انطلاق الدورة ال38 للجنة نقاط الاتصال للآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء بالجزائر    قانون المالية: المحكمة الدستورية تصرح بعدم دستورية التعديلات الواردة على المواد 23 و29 و33 و55    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    تقليد المنتجات الصيدلانية مِحور ملتقى    اللواء سماعلي قائداً جديداً للقوات البريّة    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    أكثر من 500 مشاركاً في سباق الدرب 2024    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الملفات التي تمس انشغالات المواطن أولوية    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    "صفعة قانونية وسياسية" للاحتلال المغربي وحلفائه    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب محمد علاوة حاجي في حوار حول روايته "في رواية أخرى"
نشر في النصر يوم 10 - 03 - 2014

مارست في الرواية متعتين ومكنت شخوصها من تجريب حيوات مختلفة
"في رواية أخرى"، هو عنوان الرواية الأولى للكاتب محمد علاوة حاجي، التي صدرت شهر أكتوبر 2013 عن منشورات المؤسسة الوطنية للاتصال، النشر والإشهار anep. حاجي بدأ مشوار الكتابة بالقصة القصيرة وقد صدرت له عام 2009 مجموعة قصصية بعنوان "ست عيون في العتمة" عن منشورات جمعية البيت للثقافة والفنون، كما له تجارب كتابية في المسرح وقصص الطفل. حاجي وفي هذا الحوار يتحدث بالتفصيل عن روايته وعن ظروف كتابتها وسياقات أخرى ذات صلة بهذا النص الروائي الذي افتتح به حاجي مشوارا آخر نحو فن السرد الروائي، لكنه كما يقول سيظل وفيا لفن القصة القصيرة.
حاورته/ نوّارة لحرش
"في رواية أُخرى"، روايتك الأولى، سجّلت اختلافها بداية من العنوان ووصولاً إلى تقنية وطريقة الكتابة. كيف جاء العنوان، وهل كان من الممكن أن يكون عنوانًا آخر غير الذي صدرت به، أم أنه كان العنوان الأنسب الذي تساوق وترادف مع متن العمل بشكل متناسق؟
محمد علاوة حاجي: الحقيقة أن عناوين كثيرةً راودتني خلال كتابة الرواية التي استمرّت لأكثر من سنتين، منها "رجل في الطابق السادس" و"الطابق السادس والأخير" و"كتاب الاحتمالات". اكتملت الرواية، لكنها ظلّت دون عنوان لردح من الزمن. لاحقًا، وأنا أهمّ بدفع العمل لمسابقة وطنية في الرواية، كتبتُ على الغلاف عنوانًا مؤقّتًا على عجل. كنتُ لأبدو معتوهًا لو أنّني شاركت في المسابقة برواية دون عنوان. لكن هذا العنوان سيصبح نهائيًّا وسأكتشف أنني لم أكن لأجد أنسب منه للرواية، فهو يحمل مدلولين منسجمين معها تمامًا: الأوّل هو ذلك المتعارف عليه في تراثنا العربي، حيثُ تروى القصّة أو الحديث النبوي بأكثر من رواية أو نسخة، والثاني يقصد الرواية كجنس أدبي، فالمتنُ –حسب تصوّري الذي لا ألزم به أحدًا- يضمّ رواية يسردها الراوي، وهي نفسها التي يقترحها الكاتب، وأخرى يشكّلها القارئ بعيدًا عن سلطة الراوي والكاتب معًا. كما أنني أردتها رواية أخرى لا تشبه غيرها. أقول وجدت العنوان لأنّني لم أؤلّفه، بل استعرته من عبارة شائعة الاستخدام، بمعنى أنّه "كليشيه" ملقى في الطريق. وهذه ميزة ربّما، فتلك الأشياء الملقاة في الطريق هي التي لا ننتبه لها عادةً، وغالبًا ما تكون الأكثر بساطة وجمالاً.
