إياد غالي و إنتالا لم يستشيراني ولم يطلبا دعمي لاقامة دولة شمال مالي قال أمنوكال قبائل التوارق إيدابير أحمد أنه التقى مرارا بقادة المتمردين في شمال مالي، لكنه يرفض الخوض في مسائل لم تتم استشارته بشأنها، و قال أنه يحترم ما تقوم به السلطات الجزائرية من عمل عميق في صالح التوارق من خلال تداعيات أزمة شمال مالي، و لا يريد أن يتدخل ما لم يطلب منه المسؤولون عن الشؤون الخارجية في الجزائر من رئيس الجمهورية و وزير الخارجية ذلك، معترفا أن التوارق في شمال مالي تم التلاعب بهم من طرف قوى أجنبية لها غاياتها في منطقة الساحل. أجرى الحوار: مبعوث النصر إلى تمنراست عمر شابي تصوير:الشريف قليب أمنوكال التوارق و هو الزعيم الروحي و المرجعية الأساسية في شؤون قبائل التوارق المتوزعين بين مالي و النيجر و ليبيا و الجزائر و موريطانيا ذكر أنه عند سقوط نظام القذافي عاد البعض من التوارق الذين كانوا يقاتلون إلى جانبه و معهم أسلحة كثيرة و عبر بعضهم عن الرغبة في تحقيق حلم قديم وعدهم به الزعيم الليبي السابق يتمثل في إقامة دولة للتوارق في كامل المناطق التي يتواجدون بها عبر الدول الخمسة في منطقة الساحل الافريقي، لكنه رفض التلاعب السياسي بأبناء التوارق من مختلف الجهات التي تدعي العمل لصالحهم. و يعني لقب "أمنوكال" حرفيا في لغة التوارق صاحب التراب أي مالك الأرض. و تم تحريفه إلى كلمة أمين عقال جمع عقلاء و يتوارث التوارق عادة اختيار الأمنوكال منذ القرون الغابرة، و لهم سلسلة زعماء قبليين مشهورين منهم باي أخاموك أخ الأمنوكال السابق حاج موسى أخاموخ و الذي تولى الزعامة في قبائل التوارق من 1951 إلى 1975 و قد رفض تلبية دعوة الجنرال دوغول لزيارته في باريس و قال "إذا كان دوغول يريد لقائي فلماذا لا يأتي إلي هنا في بلادي" و قد زاره دوغول في صحراء التوارق غير بعيد عن تمنراست و طلب منه الانحياز إلى صف فرنسا عندما كانت تريد تقسيم الجزائر، لكن باي أخاموك رفض الانفصال عن إخوته في الدين و الوطن و قال سأبقى إلى جانب إخواني المسلمين. و قد استهل حديثه معنا بالتذكير أن التوارق في الجزائر جميعهم لا يزالون على عهد باي أخاموك و هم لا يريدون سوى الاحترام و التقدير الجديرين به، مشيرا أنهم كباقي المواطنين الجزائريين يتقاسمون الوضعية نفسها السائدة في الشمال من نقص في توزيع البرامج التنموية و لكن الحالة تحسنت كثيرا حسب الأمنوكال، فقد انتقل التوارق من شظف العيش في الصحراء القاحلة إلى الرفاهية بفضل مشاريع الطرقات التي قلصت المسافات البعيدة و برنامج الرحلات الجوية التي تربط عاصمة الهوڤار بالجزائر العاصمة كل ليلة و قال أن الناس في تمنراست و ما جاورها يحمدون الله و لا يبحثون سوى عن عمل يحفظ كرامتهم. مضيفا أن عددا من مطالب التوارق سيتم طرحها في اجتماع الأعيان و زعماء القبائل المنتظر عقده قريبا. تشعب الحديث من أمنوكال التوارق و طال و كان خادما له طيلة تواجدنا في صالون البيت الفسيح لا يكف عن تقديم أكواب الشاي و العصير و بعض المكسرات. النصر: بداية ما هي أهم مطالب و اهتمامات التوارق حاليا؟ أمنوكال ايدابير: لا يطلب الناس هنا إلا شيئا و احدا و هو الاحترام و إذا أحسوا أنك تحترمهم فهم لا يريدون شيئا آخر لأنهم تعودوا الاعتماد على النفس، كما أنهم لا ينكرون الخير و ما تحقق على مدى السنوات الخمسين الماضية من عمر الجزائر المستقلة، و قد تحسنت الأوضاع المعيشية لبعض التوارق تماما مثل بقية سكان التل و لكن هناك تفاوت بين الناس في الرزق و هذا طبيعي و من يعمل و يجتهد سيجد حتما نتيجة كده و تعبه. النصر: كيف هي علاقات التوارق مع الإدارة؟ أمنوكال ايدابير: علاقاتي مع الإدارة جيدة و متميزة و محترمة و كل مرة يأتي والي تمنراست ليسأل عن الأحوال و يستطلع الأوضاع و بدوري أقوم بطرح بعض القضايا عليه و منها ما يتمكن من حله و في الكثير من الحالات يستجيب لما أطلب منه، و هو يخدم كل أبناء ولاية تمنراست من التوارق و من غيرهم من الجنسيات و العرقيات دون تمييز. النصر: بعض التوارق في دولة مالي المجاورة قاموا بإعلان الانفصال في اقليم الأزواد ، ما هو موقف توارق الهوڤار و أنت زعيمهم؟ أمنوكال ايدابير: توارق شمال مالي إخوتنا و بنو عمومتنا و لكن مالي دولة قائمة بحد ذاتها كما ان الجزائر دولة بذاتها و أنا كأمنوكال للتوارق جميعهم لا أتمنى الشر لأحد منهم و لا أريد أن يصاب أي مسلم بأذى، و أترك الخوض في موضوع شؤون توارق شمال مالي لمختصين و المعنيين في دولتي الجزائر لأنهم أدرى بأمور في الموضوع مني و لدي رئيس جمهورية ووزير خارجية يقومان بدورهما في المسألة و حين يطلبان مني التدخل للمساعدة في أمر معين سأفعل لكنهما حتى الآن لم يطلبا تدخلي. النصر: هل طلب منك قادة و زعماء من التوارق التدخل لصالح دعم موقفهم في قضية انفصال شمال مالي؟ أمنوكال ايدابير: لا، لم يحدث. أعرف جيدا قادتهم من إياد غالي (زعيم حركة أنصار الدين ) إلى أنتالا و هما زعيمان لتوارقالأزواد و قد إلتقيتهما مرات كثيرة و لم يفاتحاني في موضوع إعلانهما لدولة جديدة في شمال مالي، و ما داما لم يطرحا علي الموضوع بقيت بعيدا عن شؤونهما الداخلية الخاصة بهم كتوارق في دولة مجاورة، و لكن لو طلبا مني الرأي كنت قدمت لهما النصيحة و هناك قوى و مصالح أجنبية كثيرة تتلاعب بالتوارق في منطقة الساحل و على الداعين إلى قيام دولة للتوارق في الصحراء الكبرى التبصر و التريث و النظر بحكمة لعواقب الأمور. النصر: يقول البعض أن شباب التوارق بعد موت القذافي عادوا مدججين بالأسلحة و قرروا متحمسين من أثر المعارك التي شاركوا فيها في ليبيا أن يقيموا دولة لهم، كان القائد الليبي قد وعدهم بها في مرات عدة آخرها لقاء تمبكتو في 2006؟ أمنوكال ايدابير: سألوني مرارا عن ذلك و قد قلت في جمع من التوارق عندما حضرت أحد الأعراس بخصوص توارق ليبيا أن قيام التوارق بعمل سياسي بعد سقوط نظام القذافي مرفوض و في غير صالحهم، و أن تجارتهم بالسلاح الذي غنموه من مخازن القذافي أيضا مضر بهم و لا يجلب عليهم سوى المشاكل، و لكنني قلت في نفس اللقاء و أيد كثير من زعماء القبائل موقفي أن التوارق العائدين من ليبيا يحملون الأموال و كنوز المعادن النفيسة مرحب بهم بيننا و تمنيت أن لا يترك التوارق شيئا من أموال القذافي و هذا موقفي المعلن و لا أخفيه و قد أخذ القذافي من التوارقالكثير و من حقهم أن يأخذوا ما وجدوا تحت أيديهم من أمواله، أما بخصوص رغبة البعض في قيام دولة للتوارق في الصحراء فأنا مع موقف دولتي الجزائر و التي تحمي كل التوارقالحاملين للجنسية الجزائرية و غيرهم من جاليات دول أخرى مجاورة لأنهم إخوتنا يعيشون في دول فقيرة و لا يجدون سندا أو مساعدة إلا عند إخوانهم توارقالجزائر. النصر: هل تجد لك دورا في تسيير شؤون التوارق، بينما مختلف الأطراف تريد التدخل في نطاق تواجدهم الطبيعي؟ أمنوكال ايدابير: أقوم بدوري وواجباتي تجاه التوارق من كل الجنسيات و أخصص كامل فترة المساء من كل يوم لاستقبال الناس و النظر في مشاكلهم و توجيههم و حل خلافاتهم، و التدخل أحيانا لدى الجهات الإدارية لتسوية ما يصادفه التوارق من صعوبات و غالبا ما تتم الاستجابة لطلباتي من طرف الجهات الإدارية التي تفهم جيدا دوري كأمنوكال و تجد أحيانا راحتها في قيامي بحل المشاكل و فض النزاعات بين ابناء القبائل المختلفة، طبعا وفق طريقتنا التقليدية التي تقوم على التشاور و النقاش و اتخاذ القرار الذي يكون في صالح الجماعة. النصر: سمعنا أن للتوارق نظامهم القضائي الخاص فهل تقيمون جلسات للمحاكم التارڤية، و كيف تسيرونها و ما هو القانون الذي تحتكمون إليه فيها؟ أمنوكال ايدابير: فعلا لدينا التقليد المتوارث عن الأسلاف في معالجة النزاعات باللجوء إلى الأمنوكال و أنا غالبا ما أرى نفسي في مواجهة خلافات بين الناس عادة ما تكون بسيطة تجارية المنشأ و الطبيعة و لكن عليك أن تعرف أن الأمنوكال لا يحكم في القضايا المتعلقة بالجرائم و المخالفات التي يرتكبها التوارق و التي تخضع لحكم القانون الجزائري تماما كبقية المواطنين في مختلف ولايات الجمهورية، نمارس العمل القضائي في مجالات معينة بمعرفة و مشورة و دعم من المسؤولين عن الجهاز القضائي الرسمي في مجلس قضاء تمنراست و قد قال مرة رئيس المحكمة أنه يفضل ان يأتي الناس إلي لطرح خلافاتهم و تسويتها بالتراضي فيما بينهم على قدومهم إلى المحاكم. النصر : لكن كيف تحكمون بين الناس؟ أمنوكال ايدابير: عندما يأتيني متخاصمان أطلب منهما إن كانا يرضيان بما أقرره في شأنهما، و بالطبع يكونا راضيين لأنهما جاءا بمحض إرادتهما يبحثان عن حل للخلاف بينهما، حينها اطلب منهما أن يختارا من يفصل في قضيتهما من بين الشيوخ المتفقهين في الشريعة و أدلهما على قائمة معروفة من الذين يقومون بفعل الخير و إصلاح ذات البين بين الناس و حين يختاران من يرضيان بحكمه أتصل به و اطلب منه النظر في القضية و هكذا يجد المتخاصمون من أبناء التوارق نفسهم بعيدين عن متاعب القضاء و تكاليف اتعاب المحامين و الوثائق الإدارية المرهقة بالنسبة لهم، و حين لا يرضى أحد الأطراف بالحكم أقوم بتوجيهه إلى العدالة لطرح قضيته و معالجتها من حيث القانون العام. و لكن في الغالب ننظر في القضايا المتعلقة بشؤون الأسرة و بعض المعاملات التجارية دون الخوض في المسائل المعقدة و المتعلقة بمواضيع حساسة لها تشعبات في مواقع و لدى أطراف أخرى. النصر: تحكمون إذن بالشريعة الإسلامية؟ أمنوكال ايدابير: نعم هي مرجعنا الأول و لنا طريقتنا في جعل الدين يحكم تصرفاتنا و لدى الشيوخ في الزوايا مهابة و مكانة كبيرة و تقدير و احترام في أوساط الناس، كما نحكم بالعرف الجاري بين الناس و قد تعودنا على تسيير شؤوننا بهذه الطريقة و بما سار عليه العرف و التقليد و ليس لدينا شيوخ متزمتون و لا متطرفون يفسرون النصوص و الأحكام الدينية بالطريقة التي تجعل المتخاصمين ينفرون منهم، فالتقاليد الدينية للتوارق لم تتأثر بالموجة الجديدة من المتدينين و بقيت لدى الأغلبية الساحقة من الناس على طبيعتها الأولى متسامحة و اجتماعية. بعد خروجنا من بيت أمنوكال التوارڤ ايدابير أحمد في حي الحفرة بمدينة تمنراست كان الشارع المحاذي للبيت يحمل اسم باي أخاموك، و قد وجدنا لسلطان أمنوكال التوارق ما يفرض على غيرهم الهيبة من الوقار و البساطة المدهشة و التفتح الكبير على قضايا العصر و الاستعداد للتعامل مع متغيرات الأزمنة الحديثة لخدمة مصالح الجماعة، و جعل التوارق يفخرون على بقية الشعوب المجاورة لهم بجنوحهم للسلم بينما هم قادرون دون سواهم على خوض الحرب.