ثلاث بنات من ضحايا الكلاب يرقدن بمستشفى بن باديس بين الحياة و الموت هديل و سوسن أريج و أماني، ثلاث بنات صغيرات تتراوح أعمارهن بين سنتين و نصف و خمس سنوات،هاجمتهن كلاب شرسة في غفلة من ذويهن في الأيام الأخيرة، فتم تحويلهن على التوالي من مستشفيات الخروب و عين البيضاء و ميلة إلى المستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة، حيث يرقدن حاليا بين الحياة و الموت.النصربادرت بزيارة هديل و سوسن أريج و أماني، آخر ضحايا هجومات الكلاب، بمصلحتي جراحة الفك و الوجه و جراحة الأعصاب و نقلت على ألسنة أمهاتهن و أقاربهن و بعض أعضاء الفريق المعالج فصول معاناتهن. يحدث هذا ونحن على بعد أيام معدودة من سنة 2013 في الوقت الذي ترفع حولنا شعارات الوقاية خير من العلاج و حماية حقوق الطفل و نسمع عن تنظيم حملات تحسيس و توعية لتلقيح الكلاب ضد السعار و القضاء على الكلاب الضالة. هي مآسي متكررة تعيشها البراءة، ولا يمكن إلا أن تذكرنا بالطفلة وئام مسلم، ابنة العاشرة التي سبق ل"النصر" و أن سردت وقائع الكابوس الذي عاشته يوم 1 ديسمبر 2010 عندما مزقت فروة رأسها و وجهها و نهشت جسدها الصغير 10 كلاب بحي زواغي بقسنطينة و هي في طريقها إلى المدرسة و تابعت مراحل التكفل بها و اخضاعها للعديد من العمليات الجراحية و الترميمية بنفس المستشفى طيلة شهور، إلى أن عادت إلى حياتها الطبيعية في كنف والديها. روبورتاج :إلهام.ط تصوير: الشريف قليب هديل زرماني.. كلبان من نوع "بيتبول" انقضا عليها وهي تلعب في مرآب بيتها في الوقت الذي تمنع الدول الأوروبية تربية الكلاب من نوع "بيتبول"لأنها شرسة و خطيرة جدا،يقبل الكثيرون ببلادنا على اقتنائها بأثمان غالية تتراوح بين 7 و 10 ملايين سنتيم و يستخدمونها للتفاخر و التباهي و الحراسة و أيضا التخويف و التهديد و ربما الاعتداءات في بعض الحالات و في غياب قوانين تحظر بيعها و شرائها و تربيتها نراها كل يوم تتجول في الأحياء السكنية و الطرقات العمومية بين المارة دون أحزمة و أطواق واقية في معظم الأحيان.و آخر ضحاياها الطفلة الصغيرة هديل زرماني التي لا يتجاوز عمرها السنتين و النصف المتواجدة حاليا بمصلحة جراحة الأعصاب بالمستشفى حيث يتم التكفل بها من طرف الفريق الطبي المتخصص.عندما دخلنا إلى الغرفة المخصصة لها بعد طول بحث و سؤال عن حالتها وجدنا أما في زهرة العمر تذرف حزنها و خوفها دموعا غزيرة كالمطر، كست ملامح وجهها و خنقت صوتها و هي تضم فلذة كبدها و تحاول أن تشرح لنا معاناتها و هول الكارثة التي ألمت بها.رأس الطفلة كان ملفوفا بالضمادات و وجهها مليئا بالغرز و كانت الكدمات و التورمات و آثار الجروح و الخدوش جلية أمام أذنها و عينها و أسفل حاجبها و خدها و ساقها. كان جسدها شبه عار داخل غطاء يلفها من رأسها إلى قدميها وهي ممددة بين أحضان أمها، لكن هيهات أن يقاوم الجسد الصغير و النحيل الآلام العضوية و الصدمة النفسية دون أن يرتعش و ينتفض و يهتز حتى النخاع و يصرخ في صمت مهيب، لأنه استنفد كل قواه و لا يستطيع التعبير بالكلام أو حتى الأنين. الأم روت بأن ابنتها كانت تلعب كالعادة بمرآب منزل الأسرة، الكائن بحي صالح