الحسني: فلسطين قضيتنا الأولى    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار    الحكومة تدرس آليات تنفيذ توجيهات الرئيس    سوناطراك تشارك في صالون كوت ديفوار    ركاش يروّج لوجهة الجزائر    شركات مصرية ترغب في المشاركة    جوع شديد في غزّة    البرتغال تستضيف الندوة ال48 ل أوكوكو    عطّاف يدعو إلى مبادرات فعلية وجريئة    معسكر تحيي ذكرى مبايعة الأمير عبد القادر    الفريق أول شنقريحة والفريق الرفاعي يتناولان التعاون العسكري    رئيس الجمهورية يجدد دعم الجزائر الثابت لفلسطين    التكفل بانشغالات المواطنين وإعداد برامج عمل قطاعية    كأس افريقيا 2024 سيدات/ تحضيرات : فوز الجزائر على اوغندا وديا (2-1)    مشروع انشاء خلية يقظة لحماية الاطفال من الفضاء الافتراضي سيكون جاهزا في 2025    زحف الرمال على السكك الحديدية: اعتماد حلول مبتكرة ومستدامة لمواجهة الظاهرة    منتدى دولي للفن التشكيلي المعاصر: فنانون جزائريون مقيمون بالخارج يبرزون ارتباطهم بتقاليد الممارسة الفنية الوطنية    "الذكرى ال 192 لمبايعة الأمير عبد القادر" محور ندوة تاريخية    الصالون الوطني للفنون التشكيلية بمعسكر: لوحات زيتية تروي تاريخ ثورة التحرير المجيدة    إمضاء اتفاقية شراكة وتعاون بين جامعة صالح بوبنيدر ومؤسسة خاصة مختصة في الصناعة الصيدلانية    الارتقاء بالتعاون العسكري بما يتوافق والتقارب السياسي المتميّز    ميناءا عنابة وجيجل بمواصفات عالمية قريبا    مرافقة الدولة مكّنت المؤسسات المصغّرة من إثبات جدارتها    لا لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية    الجزائر تؤكد على حماية العاملين في المجال الإنساني    الإطار المعيشي اللائق للمواطن التزام يتجسّد    198 مترشح في مسابقة أداء صلاة التراويح بالمهجر    أوامر لإعادة الاعتبار لميناء الجزائر    حرفية تلج عالم الإبداع عن طريق ابنتها المعاقة    إرث متوغِّل في عمق الصحراء    مدرب فينورد ونجوم هولندا ينبهرون بحاج موسى    انتقادات قوية لمدرب الترجي بسبب إصابة بلايلي    عطال يتعرض لإصابة جديدة ويرهن مستقبله مع "الخضر"    انطلاق تظاهرة التعليم التفاعلي "خطوتك"    8 عروض وندوتان و3 ورشات في الدورة 13    بللو يدعو المبدعين لتحقيق نهضة ثقافية    "فوبيا" دعوة للتشبث برحيق الحياة وشمس الأمل    فحص انتقائي ل60900 تلميذ    أحمد مالحة : رئيس الجمهورية رسم خارطة طريق تطوير القطاع الفلاحي وتحقيق الأمن الغذائي    بعد وقف إطلاق النار..بري: لبنان أحبط مفاعيل العدوان الإسرائيلي    عطال يتعرض لانتكاسة جديدة في قمة السد والهلال    نال جائزة أفضل لاعب في المباراة..أنيس حاج موسى يثير إعجاب الجزائريين ويصدم غوارديولا    حجز أزيد من 56 ألف قرص من المؤثرات العقلية    قسنطينة.. أزيد من 120 عملية لإعادة تهيئة وتغيير شبكات توزيع الغاز    المسؤولية..تكليف أم تشريف ؟!    جانت.. أكثر من 1900 مشارك في التصفيات المؤهلة للبطولة الولائية للرياضات الجماعية    كأس إفريقيا 2024: المنتخب الوطني النسوي يواصل تحضيراته بحضور كل اللاعبات    مستغانم : قوافل الذاكرة في مستغانم تتواصل    ترقب تساقط بعض الأمطار وعودة الاستقرار يوم الجمعة    خنشلة : أمن دائرة بابار توقيف 3 أشخاص وحجز 4100 كبسولة مهلوسات    أيام توعوية حول مضادات الميكروبات    الفترة المكية.. دروس وعبر    معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة بوهران: استقطاب أكثر من 15 ألف زائر    وزير الصحة يشرف على اختتام أشغال الملتقى الدولي الثامن للجمعية الجزائرية للصيدلة الاستشفائية وصيدلة الأورام    تسيير الأرشيف في قطاع الصحة محور ملتقى    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر        هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتّاب والصيف
نشر في النصر يوم 14 - 07 - 2014

كيف يقضي الكُتاب والأدباء أيامهم وأوقاتهم في فصل الصيف، الذي يكون عادة (عند غالبية الناس)لأخذ العطل والتفسح والبحر والسفر، وهل حقا هذا الفصل مناسبة لخمول الكتابة والقراءة عند أهل الأدب، تركن فيها حاسة الإبداع إلى راحة بسقف محدود ومؤقت واسترخاء مقتضب؟. أم هو مناسبة أخرى لاستكمال واستدراك ما تأخر انجازه في أوقات سابقة من السنة.أيضا ماذا يعني الصيف لأهل الكتابة والإبداع، وهل يخصصونه للراحة والاسترخاء والسياحة، أم لترتيب أمورهم العالقة في الكتابة والقراءة ومشاريع أخرى ذات صلة بالإبداع؟.
