تتويجات للإبداع أم تكريمات لأشخاص بتوصيات يعود تاريخ أول جائزة أدبية في الجزائر إلى ديسمبر عام 1966 حيث منحها إتحاد الكتّاب الجزائريين مناصفة بين محمد العيد آل خليفة ومحمد ديب، الجوائز في الأصل تقليد وثقافة أوروبية بالأساس وهي غربية المنشأ، ففي فرنسا وحدها عدد الجوائز يزيد على ال 1500 جائزة سنوياً أي أنه في اليوم الواحد تمنح تقريباً خمس جوائز أدبية. الجوائز الأدبية في الجزائر على قلتها غير شفافة وغامضة وسقفها المادي أدنى مما هو موجود في الجوائز العربية الأخرى وكثيرا ما تحاط بالتشكيك والانتقادات والتساؤلات والريبة، من الضروري التدرب على أبجديات تقاليد الجوائز الكبرى، لأن الأدباء والأدب يستحقون الجوائز الكبرى المعتبرة لا الجوائز الصغيرة الشحيحة والضحلة. هل الدولة هي التي يجب أن تقدم هذه الجوائز لأنها الوحيدة القادرة والمعنية بذلك أكثر من القطاع الخاص المتمثل عادة في بعض الجمعيات والتي تتحصل على الدعم المالي من الدولة بالدرجة الأولى ونادرا من هبات بعض المؤمنين بالفعل الأدبي والثقافي. من جهة أخرى لماذا المصداقية هي الغائبة دوما عن هذه الجوائز، المصداقية تحتاج إلى لجان محايدة تقدِّر الأدب وتعمل في شفافية ونزاهة بعيدا عن توصيات بعض المؤسسات والأشخاص، لكن كثير من هذه الجوائز تحكمها توصيات أشخاص وهيئات وبالتالي تتأثر وتهتز لأنها لم تكن محصّنة كفاية. أيضا لماذا لا تستمر بعض الجوائز في التواجد في المشهد الأدبي، وبالكاد تظهر لتختفي؟، ولماذا تستمر جوائز أخرى في صنع البهرجة بعيدا عن المعايير الحقيقية للجوائز، ولماذا يحدث التهافت على جوائز لا تعطي ولا تمنح قيمة أو إضافة ذا أهمية أو نوعية للكاتب، وإنما هي جوائز تخدم بالأساس الدوائر والهيئات المشرفة عليها لا غير، حتى القيمة المالية لها تعتبر شحيحة ومهينة مقارنة بجوائز عربية أخرى، الجوائز الأدبية الجزائرية لا تعدو أن تكون كرنفالا بائسا يروج للجهات المانحة والمُنظمة أكثر مما يروج لكاتب ما أو عمل ما بعيدا عن الإحترافية والمصداقية. هذه أسئلة مشغولة ومهمومة بموضوعة الجوائز في الجزائر، وهي أسئلة تثير في المبدع شجونا وأسئلة أخرى وهذا ما نكتشفه ونقترب منه في هذا في هذا الملف مع بعض الكتاب والأدباء. إستطلاع/ نوّارة لحرش زهرة ديك/ قاصة وروائية هزيلة القيمة ماديا ومعنويا الكلام عن الجوائز الأدبية العربية خاصة غالبا ما يكون مغمسا بالريبة والتهم والظنون السيئة. نادرا ما تنجو جائزة من شبهة أو تهمة مهما حاولت أن تبدو بريئة وعارية عن كل غرض لا يمت للأخلاقيات الأدبية والإبداعية بصلة، وبما أن العالم والدنيا كلها تحولت إلى فم همه الوحيد المزيد والمزيد من المكسب والمادة التي ابتلعت كل القيم مهما حاولت أن تتمنع وترتدي ثوب العفة والترفع انخرطت معظم الجوائز الأدبية في هكذا منظومة مشكوك في شفافيتها وصدقيتها، لا أريد هنا أتهم أو أشكك في نفعية الجوائز معنوية كانت أم مادية فوجودها مهما يتسبب أحيانا في إعلاء من لا يستحق وتثبيط من لا يستحق فهي مهما ساءت سمعتها ومهما عددوا مساوئها يظل دافعا ومحفزا للمبدع وللفعل الإبداعي، هذا الذي ذكرته طبعا لا علاقة له بواقعنا الإبداعي والتكريمي في الجزائر، حالتنا الثقافية عامة يتيمة من هكذا مطمح، حتى أن كلمة جوائز تقريبا لا أثر لها في قاموسنا الأدبي ما جعل بعض الكتاب والمبدعين يتوجهون بإنتاجاتهم إلى جهات عربية وأجنبية للمشاركة في مسابقات أدبية واقتراح أعمالهم للفوز بجوائز. ولكن هل عيب أن يكون غرض المترشح