الدراجي ببلدية الخروب أمسية الخميس 20 ديسمبر الجاري،و عندما اقتربت عقارب الساعة من الثالثة ظهرا، سمعتها تصرخ،فركضت باتجاه المرآب لتجد كلبي أحد الجيران و هما من نوع "بيتبول"يفترسان بأنيابهما و مخالبهما الصغيرة هديل و صاحبهما يمسك بهما و يحاول إبعادهما عنها فخلصتها من مخالبهما بصعوبة. و أضافت بأنه تم نقل هديل في البداية الى مستشفى الخروب على جناح السرعة ليتم تحويلها في نفس المساء إلى مستشفى بن باديس و بالضبط إلى مصلحة جراحة الأعصاب.و في يوم الجمعة على الساعة الخامسة صباحا تم اخضاعها لعملية جراحية دقيقة على مستوى الرأس استغرقت أربع ساعات.و لم تستيقظ الصغيرة من غيبوبتها إلا في منتصف الليل.و لم تستطع التوقف عن البكاء طيلة حديثها المؤثر و استطردت قائلة بأن الطبيب الذي فحص ابنتها صباح أول أمس الأحد قال لها بأنه يخشى مضاعفات التمزقات الكثيرة التي أحدثها الكلبان بأنيابهما و مخالبهما على مستوى فروة الرأس و الأعصاب. و كشفت الأم إلى أن لهديل أختا توأما تدعى لميس لا تكف عن مناداتها و البكاء حزنا لفراقها. كما أن أختهما الكبرى التي تبلغ ست سنوات من عمرها لا تزال تحت صدمة افتراس هديل من طرف كلبين أمام عينيها.و شرحت بأنها كلما تذكرت نجاة الطفلة وئام بزغ الأمل في أعماقها و تسلحت أكثر بالصبر و الإيمان و الدعاء.و قد أكد لنا أعضاء من الفريق المعالج بالمصلحة بأن الصغيرة تجاوزت مرحلة الخطر وهي الآن تخضع للمتابعة و الرقابة الطبية المكثفة و المستمرة إلى أن تتحسن حالتها. سوسن أريج بولخوة نهش جسدها كلب مسعور و هي تداعب فروة رأسه الصغيرة سوسن أريج بولخوة ذات السنتين و النصف، نموذج حي آخر لوحشية كلب ضال افترسها على بعد أمتار من منزل جدتها بمدينة عين البيضاء بولاية أم البواقي.وجدناها ممددة على سريرها رفقة أمها بقاعة خاصة بمصلحة جراحة الفك و الوجه بمستشفى بن باديس و هي في حالة يرثى لها. و لا يزال رأسها ملفوفا في الضمادات و وجهها جد متورم و مليء بالكدمات و الغرز لقد تمت خياطة التمزقات التي أصابته من كل الاتجاهات حتى أنها تفتح بصعوبة عينيها و هي تبذل جهدا لامتصاص قطرات حليب من رضاعتها. و أكدت لنا والدتها الشابة بأن حالتها تحسنت كثيرا مقارنة بالأيام الماضية لدرجة أن طبيبها المعالج سمح لها بالخروج و أخذ قسط من الراحة بمنزل أسرتها و العودة لمواصلة العلاج بالمصلحة بعد أربعة أيام. و سردت علينا الحادثة المروعة قائلة:"توجهت و أبنائي الثلاثة إلى منزل والدي لقضاء بضعة أيام و في أمسية السبت 15 ديسمبر الجاري خرجت الصغيرة للعب مع إخوتها و أبناء أخوالها و خالاتها قرب البيت .و لم تلبث أن ابتعدت عنهم قليلا لتجلس بمفردها و تستمتع بتناول كيس مليء بشرائح البطاطس "شيبس"و اذا بكلب يقترب منها فداعبت فرو رأسه بكل براءة،ففوجئت المسكينة بالحيوان يهجم عليها و يمزق وجهها و شفتيها و لثتها و فروة رأسها و يقتلع أسنانها و ينهش أطرافها بسرعة البرق أمام بقية الأطفال الذين أصيبوا بالهلع و تسمروا في أماكنهم باستثناء طفل من أبناء الجيران.