كراس الثقافة في عدد اليوم، استطلع آراء بعض الأدباء والنقاد حول هذا الضيف الموسمي اللاهب والمزدحم بشتى الطقوس والحالات، فكانت الآراء مختلفة ومتفاوتة حسب درجة علاقة كل كاتب مع صيفه الخاص والمختلف عن صيف الآخر.
إستطلاع/ نوّارة لحرش
سعيد بوطاجين/ روائي ومترجم وناقد
الكاتب قد يأخذ عطلته عندما لا يجد ما يكتبه
عادة ما أقضي العطلة في القراءة والكتابة والترجمة، حتى عندما أكون مسافرا. لقد اتضح لي أني لا أميز بين السنة الجامعية والعطلة. لقد ترجمت ثلاثة كتب أو أربعة في الأعوام الأخيرة، وكتبت قسما من «أعوذ بالله» في مدينة نابل بتونس، أمَا جزء من «تاكسانة، بداية الزعتر آخر جنة» فكتبت في دمشق، وكانت الحرارة تتجاوز الأربعين درجة. أتصوَر أن الكاتب قد يأخذ عطلته عندما لا يجد ما يكتبه، أي على مدار السنة، أما إذا كانت هناك أفكار فإنه يستغلها، دون أي اعتبار للزمن. أمَا أنا فإني عاكف على كتابة رواية جديدة، وسأسعى لإتمامها خلال العطلة بالنظر إلى أن ضغوطات الجامعة لا تسمح بإتمامها في الوقت المناسب، لذا يكون فصل الصيف حلاَ من الحلول الممكنة. كما أتصور أن الابداع لا يملك عطلة صيفية بالمفهوم المتواتر عند الناس. هناك دائما لحظات يمكن استثمارها في هذه الأوقات، على حساب راحتنا، مع أن الكتابة قد تكون شكلا من أشكال تحقيق راحتنا وتوازننا. مع أن ذلك قد يكون مرهقا أحيانا، إن لم نخصص أياما للابتعاد عن الكُتب والحاسوب.ثمة كُتَاب مكرسون يقضون عطلهم بطريقتهم، لكنهم لا ينقطعون عن الكتابة، وقد يبتعدون عنها فترة وجيزة ثم سرعان ما يعودون إليها. والأمثلة على ذلك كثيرة. لقد قرأت لأدباء عالميين أبدعوا في فترات الراحة، ثم ارتاحوا في أوقات العمل. القضية تتعلق، في نهاية الأمر، بتوفر الحالة المؤدية إلى الكتابة أو عدم توفرها. لا توجد عطلة مبرمجة للكتابة. تبدو لي هذه البرمجة غريبة، خاصة عندما نعيش حالة من الرغبة في الكتابة.
ربيعة جلطي/ شاعرة وروائية
في الصيف أعدد قراءاتي وأعمقها
لفصل الصيف تلك القدرة على إيهامك بأن نسيج الوقت فيه أوسع مما تملكه الفصول الأخرى، وأن الوقت فيه حر، وأن عقارب الساعة أثناءه لا تدور في مكانها مثل سجين يائس، بل كأنها تخرج من الإطار المغلق، وتسير مهرولة في اتجاه مفتوح، مثل العجلة الأولى لدراجة هوائية تدفع النهاربتؤدة وهدوء وصمت.هكذا هو الصيف كما شعرتُ به دائماً، وإنه شعور تنامى وتعمق منذ بداية الوعي وحتى هذا الصيف الذي على الأبواب.
