اختتمت، أمس ب«جنان الميثاق"، أشغال الملتقى الدولي حول السمعي البصري بعد يومين من النقاش وتبادل الخبرات على مستوى الورشات التي جمعت خبراء جزائريين وأجانب عكفوا على دراسة مواضيع تخصّ السمعي البصري. وأكد وزير الاتصال، السيد محمد السعيد، أن الحكومة ستبذل جهودها لعرض مشروع قانون السمعي البصري على البرلمان في دورته الربيعية القادمة للذهاب بعد ذلك إلى التطبيق. وأشار الوزير، أمس، على هامش أشغال ورشات الملتقى حول السمعي البصري، إلى أن وزارته "ستبذل كل جهودها" من أجل أن تضع مشروع قانون السمعي البصري أمام البرلمان في دورته الربيعية لكي يدخل بعد ذلك في مرحلة التطبيق بشرط -مثلما أشار- أن تكون تلك المشاريع مطابقة لدفتر الشروط. وعن سؤال حول تخوف بعض رجال المهنة من أن لا يكون فتح القنوات الخاصة قبل رئاسيات 2014، قال السيد بلعيد "نحن كحكومة سنقوم بعملنا والتطبيق سيأخذ الوقت الكافي لذلك لأن لجنة الضبط تطلب شروطا معينة في الأعضاء وهذا ربما يأخذ بعض الوقت"، مضيفا -في السياق- أن القنوات العمومية ستتوسع إلى قنوات موضوعاتية وأخرى كالقنوات الرياضية والثقافية، مكتفيا بالقول إن هناك أشياء مطروحة، لكن "لا أريد أن أسبق الأحداث". وعن الملتقى، الذي اختتمت أشغاله مساء أمس، أكد الوزير أن "تلك المحاضرات والتدخلات التي ألقيت والنقاش الذي أتبعها يعاد طرحها لكن بكيفية معمقة مدققة للذهاب بعيدا في مناقشة بعض القضايا الحساسة التي تتعلق بمجال فتح السمعي البصري". وأشار إلى أن الورشات وزعت من حيث الموضوع وحسب الاختصاص (الجانب القانوني والتقني والتمويلي) ومن يشارك فيها هم من أهل الاختصاص وأهل التجربة و«أنا أستبشر خيرا منها "، مثلما قال-. وعن ضرورة تنظيم ملتقى آخر حول الموضوع نفسه، قال الوزير "إذا شعرنا بأن هناك حاجة إلى عقد ملتقى آخر أو استشارة فئة أخرى فلن نتردد في ذلك، المهم أن يأخذ هذا المشروع بعين الاعتبار كل المعطيات الموجودة في الساحة و يراعي التجارب التي مررنا بها في مجال الإعلام ويراعي كذلك التجارب التي مرت بها الدول الأخرى، خاصة المتقدمة منها". وأوضح -من جهة أخرى- أن التوصيات التي ستصدر عن الملتقى "لا تعتبر أرضية، بل مجرد آراء تطرح ونأخذ منها ما يساعدنا وما يتناسب مع وضعيتنا الاقتصادية والاجتماعية". وقد تمحورت هذه الورشات حول "قانون السمعي البصري" والضبط، لاسيما طبيعة القنوات (عامة وموضوعاتية)، الخدمة العمومية ودفتر الأعباء، "تكنولوجيات السمعي البصري، المحتويات والدعائم وكذا الهاتف النقال وتحديات التطابق"، إلى جانب "التكنولوجيات الحديثة للإعلام والاتصال، التي تنافس التلفزة والإذاعة، و«صناعة البرامج والبرمجة السمعية البصرية، لاسيما الجوانب المتعلقة بالعمل الإنتاجي والمهن وخصوصياتها وكذا القانون الأساسي للمؤسسة السمعية البصرية. في السياق، أكّد الخبير في الاتّصال، السيد بدر الدين ميلي، أنّ موضوع فتح قطاع السمعي البصري في الجزائر موضوع "قديم نسبيا" وبروزه كتصوّر عمل يعود إلى سنوات التسعينيات في إطار دستور 1989، وأضاف الخبير، خلال مداخلته حول موضوع "نشأة إشكالية الانفتاح"، أنّ "فكرة فتح السمعي البصري في الجزائر تعد ّقديمة نسبيا، حيث أنّ ظهورها كتصور عمل ومنظور تعود إلى التسعينيات من القرن الماضي في إطار الدستور الجديد لسنة 1989 وبروز التعددية الحزبية في الصحافة المكتوبة والتي تمّ إرساؤها بمقتضى القانون حول الإعلام لأفريل 1990". وأشار السيد ميلي إلى أنّه وحده "الاتّزان والرزانة والفعالية كفيلة بضمان نجاح هذه الإصلاحات الهامة (للسمعي البصري)"، وتابع يقول إنّه "إذا استطاعت الإرادة السياسية وحكمة المشرّع والمؤسسات التنفيذية التعبير دون تردّد وفي إطار إجماع عام فإنّ مسار فتح السمعي البصري سيتوّج دون شك بالنجاح". أمّا بخصوص القطاع العمومي، أشار المحاضر إلى أنّه "ورغم بعض الأفكار المسبقة التي تظهر الإذاعة والتلفزيون الجزائريين كظاهرة منغلقة وعتيقة، فإنّه يجب -بالمقابل- إنصاف هذه المؤسسة الهامة والاعتراف لها بالفضل لكونها استطاعت أن تضمن بنجاح وبإمكانيات بسيطة استمرارية العمل بالإذاعة والتلفزيون بعد رحيل