الرواية فازت بالمرتبة الثالثة لجائزة "علي معاشي" لرئيس الجمهورية لعام 2013. ما الذي تقوله عن هذه التجربة، وهل كنت تتوقّع هذه المرتبة، يعني هل كنت راضيا بها؟
محمد علاوة حاجي: بوصفي كاتبًا وصحفيًّا اشتغل طويلاً في الأقسام الثقافية للعديد من الصحف، تابعتُ الجائزة منذ إطلاقها قبل سنوات كجائزة تُعنى بتشجيع الأسماء الشابة في مجالات الآداب والفنون، بيد أنّني سجّلت كغيري العديد من الملاحظات السلبية التي جعلتني أتحفّظ عليها وأتردّد في المشاركة فيها، أبرزها أن الجائزة، وفضلاً عن قيمتها الماديّة الضئيلة، تكتفي بتوزيع الشيكات النقدية على الفائزين دون أن تتبنّى استراتيجية للدفع بهم إلى الساحة ونشر أعمالهم وترجمتها. الجوائز الأدبية العربية والعالمية المعروفة تحقّق انتشارًا للفائز بها، بينما ينتهي عمل الجائزة الأدبية الوحيدة التي بقيت في الجزائر، بعد إجهاض العديد من الجوائز الأخرى، بمجرّد حفل تسليم الشيكات. كم عدد المسرحيات التي فازت في مسابقة "علي معاشي" وقدّمت على الركح؟ تخيّلي أن الإجابة هي صفر، في وقت لا يكفّ فيه رجال الفن الرابع عن الحديث عن أزمة نص في المسرح الجزائري. أمّا عدد الروايات والدواوين الشعرية الفائزة التي نُشرت فهي لا تتعدّى عدد أصابع اليد الواحدة، وقد نشرت بمبادرات شخصية من أصحابها. أشدّد هنا على أنني حين أشير إلى نقائص الجائزة فهذا لا يعني أنني أبصق في البئر التي شربت منها، بل هي انتقاداتٌ أتمنّى من القائمين على الجائزة أن ينتبهوا إليها ويصحّحوها، حتّى تكون الجائزة ذات معنى. المهمّ أنّني شاركتُ في المسابقة تحت إلحاح وضغط بعض الأصدقاء، وأصدقك القول بأنّي توقّعت أمرين بنسبتين متعادلتين: إمّا المرتبة الأولى أو لا شيء. كنت مؤمنًا أنني شاركت بعمل مختلف، عمل إمّا أن تحبّه جدًّا أو تكرهه جدًّا، إمّا أن تفهم عوالمه وتضيع فيها أو تقف متردّدًا عند بوابته فترميه من الصفحة الأولى. لم أسعد بالنتيجة طبعًا، وقد عبّرت عن ذلك في حينه، وهذا لا يعني طعنًا في النتائج التي يجب أخلاقيا القبول بها أيًّا كانت، أو إقلالاً من شأن الفائزين بالمرتبتين الأولى والثانية. إنه هو مجرّد شعور شخصي لرجل تمنّى أن يخرج من السباق صفر اليدين، على أن يحلّ في المرتبة الثالثة.
رواية مختزلة في التفاصيل ومفتوحة على تعدّد الاحتمالات المتضادّة وغير المتوقعة أحيانًا، كأنها تريد القول أن الحياة مستحيلة بدون احتمالات وأن على الفرد أن يخلق احتمالاته؟
محمد علاوة حاجي: لعلّ الحياة ليست في حقيقتها سوى سلسلة من الاحتمالات، سلسلة طويلة ومتشعّبة ومرهقة. فالإنسان يحيا حياة منقسمة إلى جزئين: التفكير والفعل. ضمن التفكير يمكن أن ندرج الخيالات والتهيّؤات والأحلام والكوابيس والمخاوف والتخطيط والتفكير في الماضي أو المستقبل، وكلّها محكومة إلى الاحتمالات التي لا تتوقّف عن التفرّع. أمّا الفعل فهو الجانب الذي يتحقّق من تلك الاحتمالات. رغم ذلك، فإن الحياة بمعناها الأوسع لا تحقّق لنا إلاّ احتمالاً واحدًا، لأننا في النهاية لا نعيش إلا حياة واحدة ولا نتقمّص إلاّ ذاتًا واحدة، وهذا أحيانًا يشكّل مصدر قلق وجودي.. لنتخيّل مثلاً شخصًا عاش قبيحًا ومعدمًا ويعاني من إعاقة جسدية، لقد حُكم عليه بأن يعيش حياته بذلك الشكل من بدايتها إلى نهايتها، دون أن يحظى بتجريب أشكال أخرى للحياة، كأن يكون وسيما وغنيًّا وذا صحّة جيّدة، ويملك ويستمتع بما يملكه ويستمتع به الآخر بفضل صفاته تلك. ما فعلته أنني منحت أكثر من حياة للرواية، ومنحت شخوصها تجريب حيوات مختلفة والانتقال بين أدوار متعدّدة. إنه أمر سريالي لا يتحقّق في الواقع، حتّى إن كان ثمّة من يعتقد بالتقمّص الذي يتيح للروح أن تسكن أجساد مختلفة وتعيش حيوات متعدّدة، لكن الأدب يحقّقه بشكل ما.