كثيرا ما فاجأني حضور الصيف في رواياتي وأشعاري، ليس كحالة طقس فقط بل كطقوس أيضاً، حديثٌ شجِنٌ عن شوارع المدن البحرية وقت القيلولة، عن الصهد والصمت وعن تغير ترمومتر حرارة الناس ونفسياتهم وعن الروائح المتسللة من محلات بيع الخبز والحلويات وهي تبدو أكثر تأثيرا على الحواس، حتى لكأن الصيف يبدو أحيانا كثيرة بطلا يحرك الناس والأشياء ويؤثر سحره على شكل وطبيعة التواصل بين الموجودات. أحيانا يُخيَّل الصيفُ لي في صورة مغرية لمُركّب ضخم في شكل مكتبة كبيرة جدا، تحتوي على جناح ثري للكتب، وجناحِ للموسيقى، وآخر لعرض الأفلام العالمية الكبيرة، وقاعة لعروض مسرحية.. وما على الهواة والناس والمأخوذين بالجمال سوى الاختيار.
عادة ما يقترن الصيف بالسفر وبالبحر والشاطئ والعوم، ولكنني بغرابة أفضل المشي على جنبات البحر في الفصول الأخرى ربما لأنني ترعرعت قرب زرقته المتبدلة، يطيب لي أن أزور صديقي البحر في أوقاته العصيبة وأحدّثه في عزّالشتاء حين يكون وحيدا وباردا في العراء.
أثناء الصيف أيضاً أعدد قراءاتي وأعمقها، ولعله صحيح ما نسمعه عن الرغبة في القراءة لدى الناس التي تتعاظم خلاله، فلم يعد الأمر سرا أن يقرأ «أعدقاؤنا» الفرنسيون ثلاثة كتب في الصيف من أحد عشر كتاب يقرأونه سنويا.. فمن يتعود القراءة مبكرا لن يبرأ من غوايتها أبدا، ستلاحقه رغبة القراءة سواء كان على شاطئ البحر أو في غابة، أو في بيته وقد أرخى ستائر النافذة أو الشرفة كي يهدأ الظل ويرتاح،ويطلق للخيال سراحَه. حدث أن اكتشفتُ مبكرة متعة القراءة أثناء العطلة الصيفية،كم كنت أقضم مثل فأر صغير مكتبة أبي المنزلية،ثم أقرأ بنهم ما كنت أحصل عليه من كتب في آخر السنة الدراسية كهدايا امتياز وتشجيع في المدرسة أوالثانوية.. مازلت وفية لهذا التقليد،أضع برنامجا تقريبيا لما يجب أن أقرأه خلال عطلة الصيف.
هذا الصيف يحلو لي أن أخصصه لقراءة ما أقتنيته من كتب خلال أسفاري الأخيرة، وسأبدأ بمؤلفيْن للكاتبة الكندية الحائزة على جائزة نوبل للدورة الأخيرة «أليس مونرو» العنوان الأول «حب لامرأة أمينة» والثاني «كثير من السعادة»وطبعا دون أن تغيب الموسيقى عن المشهد اليومي، فسماع الموسيقى الهادئة الجميلة أثناء النهارات الصيفية وآناء لياليها، تفتح أبواب الروح على أنشط ممرات الهواء، فتنظفها من أدران عاديات الأيام. كل صيف وأنتم بخير.