المستعمر". وأشار السيد الطاهر بديار، المدير العام للمركز الدولي للصحافة، في مداخلته "الضبط في مجال السمعي البصري في القانون الدولي"، إلى أنّ "سلطة الضبط في أغلب البلدان العربية تخوّل لسلطة مستقلة مهمتها اقتراح للحكومة إجراءات ذات طابع قانوني حول ما يخصّ السمعي البصري"، موضحا "أمّا المهام الأخرى فتتمثّل في تعديلات ذات طابع تشريعي وتنظيمي تتقدّم بها للحكومة وفي منح تصاريح استخدام التردّدات الكهرو-إذاعية"، مضيفا أنّ سلطة الضبط في أغلب بلدان العالم "لا تمارس السلطة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية، إنّما تراقب على وجه الخصوص أخلاقيات الاتّصال الإشهاري وتحرص على حياد الناقل وتعيّن متصرّفي القطاع العمومي". من جهته، اعتبر الرئيس السابق للمجلس الأعلى للسمعي البصري في فرنسا، السيد هارفي بورج، موضوع ضبط قطاع السمعي البصري، الذي هو فكرة "جديدة" في عديد البلدان، "شكلا حديثا" من أشكال تدخّل الدولة، وأوضح أنّ "الضبط يشكّل شكلا جديدا من أشكال تدخّل الدولة والوسيط بين السلطات العمومية والمتعاملين والجمهور الواسع"، مؤكّدا أنّ الضبط يتلخّص في أربع كلمات هي "الوساطة، التشاور، التكيّف والاستقلالية"، كما أشار المتدخّل إلى أنّ الضبط "يضمن استقلالية وسائل الإعلام تجاه مجموع السلطات دون أن تعتبر (وسائل الإعلام) نفسها خارج القوانين". وفي معرض تطرّقه للتجربة الفرنسية، أوضح بورج أنّ أحد أهمّ العناصر المكوّنة لعملية الضبط في فرنسا "تتمثّل في قطع الصلة بين التلفزيون العمومي والحكومة"، مشيرا إلى "تراجع" في هذا المجال بما أنّ القانون حول حرية الاتّصال الصادر في مارس 2009 قد "حرم المجلس الأعلى للسمعي البصري في فرنسا من سلطة تعيين مسيري القنوات العمومية، الذي أصبح اليوم من صلاحية رئيس الجمهورية". السيد بورج، الذي تقلّد مسؤوليات في عدة وسائل إعلام فرنسية وأنجز عدّة أعمال وأفلام وثائقية حول الجزائر، أكّد أنّ الضبط يشكّل ضمانا "حتى لا تصبح الحرية الجديدة لعهد الإعلام وهي الاتّصال مستهدفة". في هذا الخصوص، شدّد السيد بورج على ضرورة المحافظة على التلفزيون العمومي نظرا لمهمته، معتبرا أنّ التلفزيونات الخاصة "تغوي الجمهور"، ودعا بخصوص الجزائر إلى "تحرير روح المبادرة وفتح الطريق أمام النشاطات المولدة للثروات ومناصب الشغل وإعطاء دفع جديد لديناميكية القطاعات المبتكرة". من جهته، سجّل الأستاذ بلقاسم مصطفاوي "تأخّرا في الجزائر" فيما يتعلّق بفتح المجال السمعي البصري بعد إصدار قانون الإعلام سنة 1990، مذكّرا بارتفاع عدد المجلات والعناوين اليومية في الوقت الذي بقيت فيه الإذاعة والتلفزيون "منغلقتين رغم جهودهما". ووصف السيد مصطفاوي القنوات التلفزيونية الخاصة، التي تنشط حاليا ب«السوق"، مبرزا ضرورة "إجراء تقييم معمّق لمضمون برامجها"، موصيا بإنتاج "يقترب من الواقع الجزائري لأنّ وسائل الإعلام تنتج قيما رمزية وترفيهية"، كما ألح على أهمية وجود "تلفزيون خدمة عمومية تراعي تطّلعات الجزائريين". الإعلامي التونسي ماهر عبد الرحمان، أكّد في عرضه حول "إصلاح مؤسسات الإعلام العمومي" أنّ نجاح إصلاح مؤسسات الإعلام العمومي في إطار تعدّدي مرهون بمدى تقبّل هذه المؤسسات بأنّها ملك للشعب، داعيا إياها لأن تكون "في خدمته وليس في خدمة السلطة"، مشيرا إلى أنّه "لإنجاح أيّة محاولة في إطار تعددي ينبغي أن تكوم الرغبة نابعة من قناعة أنّ أيّ مؤسسة إعلام عمومية هي ملك للشعب ويجب أن تكون في خدمته وليس في خدمة السلطة"، موضّحا أنّه "لا يمكن لأيّ طرف أن يتوقّع النجاح في إرساء إدارة متطوّرة بنقل أيّة تجربة عن طرف آخر ومحاولة تطبيقها". كما أضاف المحاضر أنّ القنوات الخاصة العربية بدأت في البث بتأخير يقارب الثلاثين عاما "لكن ورغم ذلك حقّق البعض منها نجاحا يفوق بأشواط كبيرة، سواء من حيث نسب المشاهدة أو المداخيل الإعلانية، مما تحقّقه القنوات العمومية مجتمعة"، وأوضح أنّ القنوات العمومية "ظلّت تعتمد على أنظمة تسيير رهينة الإدارة الحكومية بما يعتريها من بيروقراطية وعدم القدرة على مواكبة التطوّر المسجّل في مجال تكنولوجيات البث والإنتاج".