القصة القصيرة ليست مجرّد تسخين عضلات للانتقال إلى كتابة الرواية
في فصول الاحتمالات نجد أنفسنا كأننا نقرأ مجموعة من القصص القصيرة وبسياق متلاحق ومتتال ومتصادم، يعني ما يمكن قوله أن القصة القصيرة متوفرة في الرواية وجلية، هل لأن فن القصة ما زال يسكنك بشكل ما ولم تتملّص وتتخلّص منه بعد؟
محمد علاوة حاجي: كنتُ مولعًا بالقصّة القصيرة ومازلت. لم أكتب القصّة كتدريب للانتقال إلى مرحلة الرواية، لأنني أراها أكبر من أن تكون مجرّد تدريب روائي، بل لإيماني بها كفن أدبيّ يهتمّ بالتفاصيل الصغيرة ويتوفّر على حساسية فنية عالية. أعتقد أنني بقيت وفيًّا لها في هذه الرواية. وإن كان ثمّة سبب آخر يضاف إلى الذي أشرتِ إليه فهو قصر نفَسي السردي.. إنه أمرٌ شخصي لا أرغب في مقاومته. لحد الآن على الأقلّ، لا أستطيع كتابة نصوص طويلة أيًّا كان نوعها، أجدني دائمًا مستعجلاً الشكل النهائي، وهذا ربّما ما يجعلني آتي على بعض المشاريع حتّى دون أن تكتمل، وهي ملاحظة وجّهها لي بعض الأصدقاء في مجموعتي القصصية التي رأوا أنها تحمل أكثر من رواية مجهضة، وحول روايتي نفسها. في الرواية وبما أنّني كنتُ بصدد عمل لا يلتزم بقواعد معيّنة، وجدتني أكثر تحرّرًا في ممارسة الكتابة بالشكل الذي أريد، وهذا منحني نصًّا ليّنا يمكن قراءته كرواية أو كنصّ واحد من البداية إلى النهاية، وأيضًا كقصص قصيرة وقصص قصيرة جدًّا، أي كنصوص متعدّدة، منفصلة ومتّصلة في آن، وأحيانًا يكون بعضها متضمّن في بعضها الآخر.
من القصة "ست عيون في العتمة" إلى الرواية، هل كان الطريق سهلا، بحكم أن القصة هي في الغالب تفتح للكاتب عوالم الرواية بيسر أكبر، بطريقة أخرى هل يكمن القول أن نفسك السردي الآن تمرّن وتدرب أكثر على الكتابة الروائية؟
محمد علاوة حاجي: رغم إصراري على أن القصّة القصيرة ليست مجرّد تسخين عضلات للانتقال إلى كتابة الرواية، إلاّ أنها علّمتني أمرين هامّين هما التفاصيل الصغيرة واليومية التي قد لا نلقي لها بالاً، لكنها تمثّل جوهر الأدب الحقيقي، والاقتصاد في اللغة الذي يجنّبنا الزوائد اللغوية، ويجعلنا نذهب إلى المعنى دون حشو ودون لفّ ودوران. ولعلّ الجزئية الثانية هي ما يفسّر حجم الرواية وتقطيعها.
في الرواية تحضر لعبة تفكيك وإعادة تركيب للزمن، للأماكن وللشخصيات، كأن هناك وظيفة مغرية في متن الرواية تمارس لعبة خلق وإعادة خلق، لعبة بناء وإعادة بناء، لعبة سرد وإعادة سرد بصياغات أخرى، وهي صياغات مناقضة للسابقة، كسارد ماذا تقول في كل هذا؟
محمد علاوة حاجي: في "في رواية أخرى" اكتشفت ومارست متعتين على صعيد الكتابة: متعة التخريب ومتعة التجريب. تخريب القواعد والقوالب والمفاهيم الجاهزة للرواية، للأحداث، للشخصيات والمكان والزمان. وهو تخريبٌ يظلّ مستمرًّا ولا يتوقّف، فكلّما كدت أصل إلى استكمال بناء ما، أعود إلى تخريبه من جديد وإعادة بنائه بشكل آخر دون أن يصل إلى شكل جاهز أو نهائيّ، فمُتعة اللعبة وخصوصيتها هي أن تظلّ مفتوحًة إلى ما لا نهاية. أمّا التجريب فأتاح لي تلك الحريّة، التي أشرتُ إليها سابقًا، في طرق مناطق جديدة متخفّفًا من أيّة أعباء أو مسؤوليات تجاه النص أو القارئ.. والنتيجة هلامية لا يمكن تبيّن الخيط الأبيض فيها من الخيط الأسود، الأصليّ من المزيّف، الحقيقي من الكاذب. لعلّها شكل آخر من ممارسة الحرية في الكتابة وإشراك القارئ فيها، بحيث تمنحه حريّة تشكيل الصورة النهائية للنص بالشكل الذي يريد، أو حتّى تركه مفتوحًا.