ماديا بالنظر إلى الغبن المادي الذي يرزح تحته أغلب الكتاب والمبدعين في الوطن العربي، هل التهافت على الجوائز العربية الذي نلاحظه في هذه السنوات ليس إلا بدافع كسب الشهرة والتمتع بألق الأضواء. أرى أنه لا عيب من الإثنين، لم لا. مرحبا بالمال ومرحبا بالشهرة مادامت عن أهلية واستحقاق وجدارة إبداعية. أعود إلى واقعنا الجزائري. هذا الواقع الخفيف النظيف تقريبا من شيء اسمه جائزة أدبية لها وزنها وصداها في الحقل الإبداعي، وحتى جائزة مالك حداد وجائزة علي معاشي وجائزة الشعر والرواية للجاحظية مع تقديري لكل الساهرين عليها بالكاد نلمس أثرا أو تأثيرا لهكذا جوائز، لأنها هزيلة القيمة ماديا ومعنويا. غياب جوائز فعلية محفزة ومنشطة ومولدة لحركة إبداعية حقيقية لازال يفرض نفسه ولا زال سيد الموقف في حقلنا الإبداعي فلا الجهات الرسمية إلتفتت إلى هكذا شأن ولا أطراف أخرى قادرة على إنعاش ودعم الوضع الثقافي في بلدنا، وإلى حين ينفرج هذا الغبن ليس للمبدع إلا أن يكافئ نفسه بنفسه بالإصرار على أن يظل منتجا وحيا وألا ينتكس وينكسر بفعل منطق المهزلة الطاغي على الواقع الثقافي برمته وليس على مسألة الجوائز فقط. وهو الأدرى طبعا بأنه لا يكتب ولا يبدع من أجل الحصول على هذه الجائزة أو تلك، وإن كان يشتهيها لأنها تساعده على الإنتشار وإسماع كلماته أكثر. مرزاق بقطاش/ روائي لا وجود للجوائز الأدبية في الجزائر وإن وجدت تكون لها علاقة كبيرة بالمحسوبية والجهوية لا وجود للجوائز الأدبية في الجزائر أصلا. كل ما هناك عبارة عن مناسبة تسن بها بعض الشهادات التي لا علاقة لها بالأدب وبالإبداع. والسبب هو أن المشرفين على أشباه هذه الجوائز أناس مرتبطون بدنيا السياسة أو هم انتهازيون ينتظرون زيارة الرئيس أو الوزير أو مناسبة تاريخية للتحدث في شؤون الأدب ومحاولة تكريم الذين لا ينبغي تكريمهم. وهل هؤلاء الناس يقرأون الشعر والرواية والنقد الأدبي والكتب والدراسات التاريخية أو غيرها؟، كلا وألف كلا. الجوائز الحقيقية ينشئها أولئك الذين لا يعرفون ما الكتاب وما الجهد الأدبي, وهم في أغلب الأحيان أناس بعيدون عن دنيا السياسة مثلما هو الأمر في فرنسا على سبيل المثال أو في أمريكا أو في أنجلترا. وحيثما كان للسياسة دخل انتفى كل أثر للإبداع الأدبي. وذلك بالذات ما يحدث عندنا. الجوائز تأصيل يتبعه تقليد، وكل ذلك يفضي إلى لفت اهتمام أهل الأدب والمبدعين بصورة عامة، بل إن بعض الجوائز الأدبية التي أسستها بعض الجمعيات الثقافية لها علاقة كبيرة بالمحسوبية وبالجهوية وبغيرها من النقائص الأخرى. المعول عليه في هذا الشأن هو أن يبرز أناس ينظرون نظرة جديدة إلى دنيا الكتاب والكتابة. كان ألفرد نوبل عالما كيماويا مختصا في التفجيرات لكنه أدرك قيمة المعرفة والفكر فرصد جميع أمواله لمن يجتهد في مضمار الإبداع العلمي والأدبي. أما نحن فننتظر أن يطلع من بين أصحاب المراقص وتجار الموز والكيوي أن يبرز من بينهم من يولي بعض التفكير لهذا الجانب. ولذلك، فهم ينتهزون هذه المناسبة التاريخية أو تلك، هذه الزيارة التي يقوم بها الرئيس أو الوزير، لكي يتطاولوا على قطاع لا يعرفون شيئا عنه. وأنا شخصيا لا أنتظر منهم أدنى نظرة تقديرية لمن ينظم الشعر ويكتب الرواية وينحت تمثالا أو يرسم لوحة. رأيي فيهم جميعا لا يمكن أن يكون إيجابيا على الإطلاق، ولذلك، كانت الكتابة ثم الكتابة هي الشيء الأبقى، وهي الجائزة الوحيدة التي يقدمها المبدع لنفسه في هذا الزمهرير الثقافي الذي يعيشه المبدع بصورة