"لوناما" حي فوضوي يتحول إلى أكبر واجهة تجارية لقسنطينة تحولت منطقة "لوناما" من مجرد مجمع سكني فوضوي إلى منطقة تجارية كبرى تشكلت على حافتي الطريق الرابط بين قسنطينة و باتنة عبر بلدية الخروب، السوق أخذت في التوسع بشكل متسارع رفع سعر العقار وجعل أصحاب البنايات يهجرونها لتحصيل عائدات كراء تغنيهم عن أي عمل، بينما استغل بارونات تجارة الأثاث والأقمشة والخزف الفرصة للسيطرة على سوق جديدة نزح إليها تجار من ولايات مجاورة للخروج بنسخة معدلة عن سوق دبي. تحقيق : نرجس كرميش/تصوير : الشريف قليب عندما بدأ مواطنون في شراء قطع أرضية بداية التسعينات بمنطقة زراعية مهملة وبعقود عرفية لم يكن أحد يتوقع أن تلك الأراضي ستصبح ذات يوم بورصة مفتوحة تجعل أصحابها يستغنون عن السكن بتلك الجهة ويكتفون إما بكراء أو بيع بناياتهم لأغراض تجارية أو يتحولون بكل بساطة إلى تجار، ما يسمى "أوناما" نسبة إلى مؤسسة وطنية كانت تقع بتلك الجهة، كان قبل 1993 عبارة عن أرض شبه جرداء حاول الورثة الثلاثة التخلص منها بتكليف من سمسار قام بتقسيمها وعرضها للبيع. من اشتروا القطع الأرضية آنذاك تحصلوا عليها بأسعار توصف اليوم بالرمزية لم تكن تتعدى 600 دج للمتر مربع، حصل كثيرون على تحصيصات بعقود عرفية بأسعار تراوحت ما بين 100 مليون إلى 500 مليون، لأن المنطقة كان بها عيب وهو وقوعها على الطريق السريع، حيث كان التفكير في الإقامة على حافة طريق يصل مدينة قسنطينةبالخروب سببا كافيا للتفاوض في الأسعار والنزول بها إلى أدنى المستويات، وهو نفس السبب الذي جعل المكان نقطة استقطاب شكلت منطقة تجارية. "لوناما" اليوم سوق لها قواعدها ووزنها وقد تفرعت عنها سوقان جديدتان نتيجة التوسع والإقبال الكبير لتجار من داخل وخارج قسنطينة للحصول على عقار يسمح بدخول قلعة لها نظامها الخاص وتبدو أكثر تنظيما من أسواق مشابهة كالعلمة بدبي أو عين مليلة وعين فكرون بولاية أم البواقي. المحلات والبازارات تبدو مرتبة ومتناسقة نسبيا، حيث أنها عبارة عن بناءات أرضية أو ذات طوابق محدودة على الجهة اليمنى بينما نجدها فخمة أكثر على الجهة اليسرى وأكثر علوا وهو أمر له ما يفسره، كما أن التهيئة غير متوفرة إلا أن الكثير من التجار حسنوا المنظر العام بأشغال قاموا بها أمام محلاتهم، وتتوسط البازرات والمحال الشاسعة المساحة مطاعم تقليدية وأخرى عصرية ولكن بعدد محدود. التوقف محسوب بطريقة معينة وبتدخل من شباب ينظمون دخول وخروج السيارات، أما التنقل ما بين الجهتين فيتم بعبور حواجز إسمنتية ويبدو أن الخطر محدود لوجود ممهلات وتعود السائقين على خفض السرعة عند بلوغ السوق. أكثر من 100 محل دون عقود ملكية الجهة اليمنى من الطريق الوطني رقم 3 المؤدية إلى باتنة عبر الخروب بها حركية أكبر كون ما يعرض يلائم فئات واسعة ، حيث أن الأغلبية يبيعون الأفرشة والأثاث والمواد الخزفية ومواد أخرى تدخل في تجهيز المنازل وبجودة متفاوتة ومتنوعة المنشأ بداية من الصين إلى أوروبا، بينما ما يعرض في البازارات ذات الطوابق بالجهة الأخرى له زبائن