حمدي أحمد/ شاعر وأكاديمي
أنا من جيل لا يعرف العطل
العطل تخضع لطقوس وتقاليد، و»لكل امريء من دهره ما تعودا»، على حد قول المتنبي، وأنا من جيل لا يعرف العطل في تقاليده، بل العطلة تعني الانطلاق في مشروع جديد، فاغلب أعمالي أنجزتها أو على الأقل أجريت لمساتها الأخيرة في عطلة الصيف بالذات، فاطروحتي للدكتوراه أنجزتها في شهر أوت في المكتبة الوطنية عندما كانت في فرانس فانون أنا والحراس فقط، علما أنني ساعتها كنت مديرالفنون والآداب بوزارة الثقافة، أي المكتبة الوطنية كانت تحت وصايتي، وهو ما سهل من مهمة الدخول، كانت رائعة، السكون مخيم، ليس هناك منغصات، أو ملهيات، بل كنت كما قال أبوليوس في صحبة عظماء الفكر الإنساني من سقراط وأرسطو إلى الأعداد الكاملة لجرائد الشعب والمجاهد والثورة والعمل،،
ورواية «حومة الطليان» أنهيت لمساتها الأخيرة في شهر أوت، في مدينة زيامة منصورية بجيجل حيث كنت أشتغل عليها دون توقف، إلا في المساء حيث أتفرغ للشاطيء وقد صادف أن إلتقيت الأستاذ أحمد منور، وكنت أحدثه عن مشروعي فلاحظ أن العصر الحديث يتطلب الاختصاص، فقلت نعم الاختصاص في التخصصات العلمية بل وضروري ولكنه بالنسبة للإبداع فيصبح قيدا خانقا، ولك أمثلة من كاتب ياسين ومالك حداد ومحمد ديب وغيرهم قد بدأوا شعراء ثم حطوا الرحال في عالم الرواية. وكذلك مسرحية «أبوليوس» فقد أنهيتها في شهر أوت بسكيكدة بعد عدة سنوات من المخاض الصعب حيث تم الجمع بين البحث التاريخي والاشتغال على المكيال الإبداعي،أما الشعر فيستثنى من هذه القاعدة، فهو مثل القصة القصيرة يُكتب في مواعيد غير منتظرة ولا مخطط لها، لكن جمعها في كِتاب هنا تبدأ عملية التصنيع إن صحت العبارة.
من كل ذلك يمكن أن نسجل أن العطلة بالنسبة لي هي تفرغ للعمل الإبداعي، من متابعات العمل الصحفي الذي أخذ جزءا هاما من حياتي، وبكل تأكيد له متعته التي تكاد تنافس متعة الإبداع. حتى العطل إن صح التعبير التي قضيتها خارج البلاد كُنت أقضيها في المكتبات، والمتاحف، والمسارح،،،.
نصيرة محمدي/ شاعرة
لا يربطني بفصل الصيف إلا عشقي للفواكه
فصل روحي هو فصل الشتاء، فيه أتجدد وأشعر بطاقة حياة وحب كبيرة. أنا ابنة البرد والثلج والمطر رغم أني ولدت في فصل الصيف الذي لا يربطني به إلا عشقي للفواكه،،كثير من الفواكه لهذه السمكة التي لا يحتويها إلا البحر. الصيف يعني لي الفقد. أخاف خوفا وجوديا قاهرا ينفيني إلى النهايات؛ نهاية أناس نحبهم، نهاية الأشياء، نهاية الأحلام، توقف الركض بعد عام من الجهد والعمل ومحاولة إقامة توازن في هذا العالم بمسائل جوهرية يرتكز عليها وجودي كالقراءة والكتابة والإلتفاف حول الفن والإبداع بكل أشكاله وتمظهراته وأنساقه وانفتاحه على الرؤى البعيدة.. هي دورة الحياة التي تجبرني على الإمتثال لسنن الطبيعة وقوانين الكون لنتماهى مع وجودنا وكينونتنا، وننسجم مع روح الفصول ونداءات المواسم. وروح الصيف هي الماء والبحر في مواجهة شمس قاسية ويوم طويل لا ينام إلا بفيض الهواء القادم من أقاصي الروح وهي تستلهم حكمة البحر وعناق الغابات والجبال حيث تنعتق الأجساد من مساحات الغرف والبيوت المغلقة على أوجاعها وأسرارها..كثير من الشمس والهواء والماء ليتجدد كل شيئ وينبثق دم جديد يعيد نضارة ما فقد وما سقط وما نسي. أنا عاشقة العنب والماء والكتب والموسيقى أروض صيفي على السفر والنزق والهروب إلى وجوه الناس وروائح العالم ونبض الأشياء الصغيرة،وإلتقاط الضوء والدهشة وبداهة الطفولة لأركض وأتسلق الأماكن العالية كما كنت أفعل في طفولتي.. أستأنس بأرجوحتي وأطير مع الغروب إلى سماوات مجنونة كقلبي الذي لا يهدأ ولا يستكين إلا مع من يحب، ألتفت إلى كل صيف كنت ممتلئة فيه بعائلتي ولا أجد غيري الآن وقد رحل الجميع. ألتفت إلى عمري في صيف تضيئه شموع أحبتي وتبهج أيامي فلا أرى سواي وقد تبدد العيد وانفطمت روحي، مباهج وألوان وأفراح وأنوار وغنى لا يعادله شيئ أخر سوى أني صرت لا أستشعر شيئا ولا أنتظر شيئا وما عدت أميز حقا بين الفصول والأعمار والأقدار التي حملت قلبي كل هذا الوجع في حرائق صيفي.
