حكموا علي بالاعدام وأمضيت ثلاثة أشهر مغمض العينين - المجاهد رابح بحري ذو 76 عاما والذي يعاني اليوم من المرض الذي لحق به بسبب غاز تعرض له وزملاءه أثناء الثورة وأجرى عمليتين جراحيتين، يروي للنصر وحشية أساليب المستعمر ومسيرته مع النضال والاعتقال إلى غاية الحكم عليه بالإعدام. فبعد عودته الثانية من فرنسا التي كان يعمل بها، قرر الالتحاق بالثورة في نواحي سوق نعمان التابعة لأم البواقي وسأل عن المجاهد مسؤول الناحية "سي النور عموري"، واتصل بأحد أقاربه المسمى "التهامي بحري" الذي طلب منه الاستعداد للقيام بعملية فدائية كتأشيرة الانضمام للمجاهدين، ليتم التخطيط لأولى عملياته الفدائية بتسلمه بتاريخ 20 جويلية 1956 قنبلة يدوية على مستوى "فيرمة الحاج أمبارك بوطي"، أين طلب منه رميها على العساكر الفرنسييين في أجل لا يتعدى أربعة أيام، ليستغل بعدها فرصة قدوم ثلاثة جنود فرنسيين لشراء اللحم من قصابة بعين مليلة ليرمي القنبلة غير أن أحد الواشين بدأ يصرخ فانفجرت بعيدا عنهم وانكشفت هويته للفرنسيين الذين طوقوا بعد لحظات سكنه العائلي وأوقفوه إلى جانب والده وشقيقه ثم أطلقوا سراحهما وأبقوا عليه، ليذوق ألوان من التعذيب طيلة 17 يوما، يضيف عمي رابح أن العسكر قام بتقديمه لقاضي التحقيق بمحكمة عين مليلة الذي أودعه السجن ليعيد فتح ملف القضية بعد شهر وقام بعد ذلك بسجنه 6 أشهر إضافية لتبرئه المحكمة العسكرية بقسنطينة بعد ذلك. وبعد ذلك انتقل ليلتحق بصفوف الثورة التحريرية بمنطقة طاربانت، وتعرف حينها على المسمى (غديري محمود) الذي لم يعلم بالتحاقه بالثوار إلا بعد تجنيده، مؤكدا في معرض حديثه بأنه كلف رفقة 16 مجاهدا آخرين بمهمة منتصف شهر أفريل من سنة 1957 والمتضمنة القيام بجولة بين جبلي عنودة ونيف النسر لجمع التبرعات ومتابعة تحركات العسكر الفرنسي والخونة، المجموعة انقسمت بعدها إلى فوجين وانضم هو إلى فوج جبل عنودة المكون من سبع أفراد، ليضيف أن فوجه تعرض للخيانة بتاريخ 24 أفريل 1957 ليحاصر في الصباح الباكر من طرف العساكر الفرنسيين، حيث أن القوات الفرنسية نادت عبر مكبر الصوت بأسماء كل واحد من المجموعة المختفية عن الأنظار ما يعني أن أحدا قام بالتبليغ عنها وفي ظل عدم استجابتهم فضل المستعمر الفرنسي رمي القنابل المسيلة للدموع وبعدها عمدوا إلى رش المكان بالبنزين بواسطة طائرات الهيلوكوبتر وتطوّر الوضع بعدها إلى تبادل لإطلاق النار، وبحسب ذات المتحدث فالقوات المحتلة لجأت إلى قنابل محرمة دوليا تحوي غازات سامة أين أصاب كامل أفراد الفوج الدوّار ما جعل البعض يحاول وضع حد لحياته بطلقات نارية هروبا من التعرّض للتعذيب ومحاولة الاستنطاق عن مكان بقية المجاهدين، غير أن المستعمر تمكن من إلقاء القبض على كامل الفوج وتم عرضهم على المواطنين ونعتهم بالخونة بمحاذاة سور مدرسة العرفان بعين مليلة ليتم نقلهم لمنطقة "بيرطو" أولاد حملة حاليا أين وضعوا بمركز التعذيب المسمى "الكبانية". أحكام بين 10 سنوات والإعدام في حق الفوج الموقوف حوّلت القوات الفرنسية الفوج الموقوف من المجاهدين والمكوّن من خمسة عناصر بعد استشهاد فردين هما بشوشان أحمد وبن دعاس أحمد المكنى "الروج"، للاستنطاق والتعذيب ليلة القبض عليهم وحاولوا قلع أسنانهم وقام قائد فرنسي يطلق عليه اسم "القبطان" بإطلاق النار على الشهيد المدعو "الروج" فأرداه قتيلا، عمي رابح بحري الذي كان برتبة جندي بسيط أضاف بأنه ظل مغمض العينين طيلة 3 أشهر بسبب الغازات المنبعثة من القنبلة المحرمة ليحوّل إلى المستشفى العسكري بالقصبة أين مكث هناك طيلة الفترة التي قضاها دون إبصار يتلقى علاجات بالنهار ويوضع خلف القضبان ليلا ليصدر في حقه حكم بالإعدام غيابيا وحكم آخر بالسجن 15 سنة، فيما تفاوتت الأحكام الصادرة في حق بقية أعضاء الفوج الذي تعرضوا للتعذيب، فبحري حسين ابن عم المتحدث أدين بالإعدام أيضا أما غديري محمود فصدر في حقه حكم بالسجن المؤبد، و قرفة بولعراس فعوقب ب20 سنة سجنا في وقت أدين مصطفى بن مدور ب10 سنوات سجنا. وقضى رابح بحري المجاهد المحبوس عقوبته متنقلا بين سجن الكدية بقسنطينة أين قضى فترة 3 أشهر وبعدها بعين مليلة ثم القصبة بمحاذاة المحكمة العسكرية، وأودع بعد ذلك سجن لامبيز بباتنة ومكث فيه طيلة 4 سنوات بين أكتوبر 1958 و4 ماي 1962 وهي الفترة التي قام فيها بأعمال شاقة وهنالك التقى بمجموعة من المجاهدين ومشايخ ومنهم أحمد حماني وأحمد سابق بن مخلوف وبوزيد من بلعباس وبلقاسم زياني الذي سميت أقدم ثانوية بأم البواقي باسمه. المجاهد بحري رابح يروي أنه درس في إحدى المدارس التي لا تقدم حينها إلا ما يهم فرنسا ويترجم ذلك أنه وحين اجتاز الشهادة الابتدائية سنة 1951 رفقة عديد الشباب الجزائريين رسبوا جميعا ونجح فقط أبناء الكولون وغيرهم من الفرنسيين، وفي معرض حديثه أوضح بأنه التقى بمارسيليا بشيوعي يسمى "دوفاز"، هذا الأخير قال له بأن الفيتنام استقلت عن فرنسا وبأنه سيأتي اليوم الذي ستستقل فيه الجزائر وتسجل اسمها بأحرف خالدة، وهو الشيوعي الذي تحدث عن موقفه من ثورة التحرير التي انطلقت بعد أن اعتبرتها صحف فرنسية على غرار "مارسياز" و"لوفيقارو" بأنها كانت من فعل بمجموعة قطاع طرق، واعتبر الثورة مطلبا شرعيا لاستقلال الجزائر في ظل خسارة فرنسا في فيتنام ومدغشقر.