ماتزال حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية التونسية تواجه معضلة الوضع الامني المتردي الذي بات يشكل خطرا على استقرار البلاد في الوقت الذي تمر فيه تونس بفترات صعبة تميزها وضعية اقتصادية واجتماعية متدهورة مما جعل السلطات التونسية تقررتمديد العمل بالاجراءات المتعلقة بحالة الطوارئ . واذ اتخذ الجهاز التنفيذي المؤقت قرارا برفع حظر التجول فانه قرر مواصلة تطبيق حالة الطوارئ في البلاد الى اجل غير مسمى فيما شرع الجنود والضباط الاحتياطيون في الالتحاق بالمراكزالعسكرية الجهوية الخاصة بتجنيد قوات الجيش قبل الالتحاق بثكناتهم وذلك في اعقاب الاستدعاءات التي وجهتها لهم وزارة الدفاع التونسية لمواجهة الانفلات الامني الكبير الذي تشهده البلاد. وبالنظر الى الاهمية التي تمنحها الحكومة الائتلافية للجانب الامني كقاعدة اساسية للاصلاحات فانها حددت المدة الخاصة بعمل القوات الاحتياطية بستة اشهر قابلة للتجديد مما يبرهن كذلك على القلق الذي ينتاب السلطات تجاه الاوضاع الامنية المتردية التي عادت الى الواجهة بكل قوة. وقد أصبحت الكثير من مناطق البلاد عرضة لاعمال النهب والحرق والتخريب والسرقة والاعتداء والاستيلاء على املاك الغير في وضح النهار من طرف مجرمين لاسيما بعد فرار العشرات من السجناء من سجون مدينتي المنستير وقابس مما زاد في اعباء الحكومة الائتلافية التي تواجه وضعا اقتصاديا صعبا وتهديدا بانفجار الوضع الاجتماعي جراء البطالة وغلاء المعيشة. ومنذ مغادرة الرئيس زين العابدين بن على السلطة والبلاد يوم 14 يناير الماضي ظلت القوات المسلحة التونسية عمليا تضمن الامن العمومي على غرار توقيف العديد من العصابات المخربة في شتى الولايات او تفريق الجماهير الذين يريدون غزو مقرات الولايات والادارات علاوة على مراقبة الموانئ لتفادي الهجرة السرية مثل ما وقع في ميناء مدينة جرجيس. وقد جلبت اعمال الجيش التونسي المتكون من 45 الف عسكري تعاطف وتضامن المواطنين لاسيما بعد رفضه اطلاق النار على المتظاهرين في الاحتجاجات التي عرفتها البلاد ضد نظام زين العابدين بن علي و "الوقوف الى جانب" الثورة الشعبية التونسية و"حمايتها" في الوقت الذي اصبحت فيه اجهزة الشرطة المتكونة من 100 الف فرد شبه غائبة بل منبوذة من طرف الجماهير الشعبية جراء "سلوكاتها القمعية" ابان العهد البائد مما احدث ما يشبه الفراغ الامني منذ سقوط النظام السياسي القديم. ومما زاد في تردي الاوضاع تلك الاحتجاجات والاضرابات اليومية المكثفة التي طالت كل ارجاء البلاد والتي الحقت اضرارا جسيمة بالاقتصاد التونسي ناهيك عن المسيرات المطالبة بتنحية الولاة المحسوبين عن النظام السابق التي كانت لايام عديدة سيدة الموقف وكذا اقبال المواطنين بالالاف على الادارات والبلديات والولايات لطلب المساعدات الاجتماعية والمادية. وامام ظاهرة الانفلات الامني فان بعض الاطراف السياسية ذهبت الى حد وصف هذه الاحداث "بالمؤامرة على الثورة ومحاولة اجهاضها" بل القت مسؤوليات التدهور الامني على عاتق اعضاء من حزب "التجمع الديموقراطي الدستوري" الحاكم سابقا الذين حسبها مازاوا يحتلون المناصب الهامة والوظائف الحساسة بدواليب اجهزة الامن والادراة والذين تتهمهم بالعمل لصالح النظام السابق. لكن الحكومة الائتلافية طرحت امامها مشكلة من نوع اخر تتمثل في التكفل وتسييرظاهرة الهجرة السرية حيث تدفق الالاف من المهاجرين السريين التونسيين على الجنوب الايطالي وبالتحديد على جزيرة "لامبدوزا" مما ادى الى وقوع توترات بين تونس و روما التي ذهبت الى حد اقتراح تواجد عسكري ايطالي على الاراضي التونسية الامر الذي رفضته رفضا "باتا" السلطات التونسية. ولم يتوقف التوتر الخاص بالهجرة السرية عند هذا الحد بل ان عائلات المفقودين في حادثة اصطدام خافرة لحرس السواحل التونسية مؤخرا بزورق كان ينقل حوالي 120 مهاجرا غير شرعيا طالبت بفتح تحقيق فوري حول ملابسات هذه الحادثة التي خلفت 27 ضحية حيث مازات مدينة جرجيسالتونسية التي انطلقت منها العديد من موجات الهجرة السرية هذه الأيام على وقع هذه الفاجعة. لكن وزارة الدفاع التونسية اوضحت ان الخافرة التابعة للقوات البحرية طلبت من ربان زورق المهاجرين السريين الوقوف لكنه لم يمتثل للاوامر بل حاول القيام بعملية مداورة خاطئة للفرارمما جعل المركبتين تحتكان مبرزة ان القوات البحرية التونسية قامت بانقاذ ذ 99 مهاجرا سريا من بين هؤلاء الشباب. وفي العاصمة التونسية ظل حوالي 100 شاب من ولاية قفصة يعتصمون منذ اكثر من 10 ايام من اجل الضغط على السلطات التونسية لتلبية مطالبهم الاجتماعية بينما دخل تجار العديد من الاحياء بالعاصمة في اضراب ضد البائعين المتجولين متهمينهم بمنافسة انشطتهم التجارية.