بوداود عميّر/ قاص ومترجم
بين لغو الصيف وجدّ الشتاء
لعلني أستعير تصرفا الجملة أعلاه لصاحبها الدكتور طه حسين، وهي الجملة التي اتخذها عنوانا لأحد كتبه المتضمن مجموعة من مقالات كتبها ذات صيف عميد الأدب العربي في العصر الحديث، بما تنطويه من عمق في توجيه بوصلة المعنى الحقيقي من إقران الجدّ بفصل الشتاء من جهة، وكلمة لغو بفصل الصيف من جهة ثانية، واللغو في لسان العرب هو ما لا يعتدّ به من كلام، ولا يحصل منه على فائدة ولا نفع، ولعل من يتصفح كتابه «من لغو الصيف وجدّ الشتاء»، وكتابه الآخر الموسوم «من لغو الصيف»، يدرك جيدا مقصده، من خلال تحرير مقالات أو أحاديث كما يحلو له تسميتها، هي أقرب إلى التسجيل الانطباعي الخفيف، منها إلى الدراسات التحليلية العميقة، كتب مادتها خصيصا للصحف والمجلات المصرية، ثم جُمعت بعد ذلك في كتب، عقب نجاح الكاتب في فرض تواجده على الساحة الأدبية العربية فكرا، تنويرا ومقروئية.
تقترن الراحة والعطلة تعارفا بفصل الصيف، وهي بهذا المعنى، تبدو أجمل لحظة حياة يعيشها الإنسان مع ذاته، مع أسرته أو مع أصدقائه، بعد موسم شاق اكتنفته رتابة فرضها ضغط العمل اليومي وربما تشابه المسار والاستئناس بالمكان الذي قد يلامس تخوم الابتذال، فليس غريبا والأمر كذلك، أن تحتفي الأسر الأوروبية عموما بفصل الصيف، بل وتخصّص ميزانية خاصة تسعى على امتداد السنة في سبيل جمعها وتحقيق متعة العطلة، وكأنها تعمل وتكدح فقط من أجل تحقيق تلك المتعة، من خلال ترتيب جولات وأسفار فردية أو جماعية عبر مختلف مدن وبقاع العالم ذات الجذب السياحي، وهو بالتأكيد ما ينقصنا للأسف كثقافة ووعي -وتلك قصة أخرى-.
أعتبر شخصيا فصل الصيف، فرصة للامتناع قليلا عن قراءة الكتب الفكرية والفلسفية وحتى الروايات التي تقتضي تركيزا وجهدا فكريا، أكتفي بقراءة الصفحات الثقافية للصحف على قلتها، أو العودة لقراءة عدد من المجلات تراكمت في خانة قيد القراءة لسبب أو لآخر، ولكنني أهتم خاصة بمشاهدة الأفلام السينمائية العالمية ليس في دور السينما للأسف، الأمر لم يعد متاحا – وتلك قصة مؤسفة أخرى- ولكن مبادرة بعض الأصدقاء المتقاعدين في تحميل جميع الأفلام المتوّجة سواء بالسعفة الذهبية أو بالأوسكار، من خلال ما تتيحه شبكة الانترنيت من مساحة واسعة في البحث عن الأفلام وتحميلها، شجعني نسبيا على مشاهدة مجموعة من الأفلام الرائعة، التي لا تقل فائدة أو متعة عن قراءة الروايات العالمية، بأقل الأضرار: تكلفة، جهدا فكريا وبدنيا.
أعود لعميد الأدب العربي وهو يختم مقالا تضمنه كِتابه من «لغو الصيف»:»إنما الحياة الدنيا لعب ولهو، فلنلعب ولنلهُ يا صديقي القارئ العزيز، ولنترك الجد لأصحاب الجد من الأوروبيين، ومن يدري؟ لعلهم أن يكونوا مخطئين فيما يصطنعون من جد، ولعلنا أن نكون مصيبين فيما نصطنع من دعابة وهزل».
