملجأ الكثير من المبدعين الجزائريين والمبدعين العرب عمومًا». طهوري يرى أنّ الكِتاب يتجهُ أكثر فأكثر نحو النشر الإلكتروني خاصةً في ظل الأزمات الاِقتصادية التي تمس وبشكل كبير هياكل ومفاصل كثيرة في أي بلد: «في هكذا وضعية اِقتصادية شبه خانقة لا يجد المبدع إلاّ النشر الإلكتروني ليُوصل إبداعه إلى الآخرين، خاصةً وأنّ هذا النشر، مقارنةً بالنشر الورقي، لا يكلف كثيراً، وأنّ عبوره الحدود الجغرافية والرقابية أمرٌ مضمون، كما أنّ ما يُتيحه من حرية فكر تتجاوز كثيراً ما يُتيحه النشر الورقي». طهوري، يرى من جهةٍ أخرى أنّ النشر الإلكتروني يُعطي كلّ الفرص للجهات ضعيفة النفوذ السياسي والاِجتماعي، سواء كأفراد مثل المفكرين النقديين أو كمؤسسات مثل قِوى اليسار لنشر أفكارهم وإيصال رؤاهم إلى الآخرين. وهنا يُضيف: «لولا هذا النشر ما أمكنني مثلاً قراءة كُتب تنتقد مختلف السلوكات الاِجتماعية والسياسية القامعة لإرادة الفرد وحريته، ككتابات المفكرين سيد القمني وكمال النجار مثلاً، وكمجلة الثقافي». وفي الختام يستدرك في معرض حديثه عن معيار الجودة في ما يُنشر إلكترونيًا: «صحيح أنّ هذا النشر الإلكتروني قد أتاح الفرص للغث والسمين من الفكر والإبداع لينتشرا، هذا أمر طبيعي، لابدّ منه، والبقاء هنا حتمًا للأرقى والأجمل، طال الزمن أم قصر. ثمّ، من قال بأنّ النشر الورقي لا يسمح أيضًا بنشر الغث من الفكر والإبداع؟ أليس الكثير مِمّا يُنشر لا قيمة فكرية أو جمالية له سوى جيوب أصحابه المُمتلئة التي سمحت لهم بنشره؟».