رواية تتكئ على التجريب، متخففة من السرد التقليدي السائد في الكتابة الروائية، هل يمكن القول أنك كنت تراهن في عملك الروائي الأول على التجريب وعلى المغايرة؟
محمد علاوة حاجي: لم أراهن على التجريب، إنما اتخذته أداة للمغايرة. والمغايرة نفسها لم تكن هدفًا في حدّ ذاته، بقدر ما جاءت نتيجة منطقية للخيارات التي اعتمدتها. هنا عليّ أن أشير أن الأمر ليس تقنيًّا بحتًا. صحيحٌ أنه يتجلّى بشكل واضح في التقنية، لكنه يتجلّى في المضمون أيضًا، في الحكاية والحكايات المتوازية التي تتضمّنها، في طبيعة الشخصيات وفي طريقة سير الأحداث. في النهاية، أعتقد أن أيّ كاتب يطمح لأن يقدّم نصًّا مختلفًا، لكن الاختلاف وحده لا يكفي، إذا كانت بقيّة شروط النص غائبة.
من فصل إلى آخر ومن احتمال إلى آخر، نكتشف أنها رواية مفتوحة على العبث الواعي، العبث الحامل لأسئلة الذات والهوية والوجود، وهي منطلقة من الواقع ومنتبهة ومنتهية إليه، ما رأيك، وهل العبث هنا يلعب ب/ ومع الاحتمالات؟
محمد علاوة حاجي: أعجبني وصفك بأنه عبث واع وأنه ينطلق من الواقع وينتهي اليه. إنه عبث غير عبثي إن صح التعبير، الأمر أشبه بدائرة مفرغة حيث ننطلق من الصفر ثم نعود اليه حاملين صفرا، بعد أن نجتاز مجموعة من الأصفار، إنها دوامة من الفراغ والضياع التي ترتبت عن الوضع العام والوضع الخاص لشخص لا يعرف ماذا يريد وإلى أين سيتجه، لكن هذا الفراغ سيكون الأداة التي تستند عليها الرواية لتقول ما تريد قوله.
يظهر موحوش بوجوه كثيرة ومختلفة، هو عصب أساس ومتحرك ومتحول في الرواية. موحوش شريك الراوي في الحياة والاحتمالات، إنه بشكل ما ذاته المشطورة المتقافزة في الفصول والاحتمالات. ما رأيك؟
محمد علاوة حاجي: فعلاً، فموحوش هو الصورة الأخرى للراوي. الصورة التي قد تعكسه بصدق أو تناقضه تمامًا. إنّه يطارده في كلّ مكان وزمان كما لو كان رقيبًا يعدّ عليه سكناته وحركاته، لكنه في الوقت نفسه يمثّل النموذج المجتمعي الأنجح والأكثر قدرة على الانوجاد والتكيّف مع الظروف والمتغيّرات والتسويق لنفسه بشكل جيّد. هذا لا يعني أنه يتمتّع بمقوّمات خارقة، بل بالعكس، ميوعة الوضع العام وعبثيته هي من جعلتا منه نموذجًا.
رواية تتطرق لإشكالات ومشكلات كثيرة من الواقع، مثل التشرد، الانتحار، الفساد وانهيار القيم في المجتمع والتعليم والإعلام والعلاقات، وظواهر اجتماعية أخرى، وبتقشف في اللغة، كأنها رواية تقول يكفي الإشارة إلى موضع الداء؟
محمد علاوة حاجي: ثمّة مكان وزمان محدّدان في الرواية، رغم أنني طمست في كثير من الأحيان العلامات التي قد تحيل اليها بشكل مباشر. هذا الزمان والمكان محكومان بظروف خارجية يعرفها الجميع، ولعلّها المحرك الأساسي للحالة الداخلية التي تتخبط فيها الشخوص. طبعا لا أشير الى الدواء ولا اقترح حلولا لأن ذلك ليس مهمّتي، أكتفي بالإشارة إلى تلك المواضع لأنها واضحة وصارخة بحيث لا يراها الأعمى نفسه ولا يمكن المرور عليها دون أن تثير انتباهنا. إنها تؤثث هذا المشهد وباتت جزءا أساسًا من ديكوره العام.
