* وطار يحزم الحقائب الى شنوة ، وبقطاش يفر من البحر.. * خلاص ينام في عسل الصيف، وابن عاشور يستبدل القبعات.. * الزاوي يغرق في الهواجس ..، ونيسي تعيش قصتها مع الحيوان الصغير.. ميلود بن عمار نقاله مغلق منذ مدة، وهو يعيش خارج مجال التغطية هذا الصيف، تلك حال شيخ الروائيين الجزائريين الطاهر وطار منذ سنوات. والحكاية وما فيها أن "عمي الطاهر" يحزم حقائبه صيفا لينتقل الى إقامته بشنوة بولاية تيبازة، ويقطع كل علاقاته بالمحيط ليرتاح ويكتب. وهذا العام هو بصدد عمل جديد. أحلام مستغانمي، آسيا جبار وبقية الروائيين الجزائريين ممن اختاروا العيش خارج الوطن لا ندري كيف هي يومياتهم الصيفية، لكنها بالتأكيد مختلفة تشق طريقها خارج المألوف والاعتيادي على الأقل لأنهم يقبضون دائما مستحقات ما نشروا من إبداع على عكس الكثير من المبدعين الذين يعيشون بين ظهرانينا، يكتبون لكن دور النشر تنصب حواجزها المزيفة للحيلولة دون وصول فلس واحد الى جيوبهم. لذلك فلا أثر للصيف، ولا رائحة للعطلة في يوميات روائيينا وكتابنا.. الكثير منهم لا يرتاحون، انهم يشتغلون كالآلات، بعضهم يكتب حتى في الصيف ليزداد موتا في غيره من الفصول، والبعض لم يأخذ عطلة منذ سنوات اللهم الا من خلال المهرجانات الثقافية التي تنظم هنا وهناك .. والكثير، الكثير منهم يفضل السفر عبر عوالم الآخرين وكتاباتهم. انهم يقرأون بنهم حتى في الصيف، ولا ندري أي طعم يجدونه في حياة بلا بحر أو قمر أو فسحة .. طبعا لن أحدثكم عن آخرين فكروا في انتهاز فرصة الصيف للكتابة من أجل فقيد.. باختصار شديد إنها حياة الأدب والأدباء، شؤون، فنون وشجون أيضا. وهذه بعض النوافذ المفتوحة على يوميات هؤلاء الروائيين الصيفية كما أوردوها لنا بالباء والتاء.. مرزاق بقطاش: أنا ابن البحر ومع ذلك لا أزوره كثيرا.. يعترف الأستاذ مرزاق بقطاش أنه لا وجود للعطلة في يومياته الصيفية، وأنه يقرأ بنهم كبير وأغلب قراءاته هي في كتب التراث العربي والأدب الفرنسي وما يترجم اليه من اللغات العالمية. ومع أنه ابن البحر حيث لا يبعد عن بيته سوى بمائتي متر، إلا أنه لا يزوره كثيرا، وغالبا ما يفضل المشي وحيدا، الأمر الذي يمكنه من تقليب النظر في شؤون الأدب والحياة. ويسجل بقطاش أنه يأخذ خلال يومياته الصيفية حاجته من الموسيقى الكلاسيكية والعربية لكنه لا يسافر ولا يحب السفر لأنه يتعبه. أما عن نشاطه على مستوى الكتابة فيؤكد بقطاش "أنا لا أكتب صيفا الا بنسبة 10بالمائة، طول حياتي الصحفية وتنقلاتي الكثيرة داخل وخارج الوطن كتبت بعض القصص التي استلهمتها من سفرياتي. والآن وسعت داري وسوف يتسنى لي معالجة مواضيع عديدة". ويضيف صاحب رواية "عزوز الكابران" أن المثقف والكاتب الجزائري لا يستطيع العيش على الإبداع وحده، فعليه أن يكون معلما أو يحترف التجارة، ومع ذلك كله لايقدر أن يسافر أو يستمتع بعطلة على عكس ماهو موجود في الغرب حيث يمكن للفرد المبدع أن يؤلف أغنية واحدة يعيش على مدخولها طول حياته نتيجة توفر وسائل الاقتباس من صحف، سينما وحتى جامعات، وهذا القصور ينسحب على كل العالم العربي، فحتى نجيب محفوظ، يؤكد بقطاش، لم تهيأ له "الحرافيش" ولا " أولاد حارتنا" "ولا غيرهما من أعماله الخالدة رغيفا