ماذا يقرأ الجزائري في الصيف؟ وهل يقرأ الجزائري أصلا في الصيف؟ قدم في الماء ورأس بين صفحات كتاب، مع كل صيف تسكننا هذه الصورة. ولنا بحر ولنا شاطئ بطول ألف وأربعمائة كيلومتر، ولنا شمس من أجمل شموس الله. * تحت سماوات الله الأخرى، يرتب الناس عطلهم ترتيبا، بدءا من ضبط الميزانية مرورا بضبط الوقت ووصولا إلى "القراءة". فكما تترتب يوميات العطلة تترتب معها كتب القراءة. فيقال "قراءة الصيف" و"كتب الصيف". * تحت سماوات الله الأخرى وقبل حلول الصيف، تتحرك الآلات الطابعة لتخرج للقارئ كتبا خاصة بهذا الموسم. فالناشرون الألمان يتسابقون على نشر الروايات كبيرة الحجم، وكأنما القارئ يقيس أيام عطلته بعدد صفحات الكتاب الذي يقرأه. * ولدور النشر الفرنسية تقاليدها أيضا، فمع حلول شهر جوان من كل سنة تتنافس هذه المؤسسات على نشر روايات الصيف، فكما ل "سبتمبر" دخوله الأدبي فإن لشهر جوان تقليد "الصيف الأدبي" أو "الخروج الأدبي". ويركز الناشر الفرنسي على كتب تتميز بطابع "التسلية" كتلك التي تمس "ذكريات الأسفار" أو "مذكرات الشخصيات" أو "روايات الحب" أو "الروايات التاريخية" أو "الروايات البوليسية". فالناشر الفرنسي كما الناشر الألماني يعرف جيدا قارئه ويعرف فصول القراءة وجغرافيتها. فللكتاب دورته السنوية. * تحت سماوات الله الأخرى لا تخرج الأسرة لعطلتها، إلا وقد حضّرت في برنامج "خرجتها" الصيفية مؤونتها ل "قراءة" الأطفال. فلا تكتمل المتعة بالبحر والرمل ورؤية القمر المعلق في السماء المفتوحة، إلا إذا ضمنوا للرأس الصغير ساعاته بين الكتب. وتفهم دور النشر ذلك جيدا وتحضر لذلك جيدا. * وتحت سمائنا نحن، وعلى شواطئنا أو ما تبقى من هذه الشواطئ، حيث الرمل الذهبي لم يسلم ذهبه من سرقة تجار الرمال وبيعه لمؤسسات البناء، شواطئ أو ما تبقى منها، حيث تصب مجاري المياه العفنة الملوثة في ما تبقى من مائها الأزرق، مائنا للسباحة. هكذا يتدفق الناس بشكل فوضوي وتبدو العطلة وكأنها أيام غامضة ومشبوهة أو مسروقة. إن الشعب الذي لا يحترم أيام العمل لا يعرف طعما لأيام العطل. * وتحت سمائنا، يبدو الصيف هذه السنة بطعم آخر، إذ يجيئنا هذه المرة محملا برمضان الكريم. فبعد أيام قليلة سندخل طقوس هذا الشهر بما بقي فيه من طقوس جميلة نسحبها من أيام الأجداد وبما فيه من وارد زحف عليه من ثقافة الاستهلاك والجشع والمنافسة غير الصادقة. * وتحت سمائنا قَبْلا، كان الاستعداد لرمضان بالقراءة، فمن أول أيام شهر شعبان يشرع الناس في بيوت الله بقراءة مجموعة من المتون، كانت للمساجد طقوس احترام الكتب، ففيها ومنذ أول يوم من شعبان يبدأ الكثيرون في قراءة "شرح خليل"، قراءة جهرية. يستعيد فيها الناس التفسير والتاريخ وسير الأولين. وفي هذه الطقوس ما يؤكد بأن القراءة، كانت طقسا من طقوسنا، طقسا من طقوس مؤسساتنا الدينية. * وفي البيوت كانت الأسر تستعد لاستقبال رمضان بشراء مجموعة من الكتب وعلى رأس ذلك اقتناء نسخة جديدة من المصحف الشريف، ولكن القراءة في رمضان لم تكن تتوقف عند القراءة الدينية فقط، ففي رمضان أذكر في ما أذكر أنني قرأت جميع كتب السلسلة التاريخية لجورجي زيدان وفيه قرأت بعض كتب أحمد أمين "فجر الإسلام" و"ضحى الإسلام" و"ظهر الإسلام" وقرأت "الفتنة الكبرى" لطه حسين، وقرأت كتبا باللغة الفرنسية كروايات إميل زولا وفيكتور هيغو. ومثلي كان أبناء عمومتي والآخرون من الجيران يقرؤون كتبا أخرى. وكنا نتنافس في القراءة ونستعيد مع بعضنا البعض بنوع من التنافس والافتخار والتباهي ما قرأناه. * تحت سمائنا اليوم، وصيفنا برمضانه وشمسه يزحف، ها هو على بعد خطوات من باب بيوتنا، على بعد أيام قليلة، فيا ترى ما الذي يحمله لنا؟ لقد تغيّر العالم كثيرا كثيرا، وهذه سنة الحياة ما في ذلك شك، ولكن يفترض أن يكون التغير نحو الإيجاب، نحو الأفضل. ها هو رمضان يقترب ونحن نحاصر بوابل من مطر إشهار عن مسلسلات رمضانية؟؟؟ لقد أصبحت ثقافة رمضان هي ثقافة المسلسلات، مسلسلات تطبخ على نار سذاجة أو غباء المشاهد العربي. يزحف شهر رمضان في سيل جارف من الإشهار عن مسلسلات في الحب والخيانات والانتحار واللهو وما يقاس على ذلك. لقد أصبح رمضان فرصة ذهبية بالنسبة لشركات إنتاج تليفزيونية تتنافس وبشراسة للاستثمار في ثقافة الاستهلاك. شركات راكمت الأموال على حساب الفراغ الذي يعيشه الإنسان العربي والمسلم في رمضان، حيث الوقت يصبح بدون معنى ولا قيمة. * إذا كان جشع التجار قد حوّل رمضان إلى فرصة للانقضاض على جيوب الناس، فإن الشاشات التليفزيونية قد انقضت ثم قضت على ثقافة العمق، وعممّت علينا ثقافة الاستهلاك وبالتالي قضت على آخر بقايا ثقافة الكتاب والقراءة. * [email protected]