تمر اليوم خمس سنوات على التزكية الشعبية لميثاق السلم والمصالحة الوطنية بنسبة قياسية بلغت 36،97 بالمائة، أكدت إرادة الشعب الجزائري في مواصلة مسيرة السلم التي بدأت مع الوئام المدني الذي تبناه من قبل وإصراره كذلك على تجاوز الأحقاد ومحو أثار الأزمة المأساوية التي عصفت بالبلاد على مدى أكثر من عشرية. وقد مكنت المصالحة الوطنية من تحقيق تحول جذري على جميع المستويات بما عزز السلم والأمن في ربوع الوطن ودفع المسار التنموي إلى أشواط غير مسبوقة وانعكس ذلك إيجابيا في تقوية هيبة الدولة ودعم مكانة الجزائر في المحافل الدولية. ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي أبقى باب التوبة مفتوحا للمغرر بهم مكن العشرات من المسلحين في الجبال من تسليم أنفسهم ووضع أسلحتهم والإستفادة من تدابيره القانونية بعد أن كان قانون الوئام المدني قد سمح بنزول 6 آلاف مسلح من الجبال وعودتهم إلى أحضان المجتمع.وقد رصدت الدولة أكثر من 22 مليار دينار (2200 مليار سنتيم) لتعويض ضحايا المآساة الوطنية من عائلات المفقودين وضحايا الإرهاب والذين سرحوا من مناصب عملهم لأسباب تتعلق بالمأساة الوطنية. وحسب رئيس خلية المساعدة القضائية لتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية مروان عزي فقد تم إلى حد الآن تسوية 6420 ملف للمفقودين خلال المأساة الوطنية من أصل 6544 ملف، مشيرا إلى أنه تم في هذا الإطار إصدار أحكام بوفاة هؤلاء المفقودين الذين تمت تسوية ملفاتهم وتعريف عائلاتهم ولم يتبق - حسبه - إلا 124 ملفا لم تتم تسويتها بعد لعدم حصول عائلات هؤلاء المفقودين على محاضر معاينة الفقدان كوثيقة ضرورية لاستخراج الأحكام بالوفاه. وذكر في ذات السياق أن 12 عائلة من بين عائلات المفقودين رفضت التعويض، وهي مرتبطة حسبه بالجمعيات التي تقول أنها تدافع عن حقوق عائلات المفقودين. وتحاول بعض الجمعيات بالتنسيق مع منظمات دولية استغلال هذا الملف لأغراض سياسية لها علاقة بأجندة أطراف أجنبية.كما أن الأشخاص الموجودين في الخارج ممن أرادوا الإستفادة من تدايبر المصالحة الوطنية واشتكوا من طول الإجراءات صدرت في حق أغلبيتهم أحكام غيابية، وملفاتهم ترسل من قبل التمثيليات الدبلوماسية الجزائرية في الخارج إلى وزارة الشؤون الخارجية ثم إلى وزارة العدل ثم النيابة العامة لغرفة الإتهام للمجالس القضائية وهو ما يفسر طول الإجراءات لتسوية ملفات هذه الفئة. وخلال الخمس سنوات من عمر المصالحة الوطنية ظل رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة يرعى شخصيا هذا المسعى الذي بادربه واحتضنه الشعب في استفتاء 29 سبتمبر 2005 وأعطى تعليمات للحكومة ولجميع الجهات المعنية بوجوب تدارك النقائص وتخفيف الإجراءات الإدارية في معالجة ملفات المستفيدين من تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. وتطبيقا لهذه التعليمات قامت الحكومة بإدراج نصوص في قانون المالية لعام 2009 تتعلق بالتكفل بأفراد الخدمة الوطنية من ضحايا الإرهاب، وتخصيص غلاف مالي موجه للرفع من منح المتطوعين لمكافحة الإرهاب (فرق الدفاع الذاتي).وتعطي المادة 47 من ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الحق لرئيس الجمهورية القاضي الأول في البلاد، الحق في أن يتخذ مايراه مناسبا من التدابير لاستكمال تطبيق مسار المصالحة الذي كان قد انطلق في مارس 2006.وكان الرئيس بوتفليقة قد دعا قبل حوالي شهر وسائل الإعلام الوطنية والمشرفين على سلك التعليم وكذا أئمة المساجد إلى الإسهام في نشر معاني وأهداف المصالحة لتعزيز تجسيدها في الميدان وعلى أرض الواقع حيث أكد خلال اجتماع تقييمي لقطاع الشؤون الدينية والأوقاف على "ضرورة مواظبة الحكومة على تعبئة الطاقات الوطنية من خلال المساجد ونظام التعليم والبحث ووسائل الإعلام قصد تعزيز إعادة البناء الوطني وتكريس المصالحة الوطنية".تعتبر المصالحة الوطنية في الجزائر نموذج على المستوى العربي ينطوي على تجربة ثرية حققت نتائج ملموسة وحفزت بعض البلدان على غرار العراق والصومال على الإستلهام منها.