الخدمة العمومية في السمعي البصري الأوروبي تتعرض للضغوط المالية و السياسية اعترف خبراء و مسؤولون بوسائل إعلام أوروبية أن محطات التلفزيون و الإذاعة العمومية تخضع للتضييق في بلدانهم و محاولات التدخل في المحتوى من طرف سياسيين و أكدوا أن مفهوم الخدمة العمومية لا يزال غير مكتمل حتى في أكثر الدول ديمقراطية، لاعتبارات سياسية و مالية. الخبراء الذين نشطوا ملتقى دوليا حول مفهوم الخدمة العمومية في قطاع السمعي البصري من تنظيم وزارة الاتصال بتيزي وزو أمس قدموا معلومات حول سير المؤسسات الإعلامية و تحدثوا عن محاولات لا تزال جارية لتحقيق مفهوم الخدمة العمومية بعد مرور عشرات السنين على التفتح الإعلامي في ميدان السمعي البصري في أوروبا حيث قال فؤاد بن هلله مدير عام سابق لإذاعة فرنسا الدولية أنه لا وجود للموضوعية في عالم الصحافة، حتى في أكثر الدول تقدما، و أن العامل الذي يمكن الاعتماد عليه في التقييم هو الشرف المهني، الذي يجعل الصحفي يتحرى و يدقق في المعلومة لكنه في كل الحالات يبقى متأثرا بتوجهاته الخاصة، و أضاف الخبير الذي هو من أصول جزائرية أن السياسة حاضرة في الخدمة العمومية، و أنه كمسؤول سابق كان يتعرض لمحاولات تدخل كثيرة، خاصة من رؤساء دول أفريقية، و هو نفس ما ذهب إليه مدير الشبكة الإذاعية فرنسا الزرقاء كلود بوريي الذي قدم أمثلة عن محاولات تأثير و قال أنه يتعرض لضغوطات نتيجة بعض القرارات التي اتخذها، معتبرا بأنه لا يمكن تحاشي "السياسي" في القطاع العام لن الوصاية هي وزارة الإعلام و أكد أن هناك مسؤولين من السياسيين من يتوقفون عن منح الإشهار لأنهم غير راضين عن أداء الوسيلة الاعلامية، إلا أنه في نفس الوقت قال أن القطاع الخاص في الصحافة الجهوية الفرنسية مثلا يخضع لضغط أكبر كونه يعتمد على الإشهار الذي تشكل الجماعات المحلية المصدر الأساسي له و بشكل كبير. المديرة المساعدة المكلفة بالعلاقات العامة في مجمع "راي" العمومي الإيطالي أليساندرا باراديزي تطرقت إلى ما أسمته بالتضييق الشديد من الحكومة لتخفيض الميزانية، و قالت أنها طريقة لفرض حصار على القطاع العام، محذرة من أن إيطاليا تشهد حربا شرسة بين القطاعين العام و الخاص و تساءلت كيف يكون العام في حال اختفاء الخدمة العمومية، معتبرة ظاهرة الاحتكار - التي ترى أن من يمارسها هو القطاع الخاص- مؤشرا على أن الخدمة العمومية مهددة، و قد استدلت في ذلك بعملية احتكار حقوق بث المقابلات الرياضية من طرف قنوات تلفزيونية خاصة لا تسمح بوصولها الى الجماهير العريضة رغم أن مفهوم الإعلام مبني على مبدأ تعميم المعلومة. المتدخلة قالت أن أوروبا تواجه صعوبات اقتصادية أصبحت تشكل عائقا امام الخدمة العمومية كون الأزمة أدت إلى انكماش سوق الإشهار و جعلت القطاع الخاص يطمح لاقتحام الموارد العمومية و اتهمت الحكومة الإيطالية بالاقتطاع المجحف من الميزانية المعهودة للمجمع التلفزيوني العمومي "راي". في نفس السياق أفاد مسؤول مكتب دراسات إعلامية فرنسي أن المشكل الأكبر في أوروبا هو التفاوض المالي مع السلطات حول الميزانية. و عن طريق المعالجة الإعلامية و حدود الحرية الممنوحة للقطاع العام قال خبير بريطاني عمل بهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن هذه الهيئة تشهد معركة متواصلة لملامسة المفهوم الحقيقي للخدمة العمومية و تقاطعت أكثر من مداخلة في كون القطاع العام في مجال السمعي البصري الأوروبي يسمح فيه بالتطرق إلى كل المواضيع لكن بطرق معينة، فيها احترام للحريات الشخصية و قيم المجتمع، و أوضح مدير راديو فرنسا الزرقاء أن قضية المغامرة العاطفية للرئيس الفرنسي هولاند تم تناولها بالشكل الإعلامي الصحيح في الإذاعة العمومية لأنه لا يمكن تجاهل حدث بهذا الحجم، كما تم التطرق لما يعرف بقضية الكوميدي الساخر ديودوني بموضوعية و مهنية بعيدا عن التجريح في شخصه. الباحث في علم الاجتماع الأستاذ عبد المجيد مرداسي اعتبر الانتقادات الموجهة لقطاع السمعي البصري العمومي في الجزائر و التلفزيون خصوصا مجحفة، كونها تتجاهل حلقات مهمة في أداء المؤسسة حيث سجل مفارقة بين طبيعة النظام السياسي و أداء التلفزيون خاصة في مرحلة التسعينات، مشيرا بأن الإذاعة و التلفزيون الجزائريين وفقا في مرحلة ما في تشكيل مخيال وطني، معتبرا التلفزيون حلقة اساسية في عملية الحفاظ على استقرار و بقاء الدولة الجزائرية في عشرية الارهاب، و يرى أنه من غير اللائق إطلاق وصف "اليتيمة" على المؤسسة من طرف سياسيين دون تقديم تصورات بديلة واضحة، كما أنه يدعو إلى ضرورة إجراء تقييم لمرحلة التفتح الإعلامي في قطاع الصحافة المكتوبة.