أستعجل الشكل النهائي ولا استطيع كتابة نصوص طويلة
شخصية الجد في الرواية، تشكل سلطة أبوية قامعة لأحلام وخيارات الفرد. ومن زاوية ما نرى أنها رواية متذمرة من كل سلطة، سلطة المدير، سلطة الجد، سلطة مبروكة، إلى سلط أخرى متداخلة ومختلفة. التذمر من بداية الرواية حتى نهايتها، والاحتمالات بشكل ما تحاول أن تخفف منه. ما رأيك؟
محمد علاوة حاجي: لعل الجدّ هنا هو رمز لكل تلك السلط مجتمعة، الجد بما يمثله من تقليدية وتراكمية تقف أحيانًا عائقًا في وجوهنا أمام المستقبل، سدًّا يحجب عنّا رؤية الشمس يمنع وصول الهواء لتنفّس. إنها سلطة لا تعترف بغير القمع وفرض قوالب جاهزة ولا تعترف بالحوار، لكنه يمثّل أيضًا في جانب منه الكذب والخرافة والدجل، فهذا الجد صاحب البطولات التاريخية الكثيرة يخاف من مجرّد صرصور، وللقارئ حرية إسقاط ذلك على ما يشاء. هذا الوضع يتسبّب في نتيجة كارثية على الجيل الجديد الذي سيكون نفسه أمام صرصور وحشا عملاق تستحيل مواجهته. الحقيقة أن الصرصور لم يتضخّم بل ما تضخّم هو الخوف منه، وهو ما قضى كل أمل في مواجتهه.
هل ننتظر نصوصا أخرى على شكل ونسق "في رواية أخرى"، التي كسرت وتخطّت الشكل التقليدي للرواية؟
محمد علاوة حاجي: هذا هو السؤال الذي يحيّرني منذ صدرت الرواية. الترحيب الواسع الذي لقيته من القرّاء والنقّاد يضع أمامي مسؤولية كبيرة، تتمثّل في ضرورة ألاّ أخيّب القارئ في روايتي القادمة. لكن هل عليّ أن أكمل اللعبة في روايات أخرى تشكّل امتدادًا للرواية الأولى، أم عليّ أن أقطع معها برواية أخرى لا تمتُّ بصلة لها شكلا ومضمونا وتقنية؟ كلما كدت أرسو على خيار من الخيارين فاجأني أحدهم بطلب يرجّح كفّة أحدهما. أنا مؤمن بأن الرواية مشروع متكامل وليست نصوصًا وفقط، لهذا فإن التصوّر الذي وصلت إليه هو رواية متّصلة ومنفصلة في الآن نفسه، رواية يعتبرها من قرأ الأولى جزءًا ثانيًا، ويعتبرها من لم يطّلع عليها عملاً مستقلاُّ.
ماذا تنشد من خلال الرواية والكتابة، وهل من مشاريع جديدة؟
محمد علاوة حاجي: صدّقيني. لا أحسن التنظير حول الرواية. وأعتقد أنّها ليست مهمّتي أساسًا. أحيانًا أجدني عاجزًا عن تقديم إجابة للشق الثاني من سؤالك، يكفي أن الرواية هي رؤية للحياة، وإن كنتُ أنشد شيئًا من خلالها فهو الانتصار لقيم الحب والخير والجمال، دون أن أتورّط في الخطابات المباشرة. مشاريعي الجديدة هي نصٌّ مسرحي للطفل بعنوان "مجلس الدمى" الذي أكملته منذ مدّة وأتمنّى أن أشاهده على الركح، ورواية للطفل بعنوان "طفل في محفظة" اكتملت منذ سنوات لكنني أشتغل عليها من جديد. إنها رواية مختلفة تمامًا لكونها موجّهة لفئة عمرية محدّدة تتطلّب شروطا بالغة الصعوبة والتعقيد، أحاول الإيفاء بها. هناك أيضًا مشروع الرواية الثانية التي أسير فيها ببطء شديد. ورهاني أن تتجاوز الأولى. أعتقد أنه تحد صعب لكنه ليس مستحيلا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.