باريس تريد تجاوز مرحلة الجفاء في العلاقات مع الجزائر اعتبرت الحكومة الفرنسية قرار إبطال المتابعات القضائية ضد الدبلوماسي الجزائري زيان حسني، بمثابة "التطور الايجابي في ملف العلاقات الثنائية" والتي عرفت توترا في الفترة الأخيرة بسبب عدد من الملفات التي دأبت بعض الأوساط الفرنسية على تحريكها لمنع أية محاولة لإعادة الدفء للعلاقات بين البلدين، ولم تستبعد بعض المصادر، تسجيل حركة دبلوماسية بين البلدين في الفترة القادمة لطرح بعض الملفات التي لا تزال عالقة بغية معالجتها تأكد الناطق باسم الخارجية الفرنسية، بأن السلطات الفرنسية تنتظر صدور القرار النهائي في قضية الدبلوماسي الجزائري زيان حسنى، واعتبر المتحدث باسم "الكي دورسي" أمس في ندوة صحفية، بأن القرار الذي أصدره القضاء الفرنسي بإبطال المتابعات القضائية ضد مدير تشريفات وزارة الخارجية "يعطي تطورا إيجابيا في العلاقات الثنائية بين الجزائروفرنسا" مشيرا بأن السلطات الفرنسية لديها الرغبة والإرادة لتعميق العلاقات مع الجزائر وتطويرها، مشيرا بان السلطات الفرنسية حريصة على كشف الحقيقة بخصوص اغتيال المعارض الجزائري على المسيلي في باريس عام 1987.وأبدت السلطات الفرنسية رغبتها في طي "الخلاف" مع الجزائر الذي برز على خلفية اعتقال الدبلوماسي الجزائري قبل عامين، وتماطل القضاء الفرنسي في معالجة القضية رغم غياب أدلة قطعية تدعم فرضية تورط الدبلوماسي في حادثة الاغتيال، وهو ما أدى وزير الخارجية مراد مدلسي إلى التأكيد بأن حسنى "تحول إلى رهينة لدى السلطات الفرنسية" واعتبر أن 'سلوك فرنسا يخرق المبادئ العالمية لحقوق الإنسان وافتراض البراءة، بينما صرح وزير التضامن السابق جمال ولد عباس بأن "باريس حاولت استعمال ورقة الدبلوماسي الجزائري للضغط على الجزائر" وتوحي تصريحات الدبلوماسي الفرنسي، بأن قرار "انتفاء الدعوى" ما هو إلا مقدمة لقرارات أخرى قد يتم اتخاذها قريبا لتعجل عودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، والتي عرفت تدهورا في الفترة الأخيرة، باعتراف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نفسه خلال قمة نيس "بين فرنسا وإفريقيا" وقال آنذاك بأن إعادة العلاقات إلى مستواها الطبيعي يحتاج إلى وقت طويل حتى يتم تجاوز كل النقاط الخلافية التي قال عنها الرئيس الفرنسي أنها جد معقدة، وقال ساركوزي، أنه اضطر إلى الاتصال شخصيا بالرئيس بوتفليقة ليطلب منه المشاركة في قمة نيس، وأضاف "قلت له أن حضورك ضروري".ولم يخف الرئيس الفرنسي حينها تشاؤمه من إمكانية تجاوز الخلافات التي تطبع العلاقات الثنائية بين البلدين منذ أشهر بسبب بعض الملفات التي تسمم العلاقات، وبعض التصريحات التي صدرت عن الجانب الفرنسي والتي عمقت الهوة بين البلدين، وأشار ساركوزي، أن تجاوز الخلافات بين البلدين قد يحتاج إلى وقت أطول، ولا تكفي مشاركة الرئيس بوتفليقة في قمة نيس من تجاوز الخلافات بين البلدين، وقال بأن الأمر سيستغرق وقتا لتسوية المشاكل المعقدة بين البلدين. وتساءل ساركوزي "هل يكفي أن يشارك الرئيس بوتفليقة في القمة الإفريقية الفرنسية ليصبح، فجأة ، كل شيء واضحا في العلاقة بين فرنساوالجزائر؟" ليرد على التساؤل بالنفي، قائلا "أخشى أن لا يكون الأمر كذلك، ولا يمكنني أن أشاطر هذا التفاؤل".وأكد الرئيس الفرنسي، بأن تجاوز الخلافات بين البلدين سيستغرق بعض الوقت "وقال. "إن المشاكل التي قد توجد بين الجزائروفرنسا، ليست مشاكل بين الرئيسين، وليست مشاكل من شخصية بين رئيسي البلدين" مضيفا يمكنني القول أن العلاقات مع الرئيس بوتفليقة "على ما يرام..ونحن نعرف بعضنا البعض بشكل جيد للغاية".وكان وزير الخارجية مراد مدلسي قد جدد التأكيد على الشروط التي تضعها الجزائر لتحسين العلاقات مع باريس. وقال إن العلاقات "تحتاج إلى تنسيق وتوافق كامل على كل الملفات التي تعود وتظهر من حين إلى آخر"، في إشارة إلى أن العلاقات الاقتصادية المزدهرة بين البلدين لا يجب أن تغطي على بعض القضايا التي ترهن في كل مرة على التوافق في العلاقات السياسية المتدهورة منذ مشاركة بوتفليقة في قمة تأسيس "الاتحاد من أجل المتوسط" في جوان 2008 في باريس، ما أدى إلى إرجاء زيارة مقررة لوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير للجزائر مرات عدة.ومن المواضيع التي فاقمت الخلاف بين البلدين استياء الجزائر مطلع فيفري الماضي من قيام فرنسا بإدراج الرعايا الجزائريين في لائحة سوداء للبلدان التي تنطوي على أخطار للنقل الجوي، وبعدها محاولات بعض الأطراف محاولة ابتزاز الجزائر باستخدام مسألة نزع السرية عن وثائق فرنسية عن مقتل رهبان فرنسيين العام 1996 والمغالطات التي حملتها الرواية الفرنسية للحادثة، إضافة إلى قضية الدبلوماسي الجزائري محمد زيان حسني في أوت 2008 في مطار مرسيليا لاتهامه بالتورط في قتل معارض جزائري في باريس.بالمقابل يعتبر العديد من صناع القرار في باريس، بأن الزيارة الأخيرة التي قام بها الأمين العام للاليزيه إلى الجزائر كلود غيون، شهر جوان الفارط بمثابة نقطة تحول في مسار العلاقات الجزائرية الفرنسية، وأبدت هذه الأوساط ارتياحها للاستقبال الذي حظي به مبعوث الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، من قبل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، واعتبروا الخطوة بمثابة بداية الطريق نحو انفراج العلاقات بين البلدين، والتي عرفت انسدادا غير مسبوق، بحيث تم تعليق كل زيارات المسؤولين الفرنسيين إلى الجزائر، كما تم تعليق الزيارة التي كانت مبرمجة للرئيس ا عبد العزيز بوتفليقة إلى العاصمة الفرنسية.وتشير مصادر دبلوماسية في باريس، بأن بوادر الانفراج في العلاقات بين البلدين بدأت تتضح أكثر، خاصة بعد المباحثات التي جمعت مبعوث الرئيس الفرنسي مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وهو ما يعطي دبلوماسيون شعورا "باستئناف فعلي" للعلاقات الثنائية، وبخاصة في المجال الاقتصادي. وتشير المصادر ذاتها، بأن باريس التزمت بمعالجة بعض القضايا التي طرحها الجانب الجزائري، بالمقابل تأمل باريس في تسوية بعض العراقيل التي تحول دون تجسيد عدة مشاريع استثمارية فرنسية بالجزائر. وأفيد بأن الجزائر وضعت جملة من الاشتراطات مقابل "استئناف علاقات طبيعية مع باريس، ووضع حد لحالة الفتور وبعث دينامية حقيقية بين البلدين، بحيث جددت الجزائر طلبها من الجانب الفرنسي، إحراز تقدم في بعض الملفات على غرار تمكين الجزائر من استعادة الأرشيف الخاص بالفترة الاستعمارية، وتسوية نهائية لقضية الدبلوماسي الجزائري زيان حسنى، إضافة إلى تغطية شاملة للأضرار الناجمة عن التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية. وبحسب المصدر الدبلوماسي، فقد "أظهر الجانب الفرنسي، هذه المرة أكثر مرونة بشأن هذه المسائل".وأضافت المصادر ذاتها، بأن باريس تنوي ترجمه رغبتها القوية في إعادة الدفء للعلاقات مع الجزائر بإعلانها قرار هام يتمثل في سحب الجزائر من القائمة السوداء التي وضعتها باريس، والتي يتم إخضاع رعاياها لتفتيش دقيق بالماسح الضوئي عبر كل مطاراتها.