الخير شوار/ روائي
الصيف ليس للعطلة لكنه للعمل والقراءة واستكمال الأعمال السردية العالقة
مضطر في هذا الحال أن أفصل بين ما هو نظري وما هو «تطبيقي» أو واقعي. النظرية تقول إن الصيف موعد لعطلة قد تطول ومعها نسيح في الأرض فنقرأ من كتاب الطبيعة والجغرافيا ونستعين على قضاء أوقات السفر في قراءة الأدب البوليسي والمذكرات والسير «الخفيفة». وهذا ما لم أحققه في الواقع ومنذ سنين طويلة، ففي العمل الصحفي لا يمكن أن يأخذ الواحد عطلته السنوية دفعة واحدة، فهو مضطر لأن يجزئها على مراحل ليجد أيامها تضيع بين أيام لعيدين وأخرى لبعض المناسبات العائلية وبعضها لفرص الملتقيات والمهرجانات داخل وخارج البلاد، وبعد أن يستهلك الواحد رصيده يجد نفسه مضطرا للعمل في حر الصيف الذي تكثر فيه طلبات العطلة بداية من شهر جويلية ويعمل المسؤولون في وسائل الإعلام على ألا تبقى المؤسسة تعمل ولو ب»الحد الأدنى». ولأن العمل بالحد الأدنى يقتضي من كل واحد أن يضحي، فهو مضطر لأن يتخلص من «أوهام» البرنامج الصيفي الخاص، فهو يواصل قراءاته المتنوعة التي لا تختلف في جوهرها بين فصل وآخر، وإن كان بدأ عملا سرديا فهو يواصل الكتابة فيه بالريتم نفسه. وربما الإختلاف الوحيد يكمن في طبيعة المواضيع الصحفية التي يعالجها في كتاباته والتي تميل أكثر في فصل الصيف إلى ما هو اجتماعي ومتعلق بعطل الناس الآخرين، لتبقى الأيام القليلة المجزأة من العطلة السنوية ملكا للعائلة التي انتظرتها طويلا.
عمار مرياش/ شاعر
نحن نصنع طقوسنا الخارجية كيفما نشتهي سواء في العطل أو خارجها
أنا شاعر، أقصد أنا كاتب هاو ولست محترفا، لا أكتب وفق برنامج ولا لآجال، أكتب حبا في الكتابةلا غير، أكتب أينما يحلو لي،كيفما يحلو لي، ومتى يحلو لي، بمعنى لا للظلام ولا للقمر ولا للربيع ولا للصيف ولالخرير الأنهار وزقزقة العصافير أثر مباشر على طقوس الكتابة لدي، ولا يشكل أيا منها طقسافي ذاته أوبذاته، لا ينبغي للطبيعة أن تؤطر سلوك الإنسان إلى اللانهاية، الإنسان المزارع إنتهى وإنسان الكهوف انتهى أيضا، وها هو الإنسان صار واحدا منا عارفا الخير والشر وعارفا البرق وأسبابه، نحن اليوم نصنع طقوسنا الخارجية كيفمانشتهي، نحدد درجة الحرارة التي نحب ونحتمي بشكل جيد من عوامل الطبيعة، أما بالنسبة لأثر التنظيم الإجتماعي والذي يحدد الصيف كفصل للعطل والراحة و،و،و،و، فأنا شاعر وليست لدي قيود إجتماعية أو مهنية كبيرة جدا إلى الحد الذي أنضبط فيه إلى حد مرعب، الطبيعة منحتني بعضا من الحظ في القدرة على إعادة إختراع نفسي واكتشافها من جديد في كل مرة، لا أحب التكرار، يعني لا أحب أن أذهب كل صيف إلى البحر، أحب أن أغير، أعرف أني أضيع فرصا جيدة أحيانا ولكنني أختار الجديد، لدي القدرة على ذلك.
ثمة عنصر مهم للغاية في هذا الخصوص بالدرجة الأولى، حالاتي النفسية أكثر تأثيرا علي من تأثير الفصول والتنظيم الإجتماعي، لي صيفي وشتائي، خريفي وربيعي ولي فصول أخرى ومواسم وطقوس خاصة للغاية، هي التي تؤثر بشكل كبير جدا على الكتابة لدي، هذا الصيف ربما لن أغادر باريس، لقد خرجت من عمليتين جراحيتين ولا يحق لي أن ألهو كما أشتهى، سأعيد إكتشاف باريس إذن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.