مختصون يحذرون من فتاوى الفضائيات التي تبيح دفع البقشيش و الرشوة دعا باحثون ومختصون في علوم الشريعة والقانون إلى ضرورة تعزيز الترسانة القانونية وسد ثغرات قوانين مكافحة الفساد والوقاية منه وردع المفسدين، وحذروا في ذات السياق من أي تبرير للفساد قانونا أوشرعا لاسيما من قبل بعض المفتين عبر الفضائيات الذين يبيحون صورا من الرشوة ويجيزون للمواطن دفع البقشيش لقضاء مصالحه. وفي ملتقى وطني حول ظاهرة الفساد المالي والإداري اختتمت فعالياته مساء أمس الأول بقسنطينة بعد يومين من الأشغال بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية وبمشاركة ما يقارب 40 باحثا من مختلف جامعات الوطن، أوصى المشاركون بضرورة إعادة صياغة المنظومة التشريعية وتحيين النصوص القانونية المتعلقة بمكافحة الفساد بما يضمن سد الثغرات التي تحول دون تنفيذ الإجراءات المنصوص عليها، وتعطي صلاحيات أوسع لأجهزة الرقابة والرصد للتصدي لهذه الظاهرة المرفوضة شرعا وعرفا وقانونا، وفيما أشادوا بتوجيهات رئيس الجمهورية وثمنوا سلسلة الإجراءات والمراسيم التي أصدرها لاجتثاث الفساد ومحاصرة المفسدين حفاظا على مستقبل الأجيال ومقدرات الأمة، حرصوا في المقابل على الدعوة إلى الصرامة في تطبيق القوانين ومحاصرة المفسدين وتشديد العقوبات المقدرة بما يجعلها رادعة وزاجرة، وذلك بالتوازي مع تفعيل مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام للقضاء على الظاهرة وتجفيف منابعها وتربية النشء الصاعد داخل الأسرة والمدرسة والمسجد على قيم الأمانة والعفة لتكوين جيل مستقبلي محصّن من رذائل الفساد وموبقاته.. الملتقى الذي لم يقرّر أسبابا محددة للظاهرة أو حلولا نهائية لها، حاول اقتحام هذا الملف الوطني والدولي الشائك من باب طرح التساؤلات، وتوجيه الأنظار وتقديم وجهات نظر واقتراحات من زوايا قانونية واجتماعية وشرعية نالت حظها من النقد والنقاش بين مختلف الآراء والرؤى، وفي هذا الصدد كشف بعض المختصين عن الخلفية العالمية والمصادر الدولية لمكافحة الفساد ممثلة في الاتفاقيات وصداها في منظومة التشريع الجزائرية، حيث حصروا الأفعال المصنفة فسادا وطنيا ودوليا في الرشوة واختلاس المال العام والخاص والمتاجرة بالنفوذ وإساءة استغلال الوظيفة والإثراء بلا سبب وتبييض الأموال وغسل العائدات الإجرامية.وحرص بعضهم على التأكيد على أهمية تنمية الوازع الديني الذي يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع الإجراءات التشريعية والردعية، ليؤكدوا أن ضعف الوازع الديني قد يتزعزع حتى عند بعض الأئمة فيطالهم الفساد، كما أن العوامل السوسيوثقافية نالت قسطا من المداخلات باعتبارها كرّست ظاهرة الفساد ومنها تراجع دور المدرسة واهتزاز مكانة المربي وضعف الروابط الاجتماعية، كما انتقدوا أسلوب بعض وسائل الإعلام في تناول الظاهرة حيث تركز على عرض الأحداث والوقائع دون أن تتابع عرض الإجراءات المتبعة في حق المتورطين من قبل السلطات العمومية والعقوبات الصادرة في حقهم من قبل السلطة القضائية، فيما أكد آخرون مجموعة معوقات موضوعية واقعية في الممارسة الإعلامية تجاه هذه الظاهرة وصعوبة الوصول إلى الخبر. وفي خضم المعالجة الشرعية للفساد حذر الدكتور عبد الله بوجلال من فوضى فتاوى الفضائيات التي يقصف بها الجزائريون يوميا حيث عرض نماذج وصل الأمر بأصحابها إلى إباحة دفع البقشيش من قبل المواطن لمن يقضي له مصالحه بالإدارات وغيرها، بل أجاز بعضها الرشوة في بعض الحالات مما يساهم في تكريس هذه الظاهرة اجتماعيا وتبريرها عرفيا. ويهدف الملتقى الذي يعد بادرة أولية إلى دفع المشرع إلى تبني قوانين وإجراءات ردعية لمجابهة الظاهرة لاسيما في أخطر أوجهها الرشوة والاختلاس والتهرب الضريبي .