يتوقع السيد كمال رزاق بارة، مستشار رئيس الجمهورية، أن يصدر مجلس الأمن غدا تصريحا رئاسيا يوصي بإيفاد مجموعة عسكرية إفريقية لمساعدة حكومة مالي والتحضير لاسترجاع مناطق الشمال وتحريرها من قبضة التنظيمات الإرهابية، مؤكدا أن الجزائر، التي تدعو إلى حل الأزمة بالحوار السياسي مع التفريق بين التنظيمات الانفصالية والتنظيمات الإرهابية، تحذر من تبني تسوية تقوم على نظرة عنصرية وعسكرية محضة للأزمة في منطقة الساحل. وأوضح السيد بارة خلال المحاضرة التي ألقاها بجامعة الجزائر-3- تحت عنوان "الإشكالية الأمنية والسياسية في منطقة الساحل الإفريقي" أن تطور أزمة مالي إلى أزمة إنسانية وكذا العناصر والتهديدات التي تدخل ضمن مكوناتها، جعل المنطقة محل اهتمام من الرأي العام الدولي وانشغال خاص من قبل الفاعلين في المنطقة سواء الإقليميين مثل دول الميدان والمنظمة الاقتصادية لغرب إفريقيا "إيكواس" والاتحاد الإفريقي، أو غير الإقليميين، على غرار الولاياتالمتحدةالامريكية وفرنسا وبريطانيا ومنظمات الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي، مذكرا بالجهود التي يبذلها كل هؤلاء الفاعلين من أجل إيجاد حل توافقي لتسوية الوضع، سواء من خلال عمل مبعوثيهم الخاصين المكلفين بالمسألة، أو من خلال الحوارات القائمة داخل الأطر والهيئات الإقليمية والدولية، على غرار منظمة الأممالمتحدة التي سبق وأن أصدرت التوصيتين 20 /56 - 20/71 حول القضية، فيما يجتمع مجلس الأمن الأممي غدا (العاشر ديسمبر) في جلسة مبرمجة للنظر في الآليات المتاحة لحل الأزمة. في السياق، أوضح السيد رزاق بارة أن "جميع المؤشرات توحي بأن مجلس الأمن سيوصي بإيفاد مجموعة عسكرية إفريقية لمساعدة حكومة مالي والتحضير لاسترجاع مناطق شمال البلاد، مؤكدا أنه شخصيا لا يعتقد أن الأمر سيتم إقراره من خلال توصية "وإنما من خلال تصريح رئاسي من مجلس الأمن يطلب من مالي التعاون مع القوة العسكرية الإفريقية، التي ستتولى مهام إعادة الاستقرار إلى البلاد". وفي حين ذكر بالموقف الجزائري الرافض للتدخل العسكري في مالي، والمستمد من مبادئها وثوابتها الراسخة التي تنبذ أي تدخل في الشؤون السيادية للدول، حرص مستشار رئيس الجمهورية على التوضيح أن كلمة "التدخل" بالمفهوم الجزائري المرفوض هو ذلك الذي يتم من قبل دول معينة وليس تحت غطاء أممي "أما في حال أعطت الأممالمتحدة الرخصة للتدخل في إطار دولي منظم، ففي هذا الحال المفهوم يختلف"، مشيرا -في الصدد- إلى أن الجزائر تحذر من تبني أية تسوية للأزمة، تقوم على نظرة عنصرية تفرق بين الأطراف المعنية بالقضية، سواء من حيث الدين أو من حيث العرقيات التي يمثلها سكان هذا البلد أو بترك الانطباع أن الأزمة قائمة بين التوارق والزنوج، كما تدعو الجزائر -في السياق-، حسب المتحدث، إلى تفادي معالجة عسكرية بحتة للأزمة تحت دافع محاربة الإرهاب، وتوصي -بالمقابل- إلى اعتماد كافة الأساليب والوسائل المتاحة في مجال مكافحة هذه الآفة، ومنها العمل الاستخباراتي المنسق والوسائل الوقائية التي تشمل تقوية ركائز التنمية في المنطقة. ودعا السيد رزاق بارة إلى ضرورة التفريق بين طبيعة التنظيمات التي تنتشر اليوم في منطقة شمال مالي، حيث توجد منها تنظيمات انفصالية مثل حركتي "الأزواد" و«أنصار الدين" اللتان تحملان مطالب سياسية يمكن حلها من خلال الحوار مع حكومة مالي، بينما تحمل التنظيمات الأخرى كتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وحركة "التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا (موجاو)" الطابع الإرهابي، وقد تبين -حسب المتحدث- أنه في الوقت الذي يتبنى فيه التنظيم الأول طابع الإرهاب الديني والجهادي فإن التنظيم الثاني "موجاو"، الذي تم إدراجه قبل يومين في قائمة التنظيمات الإرهابية، يصنف ضمن المجموعات الإرهابية التي يرتبط نشاطها بالجريمة المنظمة وتعتمد على عمليات تهريب المخدرات وخطف الرهائن. وفي حين عاد إلى التذكير بمختلف العوامل التي أدت إلى تأزيم الوضع في منطقة الساحل، خاصة منها الحرب في ليبيا واستغلال بعض التنظيمات الموجودة في شمال مالي للوضع لنقل الأسلحة إلى المنطقة، وكذا البعد الاستراتيجي الذي يمثله موقع منطقة الساحل بالنسبة للشبكات الدولية لتهريب مختلف أنواع المخدرات سواء الكوكايين والهيرويين أو الحشيش، وخلص السيد رزاق بارة إلى أنه يتعين على المجموعة الدولية العمل من أجل إرساء حوار بين الأطراف الحقيقية في النزاع، ودعم جهود دول المنطقة في محاربة التنظيمات الإرهابية، موازاة مع دعم جهود التنمية الإقتصادية في المنطقة، مؤكدا أن الجزائر في إطار عملها الدبلوماسي وكذا جهود الوساطة تحرص دوما على إبلاغ أطراف الأزمة سواء الحكومة المركزية في مالي أو حركتي "الأزواد" و«أنصار الدين" بأنها لا تؤمن بدولة دينية ولا دولة عرقية في مالي، إنما تؤمن بالدولة الديمقراطية التي يحكمها القانون. وقد أعقب مداخلة مستشار رئيس الجمهورية، الذي يعتبر من الأطراف المتابعة عن قرب لملف الأزمة في الساحل، مداخلات لأساتذة جامعيين تناولت الموضوع بقراءة أكاديمية لمختلف أبعاده ومحاوره، حيث تطرق الدكتور محند برقوق إلى "الأبعاد الاستراتيجية للأزمة في مالي"، وتناول الأستاذ أحمد عظيمي "قراءة في المشهد العسكري في مالي"، بينما تمحورت مداخلة الأستاذ مخلوف ساحل حول "تفضيل مقاربة الأمن الإنساني لمواجهة الأزمة في الساحل"، فيما تطرق الأستاذ مصطفى سايج إلى "التنافس الأمريكي الفرنسي على المنطقة".