طرحت “الخرجة” الإعلامية الأخيرة للقائد الليبي، معمر القذافي، في لقائه بقبائل التوارق، شمال مالي، تساؤلات حول توقيتها والهدف منها، ما يطعن في وضعها في خانة الصدفة أو البراءة، خاصة وأن مواقف مماثلة مشبوهة بدرت منه ومن نجله، سيف الإسلام، تسعى للاستثمار في مشاكل التوارق. ففي الوقت الذي تسعى الجزائر إلى إنجاح مشروع توحيد جهود مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل في ظل تصعيد أمني خطير، نظمت المغرب حملة إعلامية ضدها، وهاهي طرابلس تلتحق بالركب من خلال الخطاب الأخير للقائد معمر القذافي، الذي لا يخلو من الاتهامات. وعلى عكس ما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية، خاصة في المسائل الحساسة والسرية، أعاد القذافي على مسامع التوارق ما زعم أنه حديث دار بينه وبين رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، وأن الجزائر “تخوفت” من تطويق ليبي بعد تعيين ليبيا قنصلا لها بكيدال، شمال مالي، أو من احتضان ليبيا للتوارق وتوقيعها عملية السلام بين الحكومة والمتمردين التوارق، رغم أن التاريخ لن يمحي وساطة الجزائر لمدة تفوق الثلاث سنوات من أجل الحفاظ على السلم في شمال مالي، وإعادة إدماج المتمردين التوارق وبعث مشاريع تنموية في كيدال، تطبيقا لروح اتفاقية الجزائر الموقعة في جويلية 2006. ويبدو أن القائد الليبي، معمر القذافي، الذي تحدث بنبرة اتهام ومحاولة توريط الجزائر في الهجوم المسلح الذي قام به متمردون توارق في كيدال بقيادة “حسان فقاقة” الذي حضر اجتماعات الوساطة في الجزائر “مباشرة” بعد تعيين القنصل الليبي، حسبما نقلته وكالة الأنباء الليبية في نص الخطاب، تحرك هو الآخر بإيعاز مثلما تفعله “الشقيقة” المغرب لحاجة في نفس يعقوب، والقاسم المشترك بينهما أن الدولتين احتجتا على ما اعتبرته تهميشا وإقصاء من المشاركة في هيئة أركان القيادة المشتركة لدول الساحل التي أقامتها الجزائر في تمنراست، وتفهم التحركات المغربية الليبية على أنها محاولة لإفشال “زعامة” الجزائر في الملف الأمني في منطقة الساحل وعزلها خدمة لأطراف غربية، تسعى إلى اقتسام المنطقة وفق مخطط جديد مقابل ما تعد به المغرب بدعمها في ملف الصحراء الغربية، وليبيا بإعادتها إلى الساحة الدولية وتحسين علاقاتها مع واشنطن، وقضية لوكاربي، وأمور أخرى لا تخرج إلى العلن. وقد حاول القذافي في خطابه إعادة احتضان كل قبائل التوارق، وهو صاحب مشروع الصحراء الكبرى، بإنكار جهود الجزائر في عملية السلام شمال مالي، وتقديم وعود للتوارق ببذل المزيد من الجهود لتحقيق الاستقرار وخدمتهم وإدماجهم في المجتمع. القذافي، الذي قال إنه أشرف على عملية السلام وأقنع المتمردين بالتخلي عن السلاح والاستجابة إلى نداء السلم، دعاهم إلى الاستجابة له بحجة أنهم “محسوبون عليه “، غير أن في الأمر استهانة بجهود الجزائر في إقرار السلم في منطقة الساحل، بدءا من إطفاء فتيل الفتنة بين التوارق وحكومة مالي، إلى تجسيد تنسيق وتعاون ميداني في مكافحة الإرهاب كثرت حوله العراقيل في السر وفي العلن. معمر القذافي، وبعد كل هذا تبرأ من محاولة الوقوف ضد الجزائر بالقول “ليس لديه شيء ضد الجزائر”، وعلى نغمة المصريين أصبحت ليبيا هي من حرر الجزائر، فالقذافي قال في خطابه “معقول نحن نحب الجزائر .. الجزائر بلدنا، ونحن أعطينا كل شيء للجزائر حتى تتحرر، وفي ذلك الوقت كنا نحمل السلاح صحيح ونقاتل حتى نحرر الجزائر ، فكيف أن البلد التي حررناها، نحن نتآمر عليها ؟!”. ويبدو حسب خرجة القائد الليبي أنه على الجزائر بذل المزيد من الجهد، ليس فقط لتجاوز عراقيل الدول الغربية، ولكن أيضا عراقيل “الأشقاء والجيران أيضا“. من جهة أخرى، حذر القذافي قبائل التوارق من خطورة الإرهاب ودعاهم إلى الابتعاد عما أسماه بمستنقع الصحراء حتى لا يمنحوا لدول غربية مبررا للتواجد في المنطقة بحجة حماية مصالحها ورعاياها.