واحدا، فاضطر الى العمل مديرا لهيئة السينما المصرية. والمعيب في هذا الوضع، حسب بقطاش، هو عدم وجود حركة نقدية ولا فكرية اجتماعية تواكب الابداع، كما أن القارئ الجزائري محدود من حيث ردود الأفعال حيال نفسه وحيال الآخرين. جيلالي خلاص: أكتب شتاء وأستسلم للكسل صيفا.. يتقاطع خلاص مع بقطاش في بعض النقاط بخصوص طقوسه الصيفية، ويختلف معه في أخرى حيث يعتقد صاحب "رائحة الكلب" بأن الروائي والمثقف في الجزائر كغيره من المواطنين، وما مس الحياة من غلاء لم يستثن أحدا، ولذلك فكل واحد يقضي عطلته حسب المتاح لديه من إمكانات، وعن شأنه الخاص يعترف خلاص بأنه يكتب شتاء، أما صيفا فإنه يستسلم للراحة والكسل وقراءة الروايات، وساعته تتوقف عن العمل بداية من ماي، وتعود عقاربها الى الحركة خلال أكتوبر من كل عام. ويضيف صاحب "حمائم الشفق" أن لكل انسان طبيعته. وأنه لم يتعرض لموضوع العطلة في عمل مستقل من أعماله الابداعية رغم أن هناك الكثير من الروايات التي اشتغلت على الصيف وفضاءاته، لكنه لم ينف أنه تحدث عن العطلة في بعض أعماله من خلال شذرات تتخلل المتن الروائي خاصة عندما يسرد أبطاله بعض ذكرياتهم. زهور ونيسي: الكاتب يحتاج أن يكون أحيانا حيوانا صغيرا بدون عقل.. تقر القاصة والروائية زهور ونيسي أن الكاتب والمبدع أو أي إنسان يحتاج إلى مساحة من الراحة، ولو أن الكاتب يجد نفسه فجأة ودون مقدمات يكتب رغما عنه ولو على سبيل تسجيل ملاحظات، لكنه يحتاج أحيانا إلى أن يكون حيوانا صغيرا بدون عقل. وتؤكد صاحبة "لونجا والغول" بأنها تعطي لنفسها شهر جوان تتفرغ فيه للمطالعة خاصة الروايات التاريخية وتحديدا أكثر كل ما يتناول تاريخ المغرب العربي. وتضيف بأن على أجندتها الصيفية لهذا العام عملا سينمائيا مهما يقدم العام المقبل، ولم تشأ ونيسي الخوض في تفاصيل أكثر بخصوص هذا العمل. لكنها اعتبرت أن الصيف بالنسبة لها هو التواجد على شاطئ البحر لوضع الخطوط العريضة لعمل روائي أو قصصي، وأنها كلما سافرت خارج الوطن عملت على لملمة كل ما يثير السمع أو البصر لاستثماره إبداعيا. هناك عدة قصص تقول ونيسي كتبتها في باريس فمثلا قصة "زجاجة عطر وأقنعة ملونة" تتحدث عن ميترو العاصمة الفرنسية والشوارع الخلفية للمدينة.. واسيني الأعرج: العطلة لا أعرفها.. حياة واسيني الأعرج مذهلة حقا، فهو لا يعرف طريقا للعطلة لأن يومياته مقسمة إلى ثلاثة أقسام أولها للتلفزيون فهو يشتغل للانتهاء من حصة "الديوان" وهي من ثلاثين حلقة ستعرض لاحقا على التلفزيون الجزائري، وثانيها للانعزال من أجل الكتابة، وما تبقى يخصصه لزيارة الوالدة الموجودة بمدينة مسيردة بأقصى الغرب الجزائري، إضافة إلى ذلك على أجندة هذا العام عمل شاق للانتهاء من الرواية الجديدة "نشيد الغريب" التي ينجزها لصالح وزارة الثقافة القطرية واليونيسكو، وتتناول مسحا لمائة سنة الماضية من تاريخ الوطن العربي، وهي مشروع ضمن مشاريع أخرى فازت بجائزة قطر الدولية للرواية وتوشك مدة عقد انجازه المقدرة بعامين على الانتهاء. أما ما تبقى من وقت على هوامش يوميات صاحب" كتاب الأمير" فيقضيه مع الأسرة التي لا يجتمع بها إلا لمما نظرا لنشاطه الجامعي المكثف خارج الوطن وداخله.. أمين الزاوي: أنا لا أحب الشمس أنا عاشق المطر... بالنسبة لأمين الزاوي الصيف مخيف، فهو يذكره بالفراق "صغيرا كنت أنزعج إذ تأتي العطلة الصيفية فيذهب الأصدقاء، تتوزعهم الجغرافيا والبعد كنت أخاف ألا يعودوا مع الخريف لذا أحب الخريف وفيه ولدت" . ويؤكد الزاوي بأنه لا يحب الشمس ويعشق المطر والثلج، وفي قيلولات الصيف يفضل القراءة، لأن الكتابة تحتاج إلى دفء، بل هي الدفء. هكذا يرى الدكتور الزاوي وليس هذا وحسب، انه يعتقد أن الصيف ضد الإبداع، فهو لا يترك له مجالا للتأمل والتصوف، وهو فصل صنع خرافته أهل الشمال، أما نحن فيؤكد أننا لم نصنع لنا فصلا، لذلك فإن فصلنا هو الشتاء، وذلك حسب الزاوي دائما هو الخلاف بين أهل رحلة الشتاء والصيف.. جميلة زنير تشيع أنيس الروح .. في عرف القاصة جميلة زنير يسقط الصيف تحت إيحاءة كلمة كما يسقط الجسد بفعل رصاصة حتى وإن كان هذا الجسد في حجم الفيل. والعطلة بالنسبة لجميلة هي الوقت الذي يمكن الكاتب من إفراغ الأفكار الناضجة، وهي متسع لتجسيد المخزون المدخر من وقت العمل، كما أن المبدع لا يستطيع، حتى وإن أراد، أن يعيش حياته كما يشاء، فالكثير من أبناء هذه الطبقة بطالون أو عمال بسطاء. هذا الصيف تؤكد جميلة زنير أنها تعكف على إتمام مجموعتها القصصية الجديدة وهي في طابع صوفي "أنيس الروح وداعا" تصور فيها العالم الذي انتقل إليه ابنها الطيار الذي راح ضحية سقوط طائرة، وأن حلمها الذي يبقى مؤجلا إلى حين هو أن تزور مختلف المناطق الجزائرية، وتلتقي بكل الجزائريين.. ابن عاشور بوزيان: قبعتي الأولى المسرح.. والثانية المطالعة .. لا يختلف صيف ابن عاشور بوزيان كثيرا عن صيف بقية المبدعين حيث يقصيه بين قبعتين كما يحب أن يقول. حين تشتد الحرارة يعتكف في بيته ليقرأ ما لم يسبق له قراءته، وإذا أتيحت له فرصة المشاركة في مهرجان ما خاصة لما يتعلق الأمر بالمسرح لأنه مولع بالخشبة، فإنه يترك حتى مشاغله كمسؤول جهوي لجريدة "الوطن" ، ويؤكد بأن هذه المسألة لا نقاش فيها لأن المهرجانات بالنسبة إليه هي الهواء الذي يتنفس. إضافة إلى ذلك كله فان ابن عاشور لا يتردد في تصحيح محاولات النصوص المسرحية التي عادة ما يرسلها إليه الأصدقاء، كما أنه لا تكاد تمر سنة إلا ويصدر كتابا وهذا مازال ديدنه منذ سنة 1994. وفي أفق هذا العام ستصدر له رواية جديدة عن دار الغرب تحمل عنوان "بندقية أكتوبر" باللغة الفرنسية. أما عن أحب الاهتمامات لديه فهي زيارة مكان ميلاده "بني صاف " بولاية عين تموشنت، حيث يعتبر صاحب "بندقية أكتوبر" بأنه من المحظوظين لأنه ابن البحر ، وأن شغفه بالمسرح مكنه من زيارة الكثير من الدول كالمغرب، الأردن، اسبانيا وغيرها من البلدان وهذه إحدى أفضال الفن الرابع عليه... عيسى شريط: لا أحفل بها كثيرا.. يبدو أن صاحب "لاروكاد" لا يحفل كثيرا بالعطل، فهو بسيط متعب ماديا، ولم يتلق لحد الساعة مقابل ما بحوزته من إبداع منشور وصل إلى ثلاث روايات، مجموعة قصصية وكتيب. ولأن مفهومه للعطلة هو تغيير الجو والمحيط وحتى الناس، فإن الفضاء الوحيد الذي يسمح له بذلك هو الملتقيات التي تفتح كواليسها المجال لتقاسم الحكايات والتجارب. ورغم أنه يقر بأن الكاتب لا يستغني عن الراحة لما لها من أهمية في شحنه إلا أنه لم يجد لها سبيلا منذ سنوات..