عامة في هذه الجزائر. فاطمة ابريهوم/قاصة تخرج المقاييس إلى اعتبارات غير فنية فتتبعثر القيمة على حبل النفع الضيق ونحن نكتب ضمنيا نبني جسورا مع قارئ ما، نحب أن نتواصل معه، ككائنات حبرية تهوى التجريب وكسر النماذج السائدة، وعبر محاولاتنا لجعل هذا العالم مختلفا يظن البشر أننا نعرف أكثر منهم، والحقيقة أننا فقط نملك ملكة كشف هواجسنا وما نفكر فيه معتقدين أنه سيحدث فرقا ما، ويحسنون هم العبور في صمت يستمتعون بالحياة التي لا تحتاج إلا إلى ما يملكه كل إنسان ليعيشها بحدوده، وغبائه، ومكره، وطيبته، وسذاجته (دون كل المعارف التي يتعب نفسه في تحصيلها منذ عصور) فهل يستحق هذا أن نجازى عليه؟، لا أعلم. إنما دأبت بعض الأمم التي تحترم ما ينجز أبناؤها على تقدير إضافاتهم في كل مجالات الإبداع البشري وفق مقاييس محددة كالجدة، والأصالة والصدق، أو أحيانا حتى ما يخدم توجها سياسيا، أو دينيا...إلخ وهذا نافع بشكل من الأشكال فمثلا كل سنة تشرئب الأعناق إلى الترشح لنوبل أو أي جائزة أخرى، أو معرفة مَن مِن بني الإنسان حصل على إحداها، فالعرفان بشكل ما هو حاجة تكاد تكون فطرية في الإنسان الذي يسعى إلى تحقيق وجوده أو فرحته بما ينجزه. لكن عندنا تخرج هذه المقاييس إلى اعتبارات غير فنية غالب الأحيان فتتبعثر قيمة الجائزة على حبل النفع الضيق للقبيلة أو القرابة أو الصداقة أو..أو..أو... ضيق يجعل أناسا لا يمتون للكتابة بمفهومها الأدبي الإنساني يتوهمون العظمة والأهمية التي تبوؤهم للثرثرة والحديث باسم أدبنا وهمومه. ثم أضيف أن الجائزة فعل ثقافي يؤسس لتقاليد جميلة، عندما تكون الهيأة المكلفة بها متفتحة قراءة وإطلاعا ونقدا لتتمكن من دفع الأدب إلى التحرر من قيود النظرة المحدودة وليس ربطه إلى أهداف آنية لتمويه الفراغ الثقافي وملأ أجندات بعض الهيئات الثقافية أو الجمعيات فأظنها بذلك لا تبرح بنا ما نحن فيه من بؤس وتقوقع يجعلنا نجتر أدواتنا، ويبعدنا أكثر فأكثر عن ما يقدمه الإنسان الذي يجتهد إلى تغيير الحياة دون بهرجة الاسم الأدبي، أو ما يحدث إرث أحدهم في هذه القافلة اللامتناهية من المبدعين. زرياب بوكفة/ روائي تمنح من أجل تبرير صرف ميزانيات إجمالا وإجماعا لا توجد جائزة بريئة ولا تعتمد التقية، مهما كانت هذه الجائزة، مهما كانت مناسبتها وقيمتها، من نوبل، البوايتزر، الغانكور، الجمعية الملكية البريطانية وغيرها. كلها جوائز موجهة لخدمة مصلحة ما أكانت سياسية – وهي في العموم كذلك- أو ثقافية – كجوائز فرنسا- أو مصالح لا نفهمها بعد. الحمد لله في الجزائر الأمر مختلف نوعا ما، فجل الجوائز الأدبية خارجة عن سيطرة الدولة المباشرة أو سيطرة أقطاب النفوذ المدركون المؤمنون بأن الأدب والثقافة عامة في الجزائر هبل واستعباط. الجوائز الأدبية في الجزائر بريئة نوعا ما وأنها إن وجدت فهي لخدمة الأدب والأدباء. وكذلك لتبرير فواتير صرف ميزانيات بعض المؤسسات للجمعيات الثقافية وغيرها. الجوائز الأدبية في الجزائر محترمة، ويكفي أن نعلم أن أهم هذه الجوائز أطلقها المبجل أبدا الطاهر وطار وأحلام مستغانمي وغيرهما من الكتاب الذين ذاقوا الإجحاف والجحود في الجزائر. ولأن أهم الجوائز يمولها أشخاص –يعلم بيهم ربي– فهي تظهر ثم تأفل، ثم تظهر مرة أخرى متعثرة واهنة. عكس ما يحدث في مصر أو لبنان، أين تتكفل أنظمة قائمة بذاتها تمولها أطراف عدة بتنظيم الجوائز والسهر على نجاحها واستمراريتها وتأكيد مصداقيتها. أما في الجزائر فالأمر لا يتعدى كونه مساهمة أشخاص أو هيئات بعيدة