من طبقات اجتماعية معينة، حتى وإن كان الكثير من المواطنين البسطاء يقصدونها من باب الفضول أو.. المحاولة. الفرق بين تركيبة السوقين المشكلة لمنطقة "لوناما" والتابعة إحداها للقطاع الحضري التوت والثانية للقماص يكمن في الطبيعة القانونية للبنايات، حيث يبقى الجزء الأيمن دون تسوية بسبب مشكل الملكية بينما يحوز أصحاب الأراضي في الجزء المقابل على العقود. وقد توقفت عملية البناء في السوق الأصلية بعد تشبع الأرضية منذ ست سنوات تقريبا وأصبحت مقتصرة على الجهة الخلفية التي يبقى الطلب عليها محدودا، وفق ما صرح لنا به صاحب مطعم بالمنطقة يعد من أول من دخلوا لوناما، حيث أفاد أن الأصل هي سكنات تقع أسفلها مرائب بنيت فوق أرض بعقود عرفية وبعد خلق نشاطات تجارية خفيفة بدأت أهمية المكان تتضح، وتدريجيا ارتسمت الصورة للتحول المنطقة إلى وجهة منذ ست سنوات لكن الطفرة حدثت في 2010، لتصبح الحركة متواصلة على غرار ما عرف عن أسواق مجاورة كدبي مثلا. وقد عملنا من خلال حديثنا مع التجار أن أغلبهم لا يملكون العقار الذي لا يزال في خانة الفوضوي كون ملفات التسوية التي أودعها حوالي 100 شخص قد أجلت بسبب عدم تسوية ملكية الأرض، وهو ما حال دون التوسع بالنسبة للبعض أو زيادة طوابق مثلما نجده في الجهة الأخرى، وهو أمر لم يمنع عمليات الكراء والبيع بالطرق المعروفة في هكذا حالات، فكراء محل صغير كان في البداية ب7000 دينار أو أقل ليصل إلى 70 ألف دج و مؤخرا ارتفع إلى ما لا يقل عن 100 ألف دج، وطبعا الرقم يرتفع بزيادة المساحة، حيث وجدنا محلات قال لنا أصحابها أن السعر وصل 150 ألف دج، أما الأراضي فقد نفدت ولكن بيعت آخر القطع وفق ما صرح لنا بأسعار لا تقل عن مليارين فما فوق. بورصة الكراء تصل إلى 80 مليون سنتيم وقطع أرضية ب5 ملايير سنتيم البورصة في الجهة الأخرى معدلاتها أكثر ارتفاعا ولها لغة أخرى، حيث أن البدايات الأولى للبناء كانت سنة 2003 إلا أن الدخول في النسق و احتوائه بمنافسة أكبر سرع في تشكل السوق ببنايات فخمة مكونة في معظم أجزائها من الزجاج، لكن الملاحظ أن الطوابق العليا نادرا ما تكون مشغولة لعدم الإقبال عليها، حيث قال لنا مالك عقار أن الطابق الأرضي فقط أسعاره في ارتفاع بينما من يستغلون طوابق أرضية عددهم قليل كون الواجهة تكون محجوبة والزبائن، وفق تفسيره، لا يصعدون الطوابق العليا أثناء التسوق. الكراء في الجزء الفخم يتم وفق مبدأ الباب، أي المحل بحجم بوابة واحدة ب10 ملايين سنتيم، ما جعل وكلاء مؤسسات الخزف و الإلكترونيك وتجار الأفرشة الفخمة يحصلون على محلات ب30 مليون سنتيم، وهناك حالات وصل الرقم فيها إلى 50 مليون سنتيم بسبب موقع الواجهة، أما البازار بكل طوابقه فلا يقل عن 80مليون سنتيم. وقد بيعت في البداية الأراضي بأسعار معقولة تضاعفت إلى خمس مرات فما فوق بعد سنوات قليلة، حيث قال لنا تاجر أن قطعة ب300 متر مربع كان ثمنها مليار وقد بلغ خمسة ملايير بعد أن اشتراها أكثر من شخص وعلق آخر بأن قطعة متوسطة الحجم قفز سعرها من 200 مليون سنتيم إلى 5 ملايير سنتيم في وقت قياسي، ولاحظنا أن الجيب في الجهة اليسرى أيضا قد نفد وقد امتد إلى الجزء الخلفي أين قال لنا تجار بأن سوقا ثالثة ستتشكل بنفس السرعة. 