نجح مرزاق علواش في نقل سطوح الجزائر إلى مهرجان فينيسيا بملياري سنتيم فقط لا غير، ليثبت أن انتاج فيلم يحتاج إلى مبدعين مسكونين بهاجس فني وليس بالضرورة إلى ملايير. هذا المخرج العبقري عودنا على تدبر أمر الانتاج، وهذه المرة صرف جائزة أرابيكا التي نالها عن فيلم "نورمال" في انتاج "السطوح " ولم يجد صعوبة، كالعادة، في اختراق مهرجان من أعرق المهرجانات السينمائية في العالم. وحتى وإن اشتكى علواش من تضييق أو عدم قبول أو سوء فهم في الجزائر، فإن كل ذلك كان في صالح السينما، لأنه ضمن استقلالية فنان له رؤيته وحساسيته التي لو تخلى عنها لتحول إلى مخرج عادي يخرج الأفلام التمجيدية أو يصور التمثيليات الركيكة كما يفعل إخوانه في الله. وقد يكون النجاح العالمي ثمرة هذا الانصراف إلى السينما كفن له لغته وأصوله والتمرس في عمل له تقنياته وهو الفنان الموهوب صاحب العين الذكية، الذي يحسن التقاط الظواهر والحالات النفسية الجزائرية والاشتغال عليها سينمائيا، فكانت تلك الروائع التي تعاقبت منذ "عمر قتلتو" حتى "السطوح"، والتي قدمت سينما جزائرية مختلفة أعفت نفسها من الالتزام و احتفت بالحياة حتى وإن حفلت برؤية سياسية تبقى في النهاية منسجمة مع الرؤية الفنية للمخرج لأنه لم يستدخلها قسرا. والغريب أن هذا المخرج المجتهد الذي لا يتوقف عن الانتاج يقابل بعواصف من نقد ساذج في الجزائر من "مواطنين أعزاء" يعتقدون أن السينما وسيلة لكتابة التاريخ أو لتقديم صورة ايجابية عن البلاد، أي أنها مجرد آلة دعاية و ترويج، ولا يترددون في إطلاق التهم، ما دفع المخرج ذاته للصراخ: أنا لا أشتغل في وزارة السياحة. وحتى وإن كان ذلك مرده إلى "انقراض" الثقافة السينمائية في الجزائر، فإن ما يبعث على الحسرة هو الملايير التي تصرف سنويا على قطاع الثقافة ويذهب الكثير منها إلى أعمال رديئة ومهرجانات لا تترك أثرا، ولو جمعنا تكلفة "المطويات" و"الكاتالوغات" و الملصقات التي ينتجها القيّمون الكرام على النشاطات الثقافية سنويا لحصلنا على ما يكفي لتمويل عشرات الأفلام بميزانية علواش. لكن الريع أفسد الطباع وأذهب العقول، على ما يبدو، لذلك يبقى الأمل معقودا على التجارب الفردية لمبدعين حقيقيين يخرجون من أرضهم الخاصة ولا يحتاجون إلى دعم أو يضطرون إلى مديح. سليم بوفنداسة