«السيّدة» قلب تجارة الفحم بقسنطينة تنتعش عشية عيد الأضحى لا تزال «زنقة السيدة»المتفرّعة من حي السويقة العتيق بالمدينة القديمة بقسنطينة، تأوي ما تبقى من حرفة بيع الفحم المهددة بالاندثار، بعد غلق أغلب المحلات المتخصصة في إعداد و بيع هذه المادة التي تعرف تجارتها انتعاشا ملفتا في عيد الأضحى. «السيّدة»التي كانت تحصي ست محلات على الأقل، متخصصة جميعها في بيع مادة الفحم النباتي، لا زالت قبلة الراغبين في اقتناء هذه المادة، سواء من داخل قسنطينة أو ضواحيها، على الرغم من تقلّص عدد محلاتها إلى اثنين فقط، حافظا صاحبيهما على نشاط تنقية و بيع الفحم الذي كان في الأمس القريب، المصدر الوحيد للكثير من العائلات لتغطية مصاريف الحياة داخل القرى و المدن، أما اليوم فالحرفة تكاد تقتصر على الأيام القليلة التي تسبق عيد الأضحى مثلما ذكر الشيخ دراجي الطاهر البالغ من العمر 82سنة و الذي وجدناه بمحله الذي لا زال صامدا ينافس باقي النشاطات التجارية الرائجة. الحاج الطاهر كان يجلس في زاوية بمحله الذي غلب اللون الأسود على كل بقعة فيه، الجدران، السقف و الأرضية، يترّقب حركات ابنه و هو يجمع أكوام الفحم و يزنها قبل تسليمها للزبائن الذين يكثر عددهم عشية عيد الأضحى، استرجع ذكريات من زمن كانت فيه تجارة الفحم لها مكانة مهمة لدى سكان المدن و القرى على حد سواء. و سرد كيف أن الكثير من العائلات القسنطينية توارثتها عن الأجداد عندما كان الفحم مادة أساسية في مختلف المجالات، أما اليوم فقد تخلى عنها الكثيرون حسبه»تجارة الفحم تعيش مرارة الاحتضار في زمن يبحث الجميع فيه عن كل ما هو جديد»يقول الحاج الطاهر الذي أضاف قائلا بأنه عمل في مجال بيع الفحم النباتي أكثر من عشرين سنة قبل أن يترك المكان لأبنائه الذين حملوا المشعل بعده، و يحاولون بصعوبة الحفاظ على نشاطهم الذي تنخفض وتيرته باقي أيام السنة، حيث تراجع عدد الزبائن و بات يقتصر على عدد قليل من المطاعم التقليدية و باعة الشواء و كذا محلات تحميص و رحي القهوة. ابن الحاج الطاهر الذي كان يستعمل مجرفة لتعبئة أكياس بلاستيكية بمادة الفحم من أكوام منتشرة هنا و هناك، و الذي طمس الرماد الأسود ملامح وجهه، قال بأن المحل يعد واحدا من أقدم محلات بيع الفحم حتى و إن تعاقب عليه عدة ملاك، كان آخرهم الحاج الطاهر دراجي، الذي حرص على إبقاء حرفة كانت مصدر رزقه و سعادته، رغم التعب و المشاكل الصحية التي واجهها من قبل و يواجهها أولاده من بعده بسبب استنشاقهم لغبار الأخشاب المتفحمة. و عن مصدر الفحم النباتي، قال الحاج الطاهر بأنهم يجلبونه من منطقة عين القشرة بولاية سكيكدة المعروفة بمكامير الفحم، مؤكدا بأنه و غيره من التجار ذوي الخبرة يحرصون على انتقاء الفحم ذي الجودة العالية و ذلك من خلال الاهتمام بمصدر الخشب، موضحا بأن أفضل الفحم ذلك المنتج من خشب شجر الزيتون و البلوط بالإضافة إلى طريقة صناعته، حيث يحرصون على انتقاء الفحم المحفوظ بمستودعات تنعدم بها الرطوبة. و ذكر بائع الفحم التي اختار التقاعد، بعد سنوات طويلة من العمل بين أكوام المعدن الأسود، بأن باعة الفحم كالزبائن يتعرضون للاحتيال من قبل منتجي الفحم، مما يتطلّب خبرة للتأكد من جودته، مردفا بأنهم يشترون أحيانا فحما مصنوعا من خشب شجر الكالبتوس، سريع الانطفاء، أو يتفاجأون بعد تفريغ أكياس الفحم الكبيرة بأن نصف ما تم وزنه على أساس أنه فحم مجرّد رماد أو تراب مزّين ببضع قطع فحم حقيقي. و قال بعض الزبائن الذين التقينا بهم بشارع «السيّدة» بالمدينة القديمة بأنهم لا يعرفون مكانا آخر لبيع الفحم سوى هذا الحي، حيث ذكر المواطن عباس بأن الحي يعرف حركة أكبر عشية عيد الأضحى لكثرة تهافت الزبائن على الفحم، لاستخدامه في شواء اللحم، معلّقا بأن كل أنواع أجهزة «الباربيكيو»الحديثة لا يمكنها تعويض نكهة الشواء باستعمال الفحم و رائحته المشهية على حد وصفه.