20 بالمائة من ملاك البنايات يمارسون التجارة وتكاد المنطقة تخلو من السكان، حسب ما لاحظناه، وهو ما أكده لنا أصحاب محلات مشيرين بأن نسبة لا تزيد عن 20 بالمائة من الملاك الأصليين بقوا بالحي، حيث فضلوا صيغة الكراء لما تذره من أموال. وككل الأسواق فإن "لوناما" له وجه ظاهر وآخر خفي لا يعرف أسراره سوى من يقتربون من الدائرة الأقوى به، فرغم وجود العشرات من البازارات فإن من يتحكمون في السوق يعدون على الأصابع، على حد قول تاجر قديم، قال أن تجارة الأثاث مثلا يحكمها تاجر كبير يتعامل في كل الأصناف بداية من الصيني إلى الفخم جدا، وأن لتجارة الإلكترونيك و الأفرشة أيضا باروناتها. وعن وجود عدد كبير من التجار القادمين من خارج قسنطينة كما وقفنا عليه بعين المكان، أفاد تاجر من بجاية أن التجارة لا مكان لها وأن أي سوق تتحرك يأتي إليها المتعاملون من كل مكان وهو حال "لوناما"، وأضاف آخر أن الأغلبية من ولاية أم البواقي وتحديدا من مدينة عين فكرون الذين يكثر عددهم بالجهة اليسرى، وأضاف محدثنا أن الأجانب يبدون اهتماما خاصا بالمنطقة و استفسر كثيرون مؤخرا عن الأسعار لفتح مقرات لوحدات تجارية تابعة لشركات أجنبية. ويبقى الحضور التركي لافتا في الإطعام على وجه الخصوص لكن صاحب مطعم تقليدي أكد أن وهج المطعم العصري يأخذ وقته و ينطفئ ،وهو ما حدث للكثيرين، حيث انفض من حولهم الزبائن بسرعة غير متوقعة بسبب الأسعار وأيضا لطبيعة الفرد الجزائري الذي يميل إلى أطعمة معينة تتوفر على عامل الكم والأسعار المعقولة زيادة إلى أن الزبائن، كما يضيف، ينفرون من كل ما هو فخم في الأكل تخوفا من الأسعار ويفضلون الأماكن العائلية وعدم المغامرة في أصناف جديدة. البلدية تفكر في تلميع الواجهة التجارية وقد أظهر الكثير من التجار حالة من عدم الاكتراث لمشكل التهيئة أو التنظيم وحتى الأمن، حيث يرون في حال السوق على ما هي عليه " وضعية جيدة" وشرح لنا تاجر كبير رأيه بالقول " أن أي سوق تنظم تفقد زبائنها لأن الجزائري لديه ميل أكثر للأسواق الشعبية والفوضوية". وتحفظ كثيرون بشأن أسعار العقار خوفا من الضرائب، لكن وجدنا إجماعا في أوساطهم على أن التجارة على حافتي الطريق أكثر نجاعة وهو ما جعل ،برأيهم، "لوناما" منطقة تجارية بامتياز تعدت سمعتها حدود الولاية، حيث يقصدها زبائن من عدة ولايات شرقية وحتى من الصحراء والوسط، لكن التجارة مواسم وفق المنطق وموسم "لوناما" يمتد من نهاية الربيع إلى بداية الخريف. مسؤول القطاع الحضري التوت أكد أن البلدية تفكر في تصور للاستفادة من الطابع التجاري للمنطقة بسبب ما تعرفه من توسع، ويؤكد أن البنايات تنمو كالفطر وبوتيرة متسارعة ويرى أن "لوناما" تحولت إلى واجهة تجارية لكن عائق التسوية يظل مطروحا في الجهة التابعة لقطاعه الحضري لكنه يجزم بان البلدية ستحسن التعاطي مع الملف لتثمين السمعة التجارية التي تحظى بها السوق.