حاول مساعدتها فعضه هو أيضا. ومن هول الصدمة لم تصرخ بسرعة و عندما هرعت إلى عين المكان اقتلعتها بصعوبة من بين مخالبه الحادة فحاول الانقضاض علي لكن والدي الذي لحق بي ضربه بعصا و ركضت باتجاه البيت فإذا به يجري خلفي و يعضها من ساقها. نقلنا سوسن أريج و هي بين الموت و الحياة إلى مستشفى عين البيضاء و تم تحويلها على جناح السرعة إلى مستشفى قسنطينة و بالضبط إلى هذه المصلحة حيث تخضع لعلاج مكثف و العديد من العمليات الجراحية خاصة في الوجه و الفم و الفكين المصابين بكسور و تمزقات عميقة .لقد ثبت بعد قتل الكلب الضال المفترس و فحص رأسه بأنه مصاب بالسعار و بالتالي التكفل بها مزدوج و دقيق. المسكينة كانت تبكي ليلا نهارا من شدة الألم و الرعب و لم تكن تستطع النوم و الأكل لكن بفضل العلاج الطبي المكثف بدأت قبل يومين تقريبا تظهر عليها علامات تحسن طفيف و طالبت بالحليب و أصبحت تنام نوما متقطعا ،"المهم أنها نجت من الموت أدعوا لها أرجوكم بالشفاء العاجل". رئيس المصلحة قال لنا بأن الصغيرة التي تخضع للتكفل الطبي و الجراحي و النفسي حضرت في حالة يرثى لها و هي الآن تتحسن تدريجيا بفضل جهود الطاقم الطبي و شبه الطبي و قد تجاوزت بكثير مراحل الخطر الكبرى. أماني مسبوط هاجمها كلب ضال في طريقها إلى مدرستها في السرير المجاور لسرير سوسن أريج ابنة عين البيضاء، ترقد الصغيرة أماني مسبوط ابنة الخمس سنوات، بين أحضان والدتها منذ يوم 2 ديسمبر الجاري.تاريخ اليوم المشؤوم الذي تعرضت فيه لاعتداء وحشي من كلب متشرد و لا يمكن أن يختلف اثنان على أنها أخطر من الحالتين السابقتين بمجرد مشاهدة وجهها المشوه و جسدها الممزق.لكن أعضاء من الفريق الطبي بالمصلحة طمأننا بأن حالتها مستقرة الآن و قد نجت بأعجوبة من هلاك مؤكد. قالت لنا والدتها بأن العائلة تقيم بقرية تسالة لمطاعي بولاية ميلة و في صبيحة الأحد الثاني من ديسمبر ذهبت أماني كالعادة إلى منزل صديقتها لترافقها إلى المدرسة لأنها تدرس بالقسم التحضيري لكنها لم تجدها فذهبت بمفردها .و بعد دقائق حضر جار ليخبرها بأن ابنتها الصغرى هاجمها كلب و هي في طريقها إلى المدرسة و هرعت إلى عين المكان لتجدها وسط بركة من الدماء ممزقة الجسم والوجه و الرأس تنزف و تصرخ من شدة الألم، بينما لاذ الكلب بالفرار و لا أحد تمكن من العثور عليه للتأكد بأنه مصاب أم لا بالسعار. و تم نقل أماني على جناح السرعة إلى مستشفى ميلة ليتم تحويلها إلى مستشفى قسنطينة.و مكثت معها والدتها تاركة خلفها خمسة أبناء آخرين يمزقهم القلق و الخوف.فقد كانت أماني طيلة 15 يوما في حالة غيبوبة عميقة بقاعة العناية المركزة حتى كاد اليأس يفتك بوالديها و شاء الله أن تستيقظ و تدب بجسدها النحيل المهشم الحياة لتحظى بالتكفل المناسب بمصلحة جراحة الفك و الوجه.والدتها متفائلة رغم كل شيء لأنها رصدت و عاشت كل المراحل الخطيرة التي مرت بها و قالت بهذا الخصوص:"مادامت أماني خرجت من قاعة الانعاش على قيد الحياة فسينجيها الله لقد حمتها الملائكة من الكلب المفترس". و أضافت بأن صغيرتها سردت عليها كل ما حدث لها في طريقها إلى المدرسة يوم الثلاثاء و بدأت تأكل و تنام بعد تناول الدواء وهي مؤشرات إيجابية.كما أعرب لنا أعضاء من الطاقم الطبي عن رضاهم على المرحلة التي بلغتها من العلاج.