التدخل العسكري قد يؤدي إلى حرب طويلة في المنطقة لن تستثني أي طائفة أو دولة حذّر خبراء في مجال السياسة و العلاقات الدولية والأمن من الانعكاسات الخطيرة والكارثية لأي تدخل عسكري محتمل في شمال مالي على المنطقة برمتها، وقالوا أن تدخلا من هذا النوع قد يؤدي إلى صراع مسلح طويل في منطقة الساحل لن يستثني أي طائفة أو دولة أو جهة، وقد يخلف كوارث إنسانية لا تحمد عقباها. تزامنا واجتماع مجلس الأمن الدولي لإصدار قرار جديد بشأن مالي حلّل خبراء في مجال العلاقات الدولية وضباط سامين سابقين في الجيش الوطني الشعبي الوضعية الحالية في شمال مالي، ورسموا في منتدى جريدة “المجاهد" أمس مقاربات لما قد يكون عليه الوضع في حال حدوث تدخل عسكري من قبل مجموعة “الإيكواس" هناك، وقبل هذا أشار محند برقوق أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر ورئيس معهد الدراسات الأمنية والإستراتيجية أن هناك تسارعا للأحداث وتكثيفا للتقارير حول الوضع في مالي مند 29 نوفمبر الماضي خاصة منها التقرير المفصل للاتحاد الأوربي قبل أيام الذي حذر من أي أن أي تدخل عسكري سوف ينتج عنه وضع متشابك ومعقد وخطير، كما أشار أن مجمل هذه التقارير لا تستثني الخيار العسكري لكنها تضعه بعد الخيار السياسي. أما العقيد السابق بن أعمر بن جانة رئيس المؤسسة الجزائرية للدراسات الإستراتيجية فقد توقف مطولا عند الانعكاسات الخطيرة للتدخل العسكري في شمال مالي، وقال بحكم خبرته في المجال العسكري أن هذا التدخل يحمل في طياته أسباب الفشل، ومن هذه الأسباب عدم قدرة ثلاثة آلاف جندي من دول مجموعة “إيكواس" غير مدربين جيدا وغير مجهزين يضاف إليهم بضعة آلاف من عناصر الجيش المالي الأقل تدريبا وتجهيزا، عدم قدرتهم على تغطية مساحة تقدر ب 942 ألف كيلومتر مربع في شمال مالي، معتبرا هذا العدد غير كاف تماما، وقبلها تساءل المتحدث هل بإمكان سكان مالي قبول وجود قوات أجنبية على أراضيهم؟ وهل لن يؤدي هذا الوجود إلى حرب أهلية؟ كما هل بإمكان قوات التدخل هذا أن تفرق بين الأهداف العسكرية المقصودة وبين الأهداف المدنية؟ لكون هذه المسألة خطيرة جدا وحساسة ومعقدة. و بحكم معرفته أيضا بالشؤون العسكرية وخبرته في الميدان العسكري حذّر المتحدث من أن يؤدي التدخل العسكري في مالي إلى اتساع رقعة نطاق الصراع والمواجهة ليشمل كل الأعراق والأقليات، وليشمل كل دول الجوار -بحكم وجود أقليات قد تستهدف- في كامل البلدان المجاورة لمالي، ما قد يؤدي لاشتعال منطقة الساحل برمتها وبالتالي تحول التدخل إلى صراع طويل الأمد بكل ما قد ينتج عنه من أثار إنسانية كتدفق اللاجئين على دول الجوار وخاصة الجزائر، وظهور إشكاليات أمنية نتيجة لذلك كون الحدود بين الجزائر ومالي تقدر بآلاف الكيلومترات، وكذا بروز الانتقامات وغيرها بحكم الطبيعة الإثنية المختلفة لسكان الشمال عن الجنوب الذي يتشكل منه الجيش المالي، وبالتالي تحول الصراع إلى حرب عنصرية طائفية بكل ما تحمله من مخاطر كبيرة. على المستوى الجهوي حذّر العقيد بن جانة بناء على ما سبق ذكره من خطر تحول التدخل العسكري إلى وجود عسكري أجنبي دائم في المنطقة، وتحول الساحل إلى منطقة حرب ضد الإرهاب، أما الخطر الأمني على الجزائر فيتمثل حسب المتحدث في احتمال فرار المسلحين نحو الجزائر وما قد يتبعه من المطالبة بحق المتابعة، وفي هذه الحال فإن الجيش الوطني الشعبي لن يقف مكتوف الأيدي وبالتالي سيجد نفسه مجبرا على الرد. من جانبه توقف الدكتور مصطفى سايج أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر عند الدور الفرنسي في الأزمة المالية من خلال أربعة عناصر هي الأهمية الجيواستراتيجية للمنطقة بالنسبة لفرنسا، والتسويق السياسي للطرح الفرنسي وأخيرا الوسائل والتحديات. وخلص سايج إلى أن الشركات هي التي تصنع السياسة الإفريقية لفرنسا، وان منطقة الساحل تعتبر دائما منطقة لتجريب الأسلحة الفرنسية مذكرا بما قاله الرئيس الفرنسي الأسبق فراسوا متيران" السياسة الإفريقية لفرنسا هي آلف- طوطال وأريفا". أما كيف تسوق فرنسا لخيار التدخل العسكري فقد أشار المتحدث أن ذلك مبني على أربعة عناصر هي أن لا تتدخل عسكريا في المنطقة حتى لا تثير حساسية النيوكولونيالية وأنها تريد محاربة الإرهاب والانفصال ودعم حركة تحرير “أزواد" في نفس الوقت لأنها علمانية، وتريد تقديم الدعم اللوجيستي والمساعدات والظهور أنها بعيدة، وأخيرا العمل السري لنشر قواتها هناك. ووسائل تنفيذ هذه السياسة حسب المتدخل تتراوح بين الضغط على الحكومة الانتقالية في بماكو، والضغط على مجموعة “إيكواس"، والعمل على المستوى الإقليمي داخل الاتحاد الأوربي، وأخيرا العمل على مستوى مجلس الأمن، لكن تحديات كثيرة يقول سايج وقفت في وجه هذا الطرح، ما جعل الفرنسيين يبدون عاجزين عن الدفع نحو التدخل العسكري إن على مستوى الاتحاد الأوربي أو مجلس الأمن. وأعاد الدكتور برقوق التذكير بالمقاربة الجزائرية التي تقوم على ثنائية السياسي والأمني، وقال أن المشكلة المالية لابد أن تعالج في أربعة أطر لا أكثر هي إطار الجيش المالي، والقيادة المشتركة لدول الميدان" سيموك"، الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.