عن الأدب كالمجلس الشعبي الولائي لقسنطينة المنظم لجائزة عبد الحميد بن باديس التي بدأت تصنع لها صدى طيبا في الساحة الأدبية الجزائرية وحتى المغاربية. وأعتقد كذلك أن هؤلاء الأشخاص لن يمكنهم تقديم جوائز قيمة لندرة مواردهم المالية فأحلام مستغانمي هي التي تمول جائزة مالك حداد من حر مالها والراحل الطاهر وطار قام بنفس الشيء. أما بعض الجوائز المناسباتية فهي كما قلت آنفا تبرير صرف لا غير ومع هذا فهي مفيدة وإيجابية. أعتقد أن الجوائز الأدبية في الجزائر عارض صحي لا يصنع الأديب بل يشجعه على الإيمان بأن ما يقوم به أمر جاد يستحق العناء والتضحية ما دام له جوائز حتى ولو كانت جوائز من طينة c'est le geste qui compte . علاوة كوسة/ قاص وشاعر تخدم الجهة المانحة والمشرفة عليها ولا تخدم المبدع لا توجد لدينا تقاليد جوائز مقارنة بالجوائز العربية أو الغربية، حتى من الناحية المادية جوائزنا هزيلة ونحيفة ماديا، والمبدع يخجل من ذكر قيمتها المادية، مثلا أكبر جائزة في الجزائر هي جائزة على معاشي وهي جائزة دولة، لكن قيمتها المادية لا تشكل شيئا أمام جوائز الشارقة مثلا، وحتى من الجانب المعنوي، لا توجد جائزة تترك أثرا معنويا طيبا في نفسية المبدع الجزائري، لا توجد جائزة تحتفي بالفائز أو تهتم بتسويقه كما يحدث في الكثير من البلدان، يعني القيمة المعنوية للجوائز عندنا منعدمة، الجائزة تموت في يومها وفي لحظتها، تموت بعد توزيعها مباشرة، الجوائز عندنا عبارة عن بروتوكول يخدم الجهة المانحة والمشرفة عليها ولا يخدم المبدع لا معنويا ولا قيميا ولا ماديا، كثير من المسابقات ترويجية للجهات المنظمة وشخصياتها، شخصيا كنت في لجان التحكيم في عدة مسابقات وطنية ورأيت أكثرها كانت فاقدة للمصداقية والنزاهة، والنصوص تخضع لعلاقات وتوازنات شخصية في الكثير منها، ولا تخضع للمعايير الأدبية من ناحية الجودة أو الإبداعية أو التفوق والتميز، لكن لمعايير غير منصفة وغير نزيهة، هناك إستراتيجية باهتة وغامضة ومريبة فيما يخص المسابقات والجوائز في الجزائر، وعادة ليس النص الجيد هو الذي يفوز، إنما حسابات وإستراتيجيات مبيتة هي التي تقرر فوز هذا أو ذاك حسب العلاقات وحسب التوزيع الجغرافي أحيانا وحسب التوصيات أيضا وغيرها بعيدا عن الشفافية والمصداقية والإحترافية. الملاحظ في الآونة الأخيرة أن الجوائز في الجزائر كثرت وتعددت لكن تبقى مجرد بروتوكولات و وجاهة تزين بها بعض الملتقيات وبعض الأسماء والشخصيات، وهذه الجوائز لا تستمر، معظمها تلغى أو تحجب وهي في كل الأحوال ليست نزيهة. كمال قرور/ روائي لا تخضع إلى أي تأسيس وتمنح في الغالب محاباة تؤسس الجوائز في العالم وفق إستراتيجية واضحة تخدم الغرض الذي تؤسس من أجله، وسياسة الجهة المؤسسة والراعية لها. وبمقاييس صارمة يعلمها الجميع، وفي الغالب تساهم الجوائز في اكتشاف المواهب والمبدعين ورجال العلم والمعرفة الذين يضيفون دائما عصارتهم للبشرية لترتقي. أما الجوائز في الجزائر، إلا ما ندر منها، فهي لا تخضع إلى أي تأسيس، ولا أدنى مقاييس وتمنح في الغالب محاباة ولا تخرج عن إطار الشلة والزبائنية. وفي الغالب ما تكون هذه الجوائز تهافتا على اقتسام الريع بين القائمين عليها، بتواطؤ مسبق مع الفائزين بها مسبقا. والحقيقة هذه ليست إشكالية تستحق أن نهدر الوقت في مناقشتها، والتنظير لها إنما يجب أن تثار كقضية رأي عام لأنها جزء من الفساد الثقافي. لوضع حد لنهب المال العام. ولوضع حد للذين يسيطرون على المشهد الثقافي بفسادهم.