تنشد أمم الأرض التقدير في موسم نوبل من خلال التماهي مع نوابغها المتوجين، وتكاد نوبل تكون المناسبة الوحيدة خارج الرياضة التي يصبح التقدير الفردي فيها تقديرا جماعيا. وهي المناسبة الوحيدة التي ينافس فيها العلماء الساسة وصنّاع الموت في نشرات الأخبار. وقبل ذلك تشتعل بورصة التكهنات، خصوصا بشأن جائزتي الآداب والسلام. واللافت أن الحضور العربي على لوائح الجائزة يكاد يكون منعدما في وضعية طبيعية بالنظر للمنجز العربي الضحل في العلوم والآداب والمعارف. وحتى و إن كان العرب يقدمون أنفسهم كضحايا توجهات سياسية للجائزة فإن التظلم لا يمكن أن يحجب حقيقة مرة تضع العرب خارج قائمة الأمم المنتجة للمعارف والابتكارات وتزداد الحقيقة قتامة بالصورة التي تقدمهم كتجمعات بدائية تقطع فيها الرؤوس وتباع فيها النساء، وبغض النظر عن كون الصورة ملفقة أو مفبركة فإنها باتت راسخة ويحتاج تصحيحها إلى وقت يبدو أنه لم يحن بعد بالنسبة لمن يشغل باله بفحص الوضعية الحالية للدول العربية التي تحولت إلى كيانات هجينة تتخبط بين العسكر ورجال الدين والقوى الاستعمارية السابقة واللاحقة. لقد تم بناء الدول الوطنية في المرحلة التي أعقبت الاستعمار بأساليب مغشوشة، وأخطر من ذلك تمت صناعة إنسان عربي مغشوش يعتقد أنه خير من دب على الأرض ولا يهمه سوى تحصيل "المتع" الآنية في الدنيا في انتظار ما يليها من متع دائمة في الآخرة. وحتى النخب التي قاومت التخلف الذي تنتجه الأنظمة وريثة الاستعمار القديم اختفت وظهرت "نخب مغشوشة" تعيش في الميديا وتظهر في وسائل التواصل الاجتماعي في فئتين، فئة زعماء الطوائف والعشائر وفئة المهرجين، وفي الفئتين يبرز المثقف العارف الذي ينسب الصواب و الرجاحة إلى نفسه ويسفّه سواه، بمعنى أننا ميلاد باتريارك جديد في شكل أخطر لأنه يتبنى خطابا جديدا يخدم البنية الأبوية التي يدعي مناهضتها. وبالطبع لا يمكن انتظار تطور منظومة تعليم في بلدان يصنع القرار فيها زعماء مقدسون لا يتردّد بعضهم في القول بأنهم مرسلون، لا يمكن للخرافة أن تبني أرضية للعلم الذي يدمرها. سيكون انتظارنا لنوبل، في هكذا حال، في غير محله. وحتى وإن حصلت كما في حالة محفوظ فإن الأمر سيكون استثنائيا ويخصّ فردا لا شريك له فيما نال.