يرى مراقبون أن استقالة ميشال أليو ماري يوم الأحد من منصبها كوزيرة للشؤون الخارجية بعد أقل من ثلاثة أشهر إنما تمت لإنقاذ السياسة الخارجية لفرنسا التي تتولى هذه السنة رئاسة مجموعتي الثمانية و العشرين. السبب المذكور: عطلة رئيسة الدبلوماسية الفرنسية السابقة في تونس في ديسمبر الفارط في الوقت الذي كان فيه هذا البلد يشهد حالة هيجان و بدء ثورة الياسمين التي أسفرت عن تنحي الرئيس زين العابدين بن علي. ولقد كشفت مجلة لوكانار أنشيني في شهر جانفي تلك "الفسحة" التونسية مثيرة ضجة و استنكار لاسيما لدى المعارضة في اليسار و تمت معاتبة رئيسة الدبلوماسية السابقة على استفادتها من مزايا منحها إياهم قريب من الرئيس السابق في الوقت الذي كان فيه التونسيون يطالبون في مظاهرات في الشارع بمغادرة هذا الأخير. ولقد نفت الوزيرة السابقة ذلك معتبرة أن عملية الانتحار التي كانت وراء تلك الأحداث تمت في نهاية إقامتها لكن الثورة قامت قبل أسبوعين من ذلك بعد انتحار شاب تونسي في السابعة عشر من العمر حرقا في منطقة سيدي بوزيد في 17 ديسمبر. بعد أن أفحمتها الصحافة و خصومها في اليسار صرحت أنها عندما تكون في عطلة فإنها لا تتصرف كوزيرة للشؤون الخارجية قبل أن تصحح خطأها بعد يومين لتقول "نبقى وزيرا للخارجية طوال اليوم وعلى مدار السنة". بعد أن استفادت من دعم المجموعة الرئاسية تم "التخلي عنها بشكل مغفل" من طرف عضوين في الحكومة "تنبآ باستقالتها في عطلة نهاية الأسبوع أو يوم الاثنين أي قبل الدخول البرلماني". ويرى الملاحظون في باريس أنه فيما عدا استقالة أليو ماري فإن الأمر يتعلق بإعادة صياغة كامل السياسة الخارجية لفرنسا. ومن منبر مستقل استنكر دبلوماسيون منشقون عن مجموعة "مارلي" تقهقرا شاملا للسياسة الخارجية الفرنسية. واعتبروا أن نيكولا ساركوزي راهن بجزء كبير من استراتيجية "العودة القوية" على صورة "سيد العالم" التي كانت ستمنحها إياه الرئاسة الفرنسية لمجموعتي الثمانية و العشرين التي تتزامن مع نهاية عهدته قبل انطلاق الحملة الانتخابية 2012. و الواقع أن "سيد العالم" تحول إلى "سخرية العالم"، كما أضاف المتتبعون حيث اضطر إلى تسيير عطلة وزرائه الرئيسيين (أليو ماري و فيلون في مصر على نفقة مبارك) لدرجة جعلته يعلن في اجتماع مجلس الوزراء في وقت كان العالم العربي يعيش فيه أحداثا تاريخية أنه يمنع وزراءه من قضاء عطلتهم في الخارج دون ترخيص. و بتوقيع مجموعة ألبير كامو ندد دبلوماسيون من وزارة الخارجية ب "الأزمة الهيكلية" التي تعيشها الدبلوماسية الفرنسية و "خوفها من التغيير". و قالوا في هذا السياق "يبدو أن رئيس الدولة اتخذ القرار الصعب للانفصال عن السيدة أليو ماري. بات الأمر بديهيا عندما أصبح صوت فرنسا لا يسمع و لكن حذاري لخيار خلفها". ومن جهة أخرى، اعتبر إيف جيغو كاتب دولة سابق لأراضي ما وراء البحار و نائب بسين و مارن استقالة ميشال أليو ماري غير كافية مضيفا انه "يجب تغيير الوزير الأول حتى يكون لهذا التعديل أثرا سياسيا. و قالت الأمينة الأولى للحزب الاشتراكي مارتين أوبري أن استقالة أليو ماري لن تحل "المشكل" مشيرة إلى أن الدبلوماسية الفرنسية "تغرق". و اعتبرت الأمينة الوطنية لحزب أوروبا ايكولوجيا-الخضر سيسيل دوفلو أن استقالة أليو ماري من الحكومة ما هو إلا "انفجار القطيعة التي انتهجها نيكولا ساركوزي في مجال السياسة الخارجية". و يرى فرانسوا بايرو رئيس "مودم" أن صورة فرنسا "تأثرت كثيرا". و شبه النائب نوال مامير "استقالة أليو ماري من الحكومة بطرد بسبب خطأ فادح". قدمت ميشال أليو ماري وزيرة منذ تسع سنوات استقالتها في رسالة وجهتها للرئيس ساركوزي و سيخلفها آلان جوبي تاركا حقيبة الدفاع لجيرار لونغي. كما سيغادر بريس أورتوفو وزارة الداخلية التي سيتولاها كلود غيان أمين عام سابق للإيليزي و أحد المقربين من نيكولا ساركوزي.