موقعة مرمورة التي كسرت شوكة الاستعمار أحيى سكان ولاية قالمة أمس ذكرى معركة مرمورة الخالدة وسط أجواء من التضامن و الخشوع أمام شهداء الموقعة التاريخية التي غيرت موازين القوى بمنطقة الشرق الجزائري و دفعت بالاستعمار إلى إعلان أقاليم بأكملها مناطق محرمة ليلا و نهارا. جبل مرمورة الموقع الجغرافي الصغير الذي صار كبيرا بعد 28 ماي 1958 ، هنا سقط خيرة ضباط جيش التحرير الوطني في واحدة من كبرى المعارك التي استعمل فيها العدو أحدث التكتيكات الحربية كالقصف الاستراتيجي و التطويق و التدمير الشامل باستعمال المدفعية الثقيلة و المقنبلات العملاقة و القنابل العنقودية الحارقة التي كانت السبب الرئيسي في إبادة كتائب جيش التحرير المرابطة بالجبل الشهير الذي تحطمت فيه شوكة الاستعمار و مني بهزيمة كبيرة، بعد أن فقد أحد قادة معركة بيان ديان فو العقيد الطيار جون بيار الذي جاء متطوعا لمنطقة قالمة و أمرته القيادة الفرنسية بالإشراف على معركة مرمورة بالنظر إلى أهميتها الكبيرة بالنسبة للقادة الفرنسيين الذين وصلتهم معلومات مؤكدة عن تواجد 6 ضباط كبار لجيش التحرير بمنطقة بوحمدان الواقعة على بعد 30كلم تقريبا غرب قالمة منهم دحمون الطاهر ، خليفة ختلة ، مصطفى بولدروع و سي محمود الحروشي. و حسب الروايات المتداولة وسط سكان بلدية بوحمدان المنطقة المحرمة خلال الثورة، فإن كتائب جيش التحرير كانت منتشرة بالمشاتي المحيطة بجبل مرمورة و كان الضباط الستة بمركز بوحمدان تحرسهم نخبة من جيش التحرير و قبل مغادرتهم للمكان قرروا أخذ صور تذكارية رفقة العلم الوطني و قطع السلاح و كانت الصورة الأولى جماعية بدون سلاح و الثانية جماعية بالسلاح و الثالثة ثنائية كل ضابطين مع بعضهما البعض كان الجميع في غاية السعادة و النشوة و كأن السماء أرسلت عليهم سكينة قبل أن تأخذهم إليها. و خلال مرحلة التقاط الصور مر شخص قرب المكان و أمعن النظر في المجموعة و عرف بأن الأمر يتعلق بصيد ثمين إنهم الضباط الستة أسود جبال بوعربيد ، القرار ، مليلة ، دباغ ، طاية ، عيون القصب و ماونة. خائن للدين و الوطن رصد الموقع بدقة ثم سارع إلى قيادة الاستعمار بمدينة وادي الزناتي و أطلعها على ما لم تكن تتوقعه ، بدأت الاتصالات المكثفة بين قادة العدو في الجزائر و في فرنسا لوضع خطة قد تكون قاسمة للثورة المتأججة. و في غضون ساعات قليلة بدأت القوات تتحرك ليلا من قالمة و قسنطينة و عنابة و سوق أهراس. و حسب عبد المجيد فرج الله منشد الثورة و أحد سكان بوحمدان الذين عايشوا اليوم التاريخي، فإن فرقة النخبة المكلفة بحراسة الضباط بمركز بوحمدان لم تنتبه للشخص الذي مر بالمكان إلى بعد فوات الأوان حيث حاولوا اللحاق به لكنه اتخذ مسالك صعبة و ابتعد تاركا علامات استفهام كبرى وسط فريق الحراسة هل يطلعوا الضباط على الأمر و يتحملوا العقوبة القاسية أم يتركوا الأوضاع على حالها فقد يكون الشخص عابر سبيل دفعه الفضول إلى مشاهدة كبار ضباط جيش التحرير عن قرب بعد أن ظل يسمع عنهم ما يشبه الأساطير كما سكان المنطقة. نادى المنادي منتصف الليل "آو عليكم القوة راهي جات من كل بلاصة" صوت حارس الثورة الذي دوى في الفضاء الفسيح و مزق سكون الليل الرهيب ، انكشف الأمر إذن و أدرك الضباط بأن الشخص الذي مر من أمامهم ما هو إلا خائن. أحكمت قوات العدو حصارها على المنطقة ليلا و سدت كل المنافذ لمنع خروج الكتائب المحاصرة التي أدركت بأن موعدا مع التاريخ قد حان. صمد الأبطال على محاور الاقتتال و تحملوا قنابل الغاز و قصف الطيران و المدفعية على امتداد جبل مرمورة. يقول سكان المنطقة بأن قطعان المواشي و الحيوان البرية قد هربت من المنطقة من شدة القصف و انتشار الغاز السام على نطاق واسع. تم دك الجبل الحصين و اعتقد قادة العدو بأن الامر قد حسم و أن الكتائب قد أبيدت فانتقل إلى مرحلة التمشيط باستخدام القوات البرية التي تقدمت ثم تراجعت تحت إطلاق نار كثيف فاجأ العدو الذي كان يظن بأن الامر قد حسم عن طريق القصف الاستراتيجي، جن جنون جان بيار و ضغط على قوات المشاة و أجبرها على التقدم باستعمال السكان كدروع بشرية و هي جريمة حرب مازال مسكوتا عنها إلى اليوم. و استطاع قناصة جيش التحرير المختبئين بين الصخور توجيه ضربات موجعة و دقيقة لخطوط العدو حتى أن قناص الثورة المقدسة كان يحسن التصويب و يفصل بين جندي العدو و الرهينة الذي تحول إلى درع بشري. و ظل جان بيار يضغط على جنوده و يحلق منخفضا على قمة الجبل حتى ان كان يرى جنود جيش التحرير بالعين المجردة يحدد مواقعهم ثم يعطي التفاصيل لوحدات المدفعية لقصف الموقع و اتخذ الأبطال قرارا بوضع حد للمجرم العنيد بطل حرب الهند الصينية اتخذوا مواقعهم و انتظروا عودة الطائرة الصغيرة و أفرغوا فيها ما بقي لهم من رصاصات بعد يومين كاملين من القتال العنيف. سقط العقيد برصاص الأبطال الذين تقول الروايات بأنهم كانوا شبابا صغارا يشع النور من وجوهم. سقط العقيد و جن جنون العدو فانتقل إلى الأسلحة الكيميائية المحرمة ، أحرق الجبل دمر الصخور و قضى على آخر بطل من أبطال مرمورة ثم انتقل إلى تصفية الحساب مع السكان ، إعدامات ميدانية اغتصاب و تهجير و أخيرا إعلان الإقليم التاريخي منطقة محرمة تحرسها طائرات الاستكشاف ليلا و نهار قتلت الرعاة و الفلاحين بحقول القمح و حولت قطعان المواشي إلى هدف لقناصتها المبتدئين انتشر الرعب و الخوف عبر الإقليم و استفحل الجوع و الفقر بين السكان الذين حرمت عليهم حقولهم و مراعيهم و انتهى بهم القهر و الإذلال وسط المحتشدات لكنهم لم يستسلموا حتى تحطمت كبرياء العدو و أجبر على